يعانون الوصم الاجتماعي... إطلاق أول منصة رقمية تساند مرضى الإيدز في تونس
إطلاق أول منصة رقمية تساند مرضى الإيدز في تونس
© Sputnik . Mariam Gadera
تابعنا عبر
رغم تطور علاج فيروس نقص المناعة البشرية المؤدي إلى الإصابة بالإيدز ومجانيته، ما يزال الحاملون لهذا الفيروس في تونس يعانون من مشاكل صحية ونفسية، منها الانقطاع المستمر للأدوية والوصم الاجتماعي.
تتعايش التونسية فاطمة (42 سنة) وهو اسم مستعار مع فيروس نقص المناعة منذ 14 عاما، بعد أن نقله لها زوجها الذي مارس علاقة حميمية خارج إطار الزواج دون وقاية.
وتقول لـ"سبوتنيك"، إنها تعرضت إلى صدمة مضاعفة، باكتشافها لخيانة زوجها بعد 3 سنوات من الزواج وبمعرفتها بأنها حاملة لفيروس سيرافقها مدى الحياة وما تزال فئة واسعة من مجتمعها تعتبره "وصمة عار".
رحلة صعبة نحو الاندماج
قاومت فاطمة نظرة المجتمع السلبية لحاملي فيروس نقص المناعة طيلة سنوات، ولم تكن رحلة اندماجها مع المجتمع أمرا سهلا. تضيف "تلاحقك أعين الناس وهمساتهم أينما ذهبت، وكأنك أنت من ارتكبت الخطيئة.. إنهم يتناسون المذنب الحقيقي ولا يخجلون أحيانا من توجيه أصابع الاتهام إليك".
وتؤكد فاطمة أن البعض من المحيطين بها ممن يعلمون بحملها لهذا الفيروس يتجنبون مشاركتها الحديث أو حتى الاقتراب منها، ظنا منهم أنها ستصيبهم بالعدوى.
وتقول: "كان حلمي أن أكون أمّا، ولكنني اليوم أحمد الله أنني لم أنجب طفلا لأنه سيتقاسم معي التمييز والإقصاء".
ويواجه غالبية المصابين بفيروس نقص المناعة في تونس مشاكل حقيقية في الاندماج، إذ يلاحقهم الوصم الاجتماعي وسوء المعاملة سواء من المحيطين بهم أو حتى داخل مراكز الرعاية الصحية.
وكشفت دراسة سابقة لمنظمة اليونيسيف أن 60 بالمائة من المصابين الذكور و66 بالمائة من المصابين الإناث أبلغوا عن تعرضهم للتمييز على خلفية حملهم لفيروس نقص المناعة البشرية.
إطلاق أول منصة رقمية تساند مرضى الإيدز في تونس
© Sputnik . Mariam Gadera
علاج مجاني ولكن غير متاح
وتخصص وزارة الصحة التونسية اعتمادات مالية تتراوح بين 5 ملايين دولار و7 ملايين دولار لمرافقة المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية وتؤمن لهم علاجا مجانيا داخل أقسام الأمراض الجرثومية والمعدية في 4 محافظات. غير أن شهادات عدة تؤكد لـ"سبوتنيك"، أنهم لا يحصلون على الأدوية المجانية بشكل دائم.
وتؤكد منية (33 سنة) التي ما تزال في المرحلة الأولى من الإصابة لـ"سبوتنيك" أنه يتوجب عليها تلقي الدواء بشكل يومي، ولكنها تبقى أحيانا دون علاج بسبب الانقطاع المتكرر لمخزون الأدوية. ويسبب لها هذا الوضع مخاوف من انتقالها إلى الخط الثاني من العلاج لإخماد الفيروس ومنع تكاثره.
ويتعيّن على منية التي تقطن في مدينة زرمدين بمحافظة المنستير (الوسط الشرقي) قطع مسافة تزيد عن 25 كيلومترا للوصول إلى مستشفى فطومة بورقيبة أين تحصل على أقراص الأدوية كل 3 أشهر.
وأكدت منية أنها عانت صعوبات حقيقية في الحصول على الأدوية خاصة أثناء فترة الجائحة الصحية، مضيفة "قدموا لي أدوية منتهية الصلاحية مؤكدين أن الأمر لا يمثل خطا على صحتي، وهو ما أجبرني على تحمل تكلفة جلب الدواء من الخارج بأسعار باهظة تفوق طاقة تحملي".
إطلاق أول منصة رقمية تساند مرضى الإيدز في تونس
© Sputnik . Mariam Gadera
منصة رقمية لتوجيه المصابين
ويمتنع نصف الحاملين لفيروس نقص المناعة البشرية في تونس عن تلقي العلاج، إما بسبب الوصم الاجتماعي أو نتيجة نقص المعلومات وعدم درايتهم بأساليب وأماكن العلاج.
وحديثا، وجدت الجمعية التونسية للصحة الانجابية في تونس طريقا لمساندة المصابين وتوجيههم وتوعيتهم، عن طريق إحداث أول منصة رقمية تفاعلية تعنى بمكافحة مرض نقص المناعة المكتسب والأمراض المنقولة جنسيا في تونس.
وتؤكد المديرة التنفيذية للجمعية التونسية للصحة الانجابية أرزاق خنيتش لـ"سبوتنيك"، أن الهدف الأساسي من هذه المنصة هو الوقاية من الإصابة بالإيدز وحماية المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشرية وتقريب الخدمات خاصة بالنسبة للفئات التي تقطن في مناطق لا تشملها التغطية الصحية.
ووفقا لخنيتش، توفّر هذه المنصة لمستخدمها امكانيات الولوج إلى معلومات دقيقة بشأن الصحة الجنسية والإنجابية وأساليب العدوى وطرق تجنبها. كما تقدم معطيات حول الحقوق الجنسية للفرد عبر فيديوهات مبسطة.
وتضيف خنيتش "يجد المصابون صعوبة في الحصول على معلومات صحيحة وأحيانا يلجؤون إلى الاستفسار من الأشخاص الطبيعيين أو عن طريق مواقع تمدهم بمعلومات خاطئة، لذلك توفر لهم هذه المنصة دراسات ومعلومات علمية دقيقة وتمكنهم من التواصل المجاني مع مختصين وخبراء ورجال قانون لإرشادهم وتوجيههم".
وتؤكد خنيتش أن عددا كبيرا من المصابين بفيروس نقص المناعة يجهلون أن بإمكانهم التعايش مع الفيروس بشكل طبيعي إذا ما تلقوا العلاج بطريقة صحيحة، مشيرة إلى أن 5 أطفال يولدون سنويا في تونس وهم حاملون للفيروس، في حين أنه كان بامكانهم تجنب العدوى لو تلقت أمهاتهم العلاج.
وقالت: "تستهدف هذه المنصة الشباب من الجنسيْن الذي يستخدمون الوسائل الرقمية بكثرة، وكذلك الفئات المفاتيح ومستعملي الحقن وممتهني وممتهنات الجنس والمساجين الذين يتنقل إليهم شركاؤنا إلى السجون لتمكينهم من وسائل التقصي والعلاج".
ووفقا للإحصائيات التي قدمتها وزارة الصحة التونسية سنة 2020، يبلغ عدد المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشرية 5400 شخص، نصفهم فقط يتلقون العلاج و80 بالمائة منهم لا يعلمون أنهم حاملون للفيروس.
غير أن الجمعيات الصحية تؤكد أن عددهم يفوق ذلك بكثير، إذ تؤكد أرزاق خنيتش أن هذه الأعداد بعيدة عن الواقع لأن وزارة الصحة لا تحتسب الأرقام التي يقدمها المجتمع المدني والقطاع الخاص.
