تلك الظاهرة باتت من يوميات المواطن اللبناني، الذي بات الدواء لديه همّا يضاف إلى سلسلة الهموم المعيشية في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة، تشهد تقلبات حادة في سعر صرف الدولار الذي سجل أرقاما قياسية غير مسبوقة أمام الليرة اللبنانية، وذلك في بلد قائم أساساً على الاستيراد.
تقنين غير رسمي
هذه الترتيبات يمكن وصفها بأنها "تقنين غير رسمي"، حيث تقوم شركات الأدوية بتسليم كميات محدودة من الدواء.
الأزمة ليست بسيطة، وإمكانية معالجتها "على الطريقة اللبنانية"، وهي العبارة التي تدل على قدرة اللبنانيين على التعامل مع الأزمات، لم تعد ممكنة خصوصاً مع اتساع قائمة الأدوية التي فقدت تماماً من السوق.
غياب الرؤية
ويضيف جبارة "نحن في حاجة إلى وضوح في الرؤية، بحيث نكون على علم بما يمكن القيام به على مدى عام على الأقل، لكي نحدد وجهة عملنا خلال الأشهر المقبلة، أو حتى نهاية العام الحالي، فهل سيستمر العمل على أساس السعر الرسمي أو على أساس خطة ترشيد الدعم"، مشدداً على أن "غياب الرؤية هو الذي يخلق حالة هلع وعدم استقرار".
ويشدد جبارة على أنه "لم يعد مقبولاً أن يبقى العاملين في قطاع الدواء، من صيادلة ومستشفيات وشركات استيراد، في وضعية الحصول على مدخولهم من سعر الدواء على أساس سعر صرف الدولار المحدد بـ1515 ليرة لبنانية، في حين أن سعر صرف السوق السوداء قد وصل إلى 15 ألفاً، فمدخولهم لم يعد يغطي نفقاتهم التشغيلية".
من جهته، يقول جان العجيمي، وهو صاحب صيدلية صغيرة في منطقة الكورة في شمال لبنان لوكالة "سبوتنيك" إن الوضع سيء في كافة المجلات، و نحن الصيدليين خصيصاً نعاني منه".
نقص الأدوية
يشير العجيمي على وجه الخصوص إلى فقدان دوائي "الديكساميثازون، واللوفينوكس وغيرها من الأدوية المهمة ومنها متعلقة بوباء الكورونا وخاصةً حالته الصعبة. وهناك أيضاً أدوية لمعالجة ضغط الدم مفقودة. أما الأدوية الأخرى، مثل بلافيكس (دواء قلب)، فيتم تسليمنا ثلاث علبٍ بالشهر فقط، في حين أن عدد الزبائن يتخطى العشرة أشخاص، وأنا أتكلم عن نفسي كصاحب صيدلية صغيرة"، لافتاً إلى أن "هناك الكثير من الأشخاص الذين ينتهي بهم المطاف دون حصولهم على الأدوية".
يرى العجيمي أن "الوضع في لبنان سيئ للغاية، والجميع يعاني من وطأة الأزمة، من المواطن إلى الصيدلي. أما رفع الدعم، فسوف يدفع ثمنه المواطن والصيدلي معاً"، موضحاً "من الممكن أن يخفف رفع الدعم العبء المادي على الصيدلاني قليلاً، ولكن هل سيبقى المواطن قادراً على الشراء؟".
من جهته، يقول إلياس حنا أبو كرم، وهو صاحب شركة "كرم بارا فارماسوتيكالز" لاستيراد وتوزيع المواد شبه الطبية إن "عدد الشركات التي تتعامل باستيراد الأدوية المدعومة قلت بسبب عدم توفر الدولار في السوق والدعم الكافي من قبل السلطات، مما انعكس على توفر الأدوية المدعومة في السوق".
ناقوس خطر
الشق الثاني، يتعلق بقدرة الصيدليات على الاستمرار، لا سيما أن نقيب الصيادلة قد دق ناقوس الخطر حين كشف عن أن 600 صيدلية قد أغلقت أبوابها في لبنان، كما أن هناك المزيد من الصيدليات التي تواجه الإفلاس.
وفي هذا الإطار يقول أبو كرم "للأسف هناك صيادلة أغلقت أبوابها بعدما ازداد وضعها سوءاً. ومن ناحية ثانية، نحن كشركات غير قادرين على تسليم الكميات المطلوبة من قبل الصيدليات، لأنه ليست لدينا القدرة على تلبية الطلب، وذلك بسبب عدم توفر البضائع لعدم قدرتنا استيراد الكميات الكافية في ظل أزمة الدولار. كذلك فإن ربح الصيادلة قد انخفض بسبب عدم قدرتها على تأمين البضائع وبيعها، فالصيدليات تعمل على أساس سعر الصرف الرسمي، أما السوق فيعتمد على سعر الصرف الفعلي (في سوق الصرف الموازية) فإن حدثت مشكلة ما، وأبسطها تعطل سيارة النقل، وصيانتها بالدولار، وسعر صرفه في السوق الموازية قد وصل إلى ما بين 10 و15 ألف ليرة".
وكيف يتصرف أصحاب الصيدليات في هذا الوضع؟ السؤال يبدو صعباً، إذ لا يجد أبو كرم ما يقوله سوى عبارة "الصبر، لا أكثر ولا أقل!".