وتعددت الكتابات والتعليقات التي تؤكد أن روسيا لم تكن يوما تسعى للمواجهة، وسياسة الغرب هي التي تدفع إلى التصعيد، واستمرار العقوبات الاقتصادية وتعزيز الإجراءات العسكرية بالقرب من المصالح الروسية، محاولات للتأثير على موازين القوى وتغيير المواقف من بعض الملفات الإقليمية والدولية، وما تقوم به روسيا يأتي في إطار حق الدفاع عن أمنها القومي، ورفضا لسياسة الهيمنة والسيطرة والتوسع، دون المساس بمصالح الدول الأخرى وأمن واستقرار العالم.
والحقيقة التي نطق بها المسؤول الألماني تؤكد أن الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة يتبع سياسة تهدف تصعيد التوتر مع روسيا في مناطق مختلفة من العالم، من خلال توسيع رقعة الاستقطاب السياسي خصوصا في فضاء الاتحاد السوفيتي السابق، وتمكن من ضم عدد من دول أوروبا الشرقية والوسطى ودول البلطيق بهدف فتح المجال لانتشار الآليات العسكرية للحلف بالقرب من الحدود الروسية، وبينما تتسم سياسته بضم أوكرانيا وجورجيا بالتردد خوفا من رد فعل روسيا.
الحلف ينظر في إقرار عضوية أي دولة جديدة إلى اعتبارات أمنية واستراتيجية، بمعنى أن تساهم الدولة الجديدة في تعزيز أمن الحلف في مناطق نفوذه، ودول كثيرة في الحلف لم تكن تؤيد مبدأ التوسع في اتجاه الحدود الروسية لما يشكله ذلك من زيادة حدة التوتر ولا يساهم في تعزيز مناخ الثقة مع روسيا.
دول كثيرة ترفض سياسة الحلف التي يمكن أن تدفع للمواجهة المباشرة مع روسيا، وهذا ما يفسر التردد في قبول ضم أوكرانيا وجورجيا، وحتى لا يتم اللجوء إلى المادة 5 من المعاهدة المؤسسة للحلف والتي تطالب كافة الدول الأعضاء بالدفاع عن أي دولة عضو تتعرض للاعتداء.
وإدراكا لحقيقة ما يجري على الأرض ومن واقع السياسات والأحداث الجارية، انتقد وزير الخارجية الألماني، فرانك- فالتر شتاينماير، سياسة الحلف تجاه روسيا، قائلا ""ما لا ينبغي لنا فعله الآن هو الاستمرار في تأجيج الأوضاع عبر قعقعة السيوف وصيحات الحرب. من يعتقد أنه يمكن ضمان المزيد من الأمن عبر عروض رمزية بالدبابات على الحدود الشرقية للحلف، فإنه مخطئ".
وخلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ، الاثنين 20 يونيو/حزيران الجاري، تمسك وزير الخارجية الألماني بموقفه، قائلا "لدي انطباع بأن الحلف ينسى تماما الآن تبادل الآراء والحوار. يتعين البحث عن فرص لتهدئة النزاع. الردع وحده لن يصبح كافيا في النهاية".
دافع الرئيس الألماني، يواخيم غاوك، خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره الروماني، الاثنين، عن موقف وزير الخارجية، مشيراً إلى أن الهدف هو البحث عن تحسين مناخ الحوار والمناقشات مع موسكو، موضحاً "إذا طرح سياسيون كبار أفكارا بشأن كيفية تحسين مناخ النقاش مع موسكو، فإن ذلك لا يعني العدول في الوقت ذاته عن الوفاء بما التزمنا به في اتفاقات سابقة، فهذا أمر بديهي بالنسبة لنا نحن الألمان".
تصريحات وزير الخارجية الألماني تشير إلى تلك التعزيزات العسكرية التي يقوم بها الحلف في أوروبا الشرقية، في إستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا، ورومانيا وبلغاريا، فضلا عن قرار إنشاء قوة جديدة للتدخل السريع على الحدود مع روسيا، وتكون قادرة على الانتشار في حالات الأزمة، وقرار تأسيس ستة مراكز متعددة الجنسيات للقيادة شرق أوروبا ومهمته نشر قوة الانتشار السريع في منطقة النزاع.
توسعات الحلف تحقق مصالح الولايات المتحدة في اشعال فتيل الأزمات في منطقة قريبة من الشرق الأوسط الذي يعاني من ويلات الحرب وانتشار الإرهاب والتطرف، وبالتالي فإن دول وشعوب أخرى تتحمل ضريبة التوسعات الأمريكية ونهج المواجهة خصما من تحقيق السلم والأمن الدوليين.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)