وكان مسلحو تنظيم "داعش" قد استعبدوا والدي الصبي أو قتلوهما "تطهيراً لأقلية أيزيدية" كان ينتمي إليه أيمن، البالغ من العمر 4 أعوام، ومن ثم باعوه إلى زوجين مسلمين، أم أحمد وأبو أحمد.
وخلال فترة الـ 18 شهراً، التي عاشها أيمن مع الزوجين، اعتقد أقاربه أنه لقى حتفه.
وعندما استعادت القوات العراقية مناطق شرق الموصل والمنطقة المحيطة بها، وجدوا أيمن وأعادوه إلى ما تبقى من عائلته… لم الشمل الذي كان مليئاً بالبهجة والسرور، والذي انتهى —وأخيراً- بكسر الرابطة بين أيمن ووالديه بالتبني، الأمر الذي جلب لهما الحزن.
وفي مقابلة أجرتها وكالة "رويترز"، التي وصلت إلى منزله بمساعدة القوات العراقية في الراشدية شمال الموصل، شارك أبو أحمد استعراض صور الصبي عبر هاتفه الشخصي: "هذه الصورة له راكباً دراجته هنا… وهنا يقف في قاعة بمنزلنا… وهذه وهو يلعب…"
وأفرغ أبو أحمد محتويات علبة على سرير أيمن الذي كان يشاركها معهم: ألعاب، سيارات، كتاب للأطفال لتعلم الحروف العربية.
لقد كانت فكرة أم أحمد بتبني الطفل. لم يكن لدى الزوجين أطفال. وكانت قد علمت أن تنظيم "داعش" يبيع الأيتام في بلدة تلعفر، على بعد 40 كيلومترا إلى الغرب من محيط الموصل.
وتقول أم أحمد: "كان هدفي نيل رضى الله". ومن خلال فتحة حجابها الأسود، الذي لا يُظهر سوى عينيها، أضافت: "لأكون صادقة، كنت أرغب في تعليمه ديني — الإسلام"
كان زوجها، وهو موظف حكومي، ضد هذه الفكرة. ولكن لا يمكن ثني زوجته التي ذهبت وحدها للحصول على صبي من دار للأيتام يديرها المسلحون، ودفعت لهم من أموالها، راتبها كمدرسة.
وعلى الرغم من صراخ الصبي وعدم رغبته في مرافقتهما، أم أحمد أقنعته قائلة: "تعال، سوف تكون طفلي، سنعيش معاً، وسأشتري لك كل شيء."
"كان ذكياً جداً"
وهكذا، نشأ أيمن في بيت والديه بالتبني واعتادهما، وتعلم اللغة العربية بدلا من لغته الأم — الكردية، التي يتكلمها الأيزيديين.
كما أخبرت الناس أنه ابن شقيق لها، أخذته عندها والتحق بمدرسة محلية تحت اسم أحمد شريف، ولكن في أغلب الأوقات كان يقضيها في داخل المنزل.
تقول أم أحمد: "كان ولداً ذكياً حقاً. أنا علمته الصلاة والوضوء. أتعلمون كم من القرآن حفظ؟"
لم ترد أم أحمد وأبو أحمد له أن ينسى أيمن أصله ومن كان قبل مجيئه إليهما، وشجعاه على التحدث عن الحياة في قريته حردان. لكنها قالت: "كنت دائماً أحذره من ألا يخبر أحداً (أنه كان يزيدياً)".
أحياناً، كان أيمن يتساءل عن بقية عائلته، ولكن أم أحمد وأبو أحمد لم يعرفا عنهم ولا ماذا حدث لهم، إلا عن شقيقة أيمن، في منتصف سن المراهقة، التي أخذت كعبد على يد مسلح من "داعش" من تلعفر، الذي جاء بها لزيارتهم عدة مرات، لكن مصيرها مجهول الآن. كما هو مجهول مكان الأخ غير الشقيق، الذي بيع في دار الأيتام قبل أيمن.
ومع بلوغ القوات العراقية القرية، تلقى قائدها خبراً حول أن صبيا يزيدياً كان يقام هناك. فأرسل الجنود لاسترداده ولم يكن للزوجين خيار سوى التنازل عنه.
وعندما جاءت لحظة وداع الوالدين بالتبني، تشبث أيمن بأم أحمد وشرع بالبكاء. (ظهر ذلك في مقطع مصور قُدّم لـ "رويترز") وتوسلت أم احمد الجنود، الذين جاءوا للحصول على الصبي، أن يتركوها قليلاً معه.
"أتركوه معي قليلاً"، قالت أم أحمد، ثم تحاول تهدئته على الرغم من الضائقة الخاصة بها وحزنها، "سوف تذهب الآن وترى أمك الآن… وعندما تكبر ستزورني وتراني".
"عاد من بين الأموات"
لا يزال والدا أيمن ومعظم أقاربه في عداد المفقودين. ولكن جدته وعمه يعيشان على مشارف أحد المخيمات، التي نزح إليها الأيزيديون، على بعد نحو 50 كيلومترا من الراشدية.
يعتقد سمير رشو خلف (عم أيمن) أن ابن أخيه قد قُتل إلى حين رأى منشوراً على "فيسبوك" بتاريخ 28 يناير/ كانون الثاني، حيث كُتب أنه تم العثور على طفل أيزيدي يُدعى أيمن أمين بركات.
يقول خلف: "أذهلني الخبر"، مضيفاً: "إنها معجزة: عاد من بين الأموات".
(وفي شريط فيديو للم الشمل عُرض على "رويترز" من قبل الجنود الذين سلموا أيمن، تظهر جدته وهي تضرب على رأسها بأيديها مراراً وتكراراً عندما رأت الصبي، وتمسك به عندما وصل إليها غير مصدقة).
قال الرائد واثق أمجد نظار، مسؤول في الجيش العراقي الذي أشرف على تسليم الصبي إلى عائلته، "نحن جميعنا بكينا".
وقال خلف في تلك الليلة إن أيمن كان بجانبه وتوسل أن يعيدوه إلى أم أحمد.
ولكن خلال زيارة قام بها مراسلو "رويترز" هذا الأسبوع، ظهر أيمن سعيداً وهادئاً، ومسروراً بكل الاهتمام الذي يعيرونه له.
وعند سؤاله حول ما إذا كان سعيداً وسط عائلته الحقيقية، أجاب أيمن بنعم. وحول ما إذا كان يرغب في العودة إلى والديه بالتبني، أجاب أيضاً بنعم.
وقال خلف إنه ممنون جداً لأم أحمد وأبو أحمد اللذين حافظا على أمن وصحة أيمن، وأنه ممتن كذلك لأنه على خلاف الكثير من الأطفال اليزيديين، الذين كانوا قد اختطفوا من قبل تنظيم "داعش"، لم يكن أيمن مضطراً للتدريبات على حمل السلاح أو القتال.
إلا أن خلف كان غاضباً لأن الزوجين لم يحاولا جاهدين للعثور على عائلته لتخبرهما أن أيمن على قيد الحياة وفي صحة جيدة.
ورفض خلف السماح لهما بالتحدث إلى أيمن، على الرغم من أنهما اتصلا مرة واحدة.
وقال: "نحن لا نذكرهما (والديه بالتبني) أمام أيمن لكي ينساهما".
ومن جهتها قالت أم أحمد "إنه (أيمن) لن ينساهما أبداً، كما أنهما لن ينسياه"، وأضافت "أتوقع أنه سيعود إلينا".