أمطار ساخنة على ضاحية الأسد

لطالما انتظرت دمشق هطول المطر كغيرها من المدن السورية وانتظرت صلاة الاستسقاء التي سترويها بماء المطر بعد جفاف طويل. بدأ هطول المطر ولكن لم يكن قطرات ماء كما تعود الإنسان أن يراه، بل قذائف ساخنة هطلت على هذه المدينة كما لم تفعل في سنوات الحرب السابقة، وكان لضاحية الأسد النصيب الأكبر منها.
Sputnik

تقرير — سبوتنيك. ضاحية الأسد التي تبعد عن دمشق حوالي 10 كم، والتي كان يتغنى ساكنوها بالهدوء الذي تنعم به بعيداً عن ضجيج العاصمة، لم يرحمها الزمن عندما انطلقت الأعمال الإرهابية من حرستا ودوما المتاخمتين لها والممتلئتين بالمسلحين وأصبحت هذه الضاحية الهادئة فيما مضى مليئة بالضجيج الآن ولكن ليس ضجيج المارّة أو السيارات بل ضجيج القذائف التي تتساقط عليها حتى لا تكاد تفارقها، والملفت أنّ هذه الضاحية لا تحوي أهدافاً استراتيجية تغري المسلحين لاستهدافها بل العديد من المدارس التي شكلت هدفاً مغرياً لقذائفهم المنجذبة بحالة لا شعورية إلى الأطفال.

في الوقت الذي احتفل به الناس بيوم رأس السنة التزم أهالي ضاحية الأسد منازلهم حتى أنّ بعضهم بات في غرف المنامة خوفاً من القذائف التي كانت تتساقط في كثير من الأحيان ولا تنفجر واستقبلوا العام الجديد وهم مختبئون في غرفهم.

القذائف على ضاحية الأسد

اختبئوا في غرفة النوم في عام 2017 ولم ينجحوا في الخروج منها إلا في عام 2018

يتحدث السيد أحمد سعيد عن ليلة رأس السنة قائلاً:

رغبت أن أقف أمام المنزل مع أولادي لمشاهدة الألعاب النارية وفي اللحظة التي قررنا الخروج فيها بدأت القذائف تسقط بتتابع على الضاحية مما دفعنا للدخول إلى المنزل ولكن جدران المنزل لم تحمنا من خطرها. بالكاد دخلنا حتى سقطت قذيفتان أمام المنزل ولم تنفجرا، وكان لهذا أثر مخيف علينا مما دفعنا للاختباء في غرفة المنامة خوفاً من أن تنفجر القذائف في أية لحظة.

قمت بالإبلاغ عن القذائف غير المنفجرة أمام منزلي، ولكن لكثرة القذائف المتساقطة في الضاحية — والتي لم تنفجر- لم يتمكن عناصر الهندسة من الوصول إلى منزلي إلا في مساء اليوم التالي وبقوا عدة ساعات وهم يفككون القذائف حتى نجحوا في مهمتهم وتمّكنا من الخروج من غرفة النوم لنشعر بأننا غبنا عاماً كاملاً عن الحياة في الخارج.

القذائف على ضاحية الأسد

انحنى ليملأ كؤوس أطفاله بالعصير، فلا هو نهض ولا أطفاله شربوا العصير.

دقت الساعة الثانية عشر ليلاً معلنةً بداية عام 2018، الجدة وأبنائها وأحفادها الصغار، يتبادلون التهنئة، في اللحظة التي انحنى فيها الشاب الثلاثيني علي جبر مصطفى ليملأ كؤوس أبنائه الصغار بالعصير ويبدؤوا بعدها بالغناء وتبادل الأمنيات بالعام الجديد، أبت القذيفة إلاّ أن تشاركهم هذه اللحظات وتمنع الشاب علي من استقبال العام الجديد مع أطفاله وزوجته ووالدته.

سقطت القذيفة — دون دعوة لمشاركتهم الاحتفال — على شرفتهم وانفجرت دون خجل من وجود الأطفال وملأت المنزل بالشظايا والدماء. غابت الفرحة وتلاشت وسط الدخان و الغبار اللذين حجبا كل شيء في المنزل، وبعد دقائق غادر عام 2017 مخلفاً وراءه جثة هامدة وأطفالاً يبكون وفتاةً مضرجة بدمائها.

منذ رأس السنة لم تنم الضاحية يوماً دون أن تزورها عشرات القذائف، ولليوم السابع من بداية العام الجديد لم تتوقف القذائف عن السقوط وبدأ الأهالي يخافون من إرسال أبنائهم إلى المدارس وناشدوا وزارة التربية تأجيل الامتحانات حتى تهدأ الأوضاع، وقد استجابت الوزارة لمطلب الأهالي وتأجلت الامتحانات حتى موعد لاحق.

القذائف على ضاحية الأسد

حتى هذه اللحظة تشخص أبصار الناس في الضاحية باتجاه حرستا ودوما ويبتهلون إلى الله أن تنتهي هذه الحرب ليعود الأمان لهم وتعود حياتهم كما كانت في السابق، آمنة دون خوف أو قلق على حياة أبنائهم ومستقبلهم.   

مناقشة