إفشال المبادرات والجهود مسبقاً لعبة يتقنها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وباتت مكشوفة أمام الجميع، ولن تكون آخر فصولها رفضه للمبادرة الفرنسية، ولانعقاد اجتماع باريس لبحث إمكانية عقد "مؤتمر دولي" يعيد إطلاق العملية التفاوضية لتسوية الصراع العربي والفلسطيني الإسرائيلي، ولم يكتف نتنياهو برفض الجهد الفرنسي- الدولي، بل جدد رفضه أيضاً "مبادرة السلام العربية" بصيغتها الراهنة، ما يشكل كذلك، بطريقة ملتوية، رفضاً لإبداء الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، استعداد مصر لبذل كل الجهود التي تساعد في إيجاد حل للقضية الفلسطينية، حيث ربط السيسي إمكانية بذل جهود مصرية بأن "هناك فرصة حقيقية لتحقيق السلام في ظل وجود عدة مبادرات إقليمية ودولية".
وأشار نتنياهو، وفقاً لما نشرته وسائل الإعلام الإسرائيلية، إلى أن:
"هناك جانباً إيجابياً لهذه المبادرة يتمثل باستعداد الدول العربية لإنجاز اتفاق سلام مع إسرائيل، وتطبيع العلاقات معها، وبموازاة ذلك هناك جانب سلبي يتمثل بمطالبة إسرائيل بالعودة إلى خطوط عام 1967 والانسحاب من هضبة الجولان وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال حق العودة…".
أي أن نتنياهو يرفض الانسحاب من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة عام 1967، الضفة الغربية- بما فيها القدس الشرقية- والجولان السوري، ويرفض ضمناً إزالة وتفكيك المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، كشرط لازم للوصول إلى حل شامل ومتوازن. وبالطبع لم يغفل نتنياهو تجديد رفضه لتسوية قضية اللاجئين الفلسطينيين على أساس القرار الدولي 194، وهذا الرفض محل إجماع بين كل القوى والتيارات السياسية والحزبية الإسرائيلية.
وهناك نقطة رابعة لم يذكرها نتنياهو في نقاط اعتراضه على "مبادرة السلام العربية"، وهي رفض أي مرجعية للقرارات أو المبادرات الدولية ذات الصلة بالصراع العربي والفلسطيني- الإسرائيلي، وفي السياق ذاته رفض أن تكون المفاوضات برعاية الأمم المتحدة أو برعاية جماعية من كل أطراف "اللجنة الرباعية الدولية"، والإصرار على مفاوضات ثنائية، برعاية أميركية حصرية تلتزم بـ "الخطوط الحمر" الإسرائيلية، وأن تكون مرجعية المفاوضات ما يتفق عليه الطرفان المتفاوضان، بمعنى أن يتم الاستفراد بالفلسطينيين وفرض الرؤية الإسرائيلية للتسوية، بدعم وإسناد أميركي.
ولم يكتف نتنياهو بإعادة تذكير الجميع بـ "لاءاته"، بل أثقلها بمجموعة شروط للقبول بـ"مبادرة السلام العربية"، في حال تم الرضوخ لما يقترحه من تعديلات عليها، وفي مقدمة تلك الشروط اعتراف الدول العربية والسلطة الفلسطينية بما يسمى بـ "الطابع اليهودي لدولة إسرائيل"، أي استلاب حقوق الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، ووضع مصيرهم أمام مستقبل مجهول.
في ضوء هذا كله، يضع نتنياهو الكرة في ملعب العرب وفي ملعب الأمم المتحدة و"الرباعية الدولية" وفرنسا، ولا يمكن المضي قدماً في أي مبادرة أو جهد إلا عندما يقتنع نتنياهو، وائتلافه الحكومي اليميني المتطرف، بأن المجتمع الدولي لم يعد يمكنه غض الطرف عن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية، وأن إسرائيل لا يمكن لها أن تظل فوق القانون الدولي وبعيدة عن المحاسبة على احتلالها وممارساتها.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)