خاص لـ"سبوتنيك"... نفائس ملكيات ناجيات من محارق "داعش" في العراق (صور)

أحد الجنود الذين كانوا هناك، صرخ علي قائلا :ماذا تفعل هنا والمنطقة ليست مؤمنة؟ أخبرته، أنني أريد إنقاذ نفائس من العهدين الملكي والجمهوري، ودرع تذكار من الملك فيصل أهداه للإعدادية المركزية في الموصل "مركز نينوى شمالي بغداد"، في أربعينيات القرن الماضي، من محارق "داعش" الإرهابي، والقصف أثناء عمليات التحرير.
Sputnik

خاطر، المدرس نزار الخياط، مدير مدرسة الإعدادية المركزية، ذات الطراز الهندسي الإسلامي القديم، والعائد تاريخ نشأتها في الموصل، إلى العام 1895م، بحياته لإنقاذ ما تبقى من وثائق قديمة وتاريخ الطلاب الذين درسوا هنا على مدى عشرات السنين.

رحلة  

أخذتنا الناشطة الموثقة من فريق "نساء الموصل"، ولاء الحمداني، في جولة محفوفة بالأمل والألم في الوقت نفسه، نحو الإعداديتين الشرقية والمركزية اللتان لهما من الشهرة الواسعة في نينوى ذات الربيعين.

وتقول الحمداني "كثيرا ما كنت أسمع بالإعداديتين الشرقية والمركزية، وأسمع عن سيطهما وشهرتهما في الموصل "مركز نينوى، شمالي بغداد"، لكني لم أحظ بزيارة أي واحدة منهما سابقاً، ولكن بعد التحرير أتيحت لي الفرصة مع فريق منظمة لتقديم المحاضرات التوعية".

نفائس ملكيات ناجيات من محارق "داعش" في العراق

لم نجد الإعدادية المركزية في مكانها الأصلي الكائن في منطقة البورصة في جانب الموصل الأيمن… الذي نال من دمار الحرب الجزء الأكبر والأفظع على يد تنظيم "داعش" الإرهابي والقصف.

وتشير الحمداني موضحة، لكون البناية قد تعرضت للقصف أثناء عمليات التحرير، علما فيما بعد أن الإعدادية قد باشرت دوامها في الموقع البديل وهو عبارة عن ملحق تابع للإعدادية الشرقية.

تركنا سيارتنا عند الجانب الشرقي للموصل (الساحل الأيسر) وقررنا قطع الجسر العائم الذي يقابل الإعدادية الشرقية، سيرا على الإقدام… الجسر مخصص للعبور من اليمين إلى اليسار فقط وليس العكس.

لما وصلنا الإعدادية الشرقية شعرت بتنهدات وآهات تجتاح عواطفي حزنا لما ألم بهذه البناية من خراب، لم تسلم هي الأخرى من دفع ثمن الخلاص من الظلام الذي تلبس مدينة الحدباء ما يقارب ثلاث سنوات منذ منتصف عام 2014، على يد "داعش" الإرهابي.

الأمل

لما دخلت بناية الإعدادية الشرقية، شعرت بشيء من بصيص الأمل لرؤيتي حشد من الشباب الذين كابدوا أقسى حرب مرت على تاريخ الموصل، ورغم الجراح حزموا حقائبهم وعادوا مهرولين إلى مقاعد الدراسة التي اجبروا على تركها سابقا، تأملت الطراز العربي والهندسة الإسلامية الواضحين على معالم البناية.

نفائس ملكيات ناجيات من محارق "داعش" في العراق

عبرنا من خلال الإعدادية الشرقية إلى الملحق لنصل مبتغانا إلا وهو المركزية وقبل أن نتم، استوقفنا رجل مناديا إيانا: توقفوا ماذا تفعلون هنا؟ وبعد أن شرحنا له موقفنا والسبب الذي جئنا من أجله سمح لنا بالعبور متمتما "قولوا لمدير المركزية أن يعود لبنايته فماذا سيجني إن بقي هنا؟؟ لن يصل أحد لمدرسته ولن يتم بناء طابوقة واحدة  فيها".

وأعربت الحمداني، عن تعجبها من قول المنادي، غير أن معالم المنافسة انكشفت جلية أمامنا بين هاتين المدرستين كيف لا وكلتيهما تتنافسان على المراكز الأولى كل عام وكل إعدادية تقول أنا أول من تأسست في الموصل.

وبعد أن أتممنا عبورنا استقبلنا رجل أبيض الشعر يشبه القطن، يرتدي نظارات طبية، استقبالا حارا، علمنا بعد السلام والترحاب أنه مدير المدرسة "نزار الخياط" وهو مدرس لمادة اللغة الإنجليزية. استطعت أن اسرق بعض الوقت لتجاذب أطراف الحديث معه، وصفت الحمداني الدقائق التي وقفت بها تستمتع لحديث الخياط بأنها الأجمل في حياتها.

الألم

أخذنا الحديث إلى ما ألم بالموصل من أحداث وويلات سرعان ما رأيت الدموع تتسابق إلى عيني الخياط، تنزل أولا وترطب بشرة وجهه الذي أعياه الحزن بسبب فقدانه لابنته وحفيده وزوجة ابنه.

وروى الخياط قصته من حرب القضاء على "داعش" الإرهابي، التي انطلقت في 17 أكتوبر 2016، وحسمت في 31 أغسطس العام الماضي"لقد كانت مصيبتنا كبيرة كان كل شيء يسير على ما يرام، وكنا بانتظار التحرير من سطوة "داعش"، بفارغ الصبر حتى مجيء تلك اللحظة الغادرة التي تعرض بها منزلنا للقصف ما أدى إلى مقتل ثلاثة من عائلتي دفعة واحدة".

نفائس ملكيات ناجيات من محارق "داعش" في العراق

— اسمحي لي يا ابنتي بالبكاء فانا رجل أعيش دور القوي في المنزل كي أخفف عن زوجتي ما أصابها، لا استطيع البكاء أمامها وأنا أحوج ما يكون للبكاء.

شعرت بالألم ولمت نفسي كوني أنا السبب في فتح جراح هذا الرجل ذو المكانة الكبيرة في الموصل، وتأسفت منه، لكنه قال لي لا تتأسفي بل على العكس لقد ارتحت قليلا… ولما هدئ روعه ونشف دمعه عاد ليكمل لنا القصص.

فقال "دخلت المدرسة في العشرين من شهر حزيران/يونيو 2017، بعد تحريرنا بأيام قلائل، كان أحد الجنود من القوات العراقية، هناك صرخ علي وقال ماذا تفعل هنا والمنطقة ليست مؤمنة؟.

أجبته بأنني أريد إنقاذ قيود الطلبة، قبل أن تذهب أدراج الرياح ويضيع حق أبنائي".

نفائس ملكيات ناجيات من محارق "داعش" في العراق

حينها اعتبرني الجنود مجنونا  لمخاطرتي، لأنني أرمي بنفسي إلى عمق التهلكة بحثا عن الوثائق والقيود، رغم كل ذلك استطعت الوصول إلى مبنى الإعدادية المركزية المقصوف، واستطعت إنقاذ ما يمكن إنقاذه من قيود الطلاب حتى إنني تمكنت من انتشال درع الملك فيصل الذي أهداه للمدرسة سنة 1945م.

نفائس ملكيات ناجيات من محارق "داعش" في العراق

الاجتياح الأمريكي

سألنا الخياط، عن الوضع بشكل عام، والأسباب التي وقعت الموصل في هذه الكوارث، أجابنا "لقد كنا قبل عام 2003 "سنة الاجتياح الأمريكي للعراق وإسقاط النظام السابق، الذي ترأسه صدام حسين"، في معتقل أما بعد الاحتلال الأمريكي، فتح على البلاد أشياء كثيرة أدهشت المجتمع وجعلته في حالة من الصدمة فالانقطاع عن العالم سبب الخيبات التي ألمت ببلدنا".

ويرى الخياط، أن انعدام التدرج في الانفتاح على العالم، سبب رئيسي، مستعينا بالمثل العراقي الشائع "العافية درجات" في وصف الحال، مبينا "لو لم تكن مدينتنا "الموصل"عريقة لما استهدفت كل هذا الاستهداف،.. ولو لم نكن مهمين إلى هذه الدرجة لما حظينا بكل هذا الدعم أثناء التحرير".

وثائق

وزودنا المدرس في الإعدادية المركزية، قيس فتحي، بصور لوثائق قديمة تعود للعهدين الملكي والجمهوري، إلى أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، تم انقاذها من بين الدمار الذي طال المدرسة من القصف الذي كان يسدده طيران التحالف الدولي ضد الإرهاب في القضاء على "داعش"، لكنه يخطئ ويستهدف معالم قيمة وعريقة في الموصل بالإضافة إلى البيوت حيث دفن تحتها المئات من المدنيين أحياء قبل أن يفرحوا بالخلاص من "الدواعش".

نفائس ملكيات ناجيات من محارق "داعش" في العراق

ومن بين الوثائق واحدة تعود لحقبة المملكة العراقية، ويظهر فيها تسمية وزارة المعارف حينها، والمعروفة حاليا ً بوزارة التربية، نجاح طالب من الأقليات، أسمه "إلياس بطرس ككي"، وتخرجه من الإعدادية المركزية في السنة الدراسية (1948-1949)، بمعدل مجموعه (533) من ألف 700.

وتعرضت معالم كثيرة وقديمة كثيرة في نينوى ومركزها الموصل — ثاني أكبر مدن العراق سكانا بعد بغداد، للتدمير والتخريب على يد تنظيم "داعش" الإرهابي، والقصف، على مدى السنوات الماضية منذ العاشر من يونيو 2014، حتى تمكنت القوات العراقية من تحرير المحافظة، في 31 أغسطس العام الماضي بعد معركة استمرت نحو 9 شهور.

مناقشة