اليوم نحاول أن نقدم قراءة في الوضع السياسي، انطلاقاً من مشهد جنيف بصورته الحالية التي يلفها التوتر والغموض، بسبب الألغام السياسية التي تزرعها بعض القوى الإقليمية والدولية للضغط على الحكومة السورية وحلفائها ليقدموا تنازلات تخالف القرار الدولي 2254.
وكذالك الأمر التصعيد القائم في سورية على عدة جبهات كان من المفترض أن تلتزم بإتفاق وقف الأعمال القتالية، وعمليات الهجوم الإرهابي المسلح على عدد من المراكز الأمنية في حمص في مخالفات صارخة لوقف الاعمال القتالية، احتلال تركي لمدينة الباب، ارسال مزيد من الجنود الأمريكان إلى شرق سوريا، التوتر على الجهة الجنوبية، استمرار القتل والقصف والتجويع لبلدتي الفوعة وكفريا، وغيرها من هذه التطورات على امتداد الجغرافيا السورية.
فما هي حقيقة ما يجري حالياً سواء في الميدان أو في جنيف؟
سر الغموض الذي يلف التحركات على الأرض؟
مدى الخطر الذي تشكله هذه التطورات على التقدم في مسار الحل السياسي؟
وطبعا موقف الداخل السوري ومصير آماله المعلقة على جنيف الحالي، فهل تبددت؟
هل ذهب الحل السياسي في ظل هذه الظروف المعقدة في غيبوبة؟
يقول السيد سومر صالح بهذا الصدد:
إن ما يحدث الآن في جنيف لا يعكس بأي شكل من الأشكال جنيف (1،2،3)، وهناك الكثير من التطورات والتعقيدات، كما وأن الأمور لا تتجه نحو الاتجاه السليم، والمشهد ضبابي ولا يستطيع أحد استقراءه خلال الأيام القادمة، وهناك مجموعة من الملاحظات أهمها أنه لا يوجد أي جدية أمريكية في التعاطي مع الجولة الحالية من جنيف (4)، بل بالعكس هناك انقضاض أمريكي على كل التفاهمات السابقة مع روسيا، والسعي نحو إرسال قوات أمريكية جديدة إلى شرق سورية لدعم ما يسمى بقوات سورية الديمقراطية، ومن جهة أخرى نشهد حراكاً إقليمياً من قبل السعودية وقطر وبعض الدول الأخرى في محاولة منها لتقويض كل الأسس الميدانية التي بني عليها جنيف (4)، أي أنه بعد معركة حلب هناك محاولات خليجية بدرجة أساسية في هذا الإطار، وبالمقابل هناك أيضاً إشارات من طرف الكيان الإسرائيلي صدرت لتقويض هذه الأسس التي بنيت عليها الأمور الميدانية، وهناك انقلاب تركي واضح على مخرجات لقاء أستانة، وهذا بدوره سيعقد المشهد في لقاء جنيف الحالي، كما أنه من جهة أخرى لا يوجد أي اجتماع لمجموعة دعم سورية التي كانت تناقش وتحاور وتدعو الى لقاءات واجتماعات تمهيدية والى ماهنالك، وهناك أمور أخرى أهم من ذلك كله هي أن مسار أستانة غير المكتمل قد انعكس بشكل سلبي على لقاء جنيف الحالي في عدم تحديد هوية الإرهاب، وعدم تعريفه، والأطراف التي تسعى الى الاستثمار به، وعدم تثبيت وقف إطلاق النار أو الأعمال القتالية، وغياب جدول أعمال متفق عليه، وعمليات القفز على المراحل والخروج عن القرار 2254.
وأكد صالح أن لقاء جنيف الحالي لا يوجد لديه أي زخم شعبي، أو دعم شعبي، كما كان عليه الحال في لقاءات جنيف السابقة، لأن الشعب السوري اقتنع تماماً أن الحسم هو في الميدان فقط، وليس في السياسة، عدا عن أن هناك تآمراً دائماً في جولات المفاوضات على الانتصارات الميدانية في سورية، وبالتالي عكس هذا الأمر فتوراً سياسياً لجهة متابعة لقاءات جنيف، وانعكس أيضاً حالة لزيادة في الدعم والعطاء الشعبي للجيش العربي السوري والتطوع في الألوية التي تحارب الإرهابيين.
كما أن قوة موقف الوفد الحكومي السوري في أستانة وتكريسه للقرار الدولي 2254 في جنيف، باتت محور نجاح وانتصار الوفد الحكومي السوري، ودفن ما يسمى بهيئة الحكم الانتقالي، ومن هنا نرى أن الأمريكي يسعى الى إجراء تسويات ليس في سورية فقط وإنما في كل ملفات المنطقة، ويتحرك في هذا الاتجاه على شكل كثبان رملية ريثما يتم تقويض القضية الفلسطينية، وفي الحقيقة هناك مخطط أمريكي واضح لتدمير كل المنطقة، لحين يتم هدم أسس القضية الفلسطينية، إذاً لن يعود الاستقرار الى هذا الإقليم دون حل القضية الفلسطينية.
أما الشق الميداني فقد ناقشناه مع الخبير العسكري الاستراتيجي اللواء محمد عباس، حيث وقعت أحداث في غير صالح الحل السياسي، خاصة في ظل إشعال فتائل المعارك في مناطق مختلفة من الجغرافيا السورية والتي من المفترض أن تطبق قرار وقف الأعمال القتالية، لا أن توسع دائرة الحرب نحو داخل المدن كما حدث مؤخراً في مدينة حمص في الهجوم على مراكز أمنية والقيام بأعمال هجومية انتحارية إرهابية أودت بحيات العشرات من الضباط والجنود والمدنيين في مناطق تواجدها.
لذا وانطلاقاً من هذه التقلبات والتطورات، قال اللواء عباس:
إن لقاء جنيف الحالي من وجهة نظري هو عبارة عن مرحلة متقدمة من مراحل الصراع في سورية، وأنه لم يكن بالنسبة لمن حضروا ونفذوا العدوان على سورية أي تصور بأن هذه المرحلة هي مرحلة من مراحل العدوان على سورية، ولكن انتصارات الجيش العربي السوري، وصمود الشعب، ودعم الحلفاء جعل من هذه المرحلة مرحلة تحول كبرى من مراحل الحرب التي تخاض على سورية وفي سورية، وهذه العوامل المدعومة بصمود الشعب السوري وانتصارات الجيش كان لها الدور الحاسم في تفويت الفرصة على تنفيذ المشروع الإخواني، ووقف مانعاً أمام فرض الأجندة السعودية أو التركية الإخوانية على سورية وهذا ما خلق متغيرات جديدة أرغمت السعودي والأمريكي والتركي والقطري على الذهاب الى جنيف، ومنع تنفيذ المخطط الذي كان يهدف الى تدمير سورية بعدوان مبرر، وتفكيك الجيش السوري، لإعطاء الفرصة لدخول التركي والسعودي والأردني والجيوش الأخرى الى سورية، ومن ثم يدخل الأمريكي ومن معه من المجاميع الإرهابية منتصراً، ليستلم ركاماً من دولة كان أسمها سورية، وتقسيمها الى كانتونات عشائرية وطائفية ومذهبية.
بالإساس وفق مخططهم كانوا يريدون تغيير وجه المنطقة بشكل أو بآخر، وما العمل الإرهابي اليوم في مدينة حمص إلا دليل على أنهم لا يريدون الحل ولا يريدون اتفاقا، وإنما أرادوا تسعير الحرائق التي يطفئها الجيش العربي السوري الذي يقدم الشهداء بلا تردد لأجل مكافحة الإرهاب.
