كيف سقط عكاز الحزب الحاكم في تركيا

هل صنع "حزب العدالة والتنمية" في تركيا معجزة اقتصادية سقطت بسقوط سعر صرف الليرة خلال الأشهر الماضية، أم أن معدلات نمو الاقتصاد التركي المرتفعة خلال العقد الأول من الألفية صنعت شعبية الحزب ومكنته من تغيير وجه الجمهورية التركية وجمع كل السلطات ومراكز القوى السياسية والاقتصادية داخل حقيبته الخاصة.
Sputnik

وما مستقبل هذه الحقيبة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد حاليا والتي من شأنها أن تغير قواعد اللعبة السياسية مجددا إن استمرت لبضع سنوات قادمة؟

"على خلفية أزمة الليرة"...تركيا تقدم تسهيلات للحصول على الجنسية

الحقيقة أن عبارة "المعجزة الاقتصادية التركية" التي تتردد في الأوساط الاقتصادية عبارة مضللة، فالنجاح الاقتصادي الهش الذي حققته تركيا بين عامي 2004م و 2012 اقتصاد قائم على الاقتراض الشرس دون بناء استراتيجية تنمية حقيقية ووضع أسس صلبة لبنية اقتصادية تضمن استدامة النمو، فمن السهل أن يسجل أي اقتصاد ضعيف معدلات نمو عالية اعتمادا على الاقتراض لعدة أعوام قبل أن يتهاوى، وهذا بالضبط ما حدث في تركيا، وربما كانت معدلات النمو ستستمر لسنوات قليلة أخرى لولا التخبطات السياسية التي وقعت فيها الحكومة التركية ابتداء من عام 2013، كتورطها في بعض النزاعات الإقليمية وتبنيها للأحزاب والجماعات المنبوذة في الشرق الأوسط والتي يُصنف بعضها كتنظيمات إرهابية، ثم جاءت محاولة الانقلاب عام 2016م والتي أعقبتها إجراءات أمنية مشددة وحملة اعتقالات واسعة خلقت بيئة طاردة للاستثمار الأجنبي، كل هذا بجانب إصرار الرئيس التركي أردوغان على خفض أسعار الفائدة وعدم الالتفات لنصائح صندوق النقد تسبب في إثارة قلق الدائنين الكبار وضرب جاذبية الاستثمار في السندات التركية، ثم جاءت الإجراءات الأمريكية الأخيرة ضد الصادرات التركية والتلويح بعقوبات اقتصادية على أنقرة كالقشة التي قصمت ظهر البعير.

"بعد أزمة الليرة"...تركيا تخطط لدخول نادي العشرة الكبار اقتصاديا

النموذج الاقتصادي التركي في واقعه دخل مرحلة الاحتضار والوفاة، وباتت أنقرة بحاجة إلى ولادة اقتصادية جديدة، فحتى نهاية عام 2017 اقترب حجم الدين التركي العام من نحو نصف تريليون دولار بحسب بيانات وزارة الخزانة التركية، وقد خفضت وكالة ستاندرد آند بورز بتاريخ 11 مايو 2018 تصنيف ديون تركيا السيادية إلى مرتبة مثيرة للقلق ضمن فئة الديون عالية المخاطر BB- جاء ذلك نتيجة لما وصفته بالمخاوف المتنامية المتعلقة بتدهور آفاق التضخم والانخفاض طويل الأمد في سعر صرف العملة التركية وتقلبه، بجانب تزايد الصعوبات في القطاع الخاص الذي يقترض من الخارج.

أزمة الليرة... ارتفاع أسعار الكهرباء و الغاز في تركيا

ولأن تركيا دولة تستورد الطاقة ومعظم صادراتها تندرج تحت قائمة الصناعات التحويلية، فقد وصل اختلال الميزان التجاري العام إلى مناطق مخيفة مع ضعف التدفقات النقدية السريعة وبلغ العجز التجاري في الحساب الجاري التركي منتصف عام 2018 نحو 58 مليار دولار مقارنة بـ 36 مليار دولار خلال الفترة المماثلة من عام 2017م.

إجمالا يمكن القول إن سقوط النموذج الاقتصادي التركي السريع الذي كان بمثابة عكاز يستند عليه حزب العدالة والتنمية يعني قرب سقوط الحزب نفسه بعد فترة قصيرة من الترنح، وكان يمكن تأخير هذا السقوط لولا الأخطاء السياسية التي وقعت فيها الحكومة التركية نتيجة طموحها باستعادة النفوذ الخارجي أيام «الدولة العثمانية»، فخسرت داخليا وخارجياً، وهو ما ينطبق عليه المثل العربي القديم «ذهب الحمار يطلب قرنين، فعاد مصلوم الأذنين».

هاني الظاهري (صحيفة "عكاظ")

 

مناقشة