مجتمع

الإلكترونيات المستقبلية: التصميم الكمومي والبنية غير المتجانسة

إن جميع مكونات الإلكترونيات الحديثة تقريبا، منها الترانزستورات والمصابيح وأجهزة الاستشعار البصرية وليزر أشباه الموصلات والألواح الشمسية، مصنوعة على أساس ما يسمى البنية غير المتجانسة. والسؤال ما هي هذه البنى ولماذا هي مهمة للبشرية؟ وما هي الإنجازات في هذا المجال التي تستحق جائزة نوبل؟ وما هو التصميم الحديث وما هو مستقبل الإلكترونيات غدا.
Sputnik

كيف كانت البداية: الإلكترونات والثقوب

علماء الفيزياء يصممون بنى نانوية تعمل على تسريع عمل الإلكترونيات
يعلم الجميع أن الإلكترونيات الحديثة تعتمد على أشباه الموصلات. وهناك اعتقاد سائد بين غير المتخصصين، بأن أشباه الموصلات تقوم بتمرير التيار فقط في اتجاه واحد. بطبيعة الحال هذا ليس صحيحا. إذ أن أشباه الموصلات إما لا تقوم بتمرير التيار تقريبا، أو أنها تمرره في الاتجاهين، وذلك يعتمد على درجة الحرارة، والإضاءة ووجود الشوائب.

أما فيما يتعلق بـ "الثنائيات أشباه الموصلات" فهذه مسألة أخرى تماماً.  فهذه الأجهزة تعمل بالفعل كصمامات، تسمح للتيار بالتدفق في اتجاه واحد فقط. ويتم تحقيق ذلك من خلال الجمع بين المواد المختلفة.

إن عملية التماس بين مادتين أو أكثر من مواد مختلفة التكوين، هي أساس يرتكز عليها أي جهاز إلكتروني. وإذا حدث ذلك، على سبيل المثال، بين أجزاء من أشباه الموصلات المتجانسة مع محتوى من الشوائب المختلفة، فهذا يسمى بوصلة الموجب والسالب.

على الرغم من تقنية التصميم البسيطة، فإن وصلات الموجب والسالب لديها عيوبها، على سبيل المثال، عدم الاستقرار تحت تأثير درجات الحرارة العالية. حتى في أشباه الموصلات النقية عندما عند التسخين تتولد إلكترونات والثقوب. وهذا يعني بأن الكريستال سوف يصبح يوما نقيا من الشوائب، والصمام الثنائي يبدأ بتمرير التيار في كلا الاتجاهين، ويتوقف الجهاز عن العمل. والليزر على الوصلات الموجبة والسالبة لا تعمل إلا في درجات حرارة النيتروجين السائل.

نحو نيل جائزة نوبل

هذا النقص بالذات في وصلات الموجب والسالب والحاجة العامة في ليزر أشباه الموصلات، التي تعمل في ظروف درجة حرارة الغرفة، دفعت العلماء لتصميم وصلات غير متجانسة وبنية غير متجانسة.

ويشير المهندس يوري سيبيرموفسكي من معهد تقنية النانو في مجال الإلكترونيات والضوئيات، والإلكترونيات الدورانية التابع للجامعة الوطنية للأبحاث النووية "ميفي" قائلا:

"يتم توصيل اثنتان من المواد البلورية في الوصلات غير المتجانسة. وبالتالي فإن الفرق في خصائص مثل هذه الحدود يولد العديد من الظواهر المفيدة".

مخترع الترانزستور وليام شوكلي كان أول من اقترح القيام بعملية دمج مجموعة من أشباه الموصلات في جهاز واحد لأول مرة في عام 1947. لكن الانفراج العلمي الحقيقي نحو الوصلات غير المتجانسة تم تحقيقها بشكل مستقل من قبل العالم السوفياتي جوريس ألفيوروف وهربرت كرومر في ستينات القرن الماضي، حيث تم على أثر ذلك تقاسم جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2000 في وقت لاحق.

وقد اقترح العلماء في أن تكون بنية الليزر مع وصلات غير متجانسة مزدوجة، حيث تتواجد في الطبقة الرقيقة المركزية بشكل محكم الإلكترونات التي ينبعث منها الضوء، وشعاع الليزر نفسه قبل الخروج من الكريستال.

هذا هو الحل الذي سمح لليزر أشباه الموصلات بالعمل باستمرار عند ظروف درجة حرارة الغرفة. والآن يتم استخدامها في كل مكان، على سبيل المثال، في محركات أقراص DVD وأجهزة التسجيل.

بنية غير متجانسة في الإلكترونيات

تستخدم الترانزستورات، التي تسمح بتنقل حر وعال للإلكترونات، على نطاق واسع في مجال الكترونيات الميكروويف الحديثة (منظومات الاتصال الساتلية وأجهزة الرادار وأجهزة الهاتف النقال) electron mobility transistor high. ومن أجل تصميمها، فإن مسألة البنى غير المتجانسة لها أهمية خاصة.

الميزة الرئيسية لـ HEMT هي سرعة الإلكترونات، التي تسمح بتجاوز نطاق بضعة عشرات من غيغاهرتز. ويتحقق ذلك عن طريق إضافة مواد ذات إلكترونات تتمتع بحركة عالية GaAs InAs وتموضع الشوائب خارج الطبقة الموصلة.

ومع ذلك، فإن أبعاد الخلايا البلورية للمركب الكيميائي زرنيخيد إندينيوم ثلاثيInAs  لا تتوافق مع أبعاد الخلايا البلورية للمركب الكيميائي  GaA. 

علماء الفيزياء من روسيا يبتكرون مساحيق لبطاريات تخزين الهيدروجين
وبالتالي فإن نمو InAs النقي على ركائز GaAs يسبب الشقوق وهذا لا يسمح بالحصول على جهاز يعمل بشكل صحيح، مع الأخذ بعين الاعتبار أن ركائز InAs نفسها ليست متينة بما فيه الكفاية.

وبحسب رأي العلماء الروس، فإن الحل الممكن هنا هو تغيير نسبة الـ InAs تدريجيا في عملية النمو من الطبقة التحتية إلى الطبقة الموصلة. وتسمى مثل هذه البنية غير المتجانسة الاستعارات. من خلال دراسة هذه البنى، وجد الخبراء الروس بأن أفضل تأثير هو من خلال التغير التدريجي وليس السلس للتركيبة مع مجموعات من الحجمية أو ما يطلق عليها علميا superlattice — طبقات ضيقة بسماكة بضعة نانوميترات.

الحل في التصميم الكمومي

لحل هذه المسائل وغيرها اقترح فريق من مختبر التقيل الإشعاعي الجزيئي شعاع إبيتاز الطباعة الحجرية النانوية، تحت إشراف الأستاذ المساعد إيفان فاسيليفسكي من جامعة "ميفي" مبادئ التصميم الكمومي للبنية غير المتجانسة، على أساس الانتقال إلى طبقات وظيفية مركبة.

وقد أشار إيفان فاسيليفسكي بهذا الشأن قائلا:

"خلال عمل المختبر، قمنا بتصميم وتطوير مئات من مختلف الترانزستورات ذات الإلكترونات عالية الحركة للبنية غير المتجانسة على أساس المركب الكيميائي InGaAs وقاموا بدراسة خصائصها بعناية كبيرة، وهو ما حظي باهتمام كبير من قبل العلماء في جميع أنحاء العالم وجعل من جامعة "ميفي" واحدة من امؤسسات العلمية الرائدة من حيث عدد المنشورات العلمية في هذا المجال. وقد أثبتت النتائج التي تم الحصول عليها جدارتها بنجاح من خلال الممارسة العملية، في تصميم وانتاج ترانزستورات الميكروويف منخفضة الضوضاء وغيرها من الأجهزة الأخرى".

وبحسب رأي العالم، أنه على الرغم من كل التجارب الغنية بالتطبيق الصناعي، فإن هذه المواد لم تصل بعد إلى الحد المطلوب من قدراتها. وهناك مركبات أخرى تنافسها في إطار تطوير مجال "إلكترونيات المستقبل" مثل مواد الجرافين والجاليوم والكربيد GaN, SiGe, SiC التي تعد بنطاقات تردد جديدة وطاقة عالية والتشغيل ضمن درجات حرارة عالية.

البديل الفعال للانتقال إلى مواد جديدة قد يكون عبر التصميم الكمومي للبنية غير المتجانسة على أساس الزرنيخ والفوسفيد، والتي لا تتطلب ركائز باهظة الثمن وتطوير أساليب جديدة لنمو البلورات وكذلك تعقيد في العملية التقنية.

مناقشة