للنساء طرقهم الخاصة.. الحرب على سوريا قادت حالات الانتحار نحو مستويات استثنائية

ارتفعت معدلات الانتحار في سوريا خلال السنوات الأخيرة بصورة حادة، مقارنة مع ما كانت عليه قبل سنوات الحرب التي تعيشها البلاد منذ عام 2011.
Sputnik

وبعدما كانت سوريا تصنف بين الدول التي تشهد أقل معدلات الانتحار في العالم حتى نهاية عام 2010، بدأت تتزايد حالات الانتحار فيها مع انطلاق الحرب الإرهابية، حتى وصلت عام 2015 إلى ذروتها لتسجل ما بين 130 إلى 135 حالة، بحسب مدير عام الهيئة العامة للطب الشرعي في سوريا الدكتور زاهر حجو الذي أكد أنه بالرغم من هذا التزايد فإن معدلات الانتحار في البلاد لا تزال أدنى من نظيراتها في الدول المجاورة، وضمن المعدلات العالمية.

ضمن الحد المقبول                

"شابة سورية تلقي بنفسها من الطابق العاشر بمنطقة المزة، وعجوز يحاول الانتحار عبر رمي نفسه من إحدى غرف مشفى المواساة الخيري بدون ملابس، وثلاثة شبان ينتحرون باستخدام قنبلة يدوية"، هكذا ترد أخبار الانتحار بين السوريين، تاركة إشارات استفهام كثيرة، وردود فعل متباينة بين التعاطف والاستهجان مع أنها لا تزال ضمن الحد المقبول عربياً وعالمياً وفق ما يؤكده حجو في حديثه لـ"سبوتنيك"، موضحاً أن معدلات الانتحار عادودت الانخفاض بشكل لافت في المناطق التي أعاد الجيش السوري إليها الأمن والاستقرار، "فبحث سريع في أعداد المنتحرين في معظم الدول، يُظهر انخفاض النسبة في سوريا، فحتى الساعة، لم تسجل الهيئة العامة للطب الشرعي سوى ثلاث حالات انتحار لبالغين منذ بداية العام الحالي في حين لم تسجل أي حالة انتحار بين الأطفال والمراهقين. وكانت سجلّت عام 2018، (91 حالة) أكثرها في محافظة حلب التي وقعت فيها (29) حالة انتحار.

الحرب على سوريا قادت حالات الانتحار نحو مستويات استثنائية

وعن أسباب الانتحار، يوضح الدكتور حجو أن معظمها يرتبط بالواقع المعيشي اقتصادياً واجتماعياً، إضافة إلى الخوف وفقدان الأحبة والنكبات التي طالت عوائل سورية كثيرة لتكون المحصلة وضعاً نفسياً متردياً، وتالياً تراوح حوادث قتل النفس بين الآنية والمخطط لها، تأتي الأولى إثر تلقي خبر مزعج أو صدمة، وهي تصبح أكثر سهولة بتوفر الأسلحة النارية، أما النوعية الثانية فيقوم بها عادة من عقد العزم سابقاً على الانتحار، وعدد من هؤلاء يتمتعون بدرجات عالية من الذكاء مع أن المنتحر عادة إنسان هش نفسياً، يمكن اكتشاف هذا عبر مراجعة سلوكه وردود فعله.

الحرب على سوريا قادت حالات الانتحار نحو مستويات استثنائية

الطلق الناري أولاً

في سورية تزداد حالات انتحار الرجال أكثر من النساء، وتختلف الأساليب بين الجنسين تبعاً لاختلاف نمط التفكير بطبيعة الحال، إذ تلجأ النساء عادة لأساليب أقل دموية إضافة إلى أنهن تفضلن كتابة رسالة انتحار، وهو أسلوب لا يفضله الرجل علماً أن هناك إحصائيات عالمية تقول إن "ثلث حالات الانتحار تظهر فيها رسائل انتحار"، لكن هذا النمط غير موجود في بلدنا بشكل عام، كذلك لا يلجأ المنتحرون السوريون إلى قطع وريد المعصم.

يضيف مدير عام الهيئة العامة للطب الشرعي لـ "سبوتنيك": "يمكن ترتيب طرق الانتحار حسب الدراسات ليأتي الطلق الناري أولاً تليه السموم ثم الشنق، أما الجديد مؤخراً فهو تطور أساليب الانتحار لدى النساء اللواتي ينتحرن عادة عن طريق العقاقير والأدوية لكن البعض لجأن للشنق، حيث وردت تفاصيل عن انتحار سيدة بطلق ناري، وهو مؤشر خطير يدل على إمكانية اللجوء لأسلوب عنيف، يصبح أكثر سهولة مع انتشار السلاح العبثي، ولا سيما أن البعض لا يستطيعون توفير جو أو طريقة مناسبة للانتحار كالجرعة المطلوبة من السموم أو كيفية تحضير المشنقة لكن مجرد توفر السلاح يتيح لهم قتل أنفسهم أو قتل الآخرين". 

لعبة مريم تقتل أطفالا سوريين

شهد العام الماضي حالتي انتحار لطفلين في دمشق ولثالث في السويداء استجابة لأوامر ألعاب الكترونية منها "مريم" و"الحوت الأزرق"، التي تدخل في تحد مع اللاعب إلى أن تهدده بنشر صور لعائلته أو الحاق الأذى بها في حال عدم الاستجابة لطلبها في انتحاره. وهنا أشار حجو إلى أن هيئة الطب الشرعي حذرت عن طريق وسائل الإعلام من ترك المراهقين والأطفال وحدهم لساعات طويلة أمام الانترنت المفتوح بما فيه من مواد إباحية وعنيفة، إذ يجب أن يكون الأهل أكثر انتباهاً لأبنائهم، مشيراً إلى أن البعض يميلون لتقليد حوادث انتحار شاهدوها في التلفزيون أو الإنترنت، وهو أمر حصل في دمشق مع التأكيد بأن الوضع مقبول مقابل 15 حالة انتحار بين المراهقين والأطفال في دول عربية. 

الحرب على سوريا قادت حالات الانتحار نحو مستويات استثنائية

في مناطق سيطرة "داعش"

لفت حجو إلى أن عدداً من الناشطين يتواصلون مع الهيئة لإعلامها بمختلف جرائم القتل والانتحار في مناطق سيطرة تنظيم "داعش"، وهي تفوق ما يحصل في مناطق سيطرة الحكومة بـ 5 مرات لجهة جريمة الانتحار، لكن لا يتم الإعلان عنها، كما تنتشر حوادث الانتحار في إدلب والأرياف الغربية لحلب، إذ يلجأ البعض هناك لبلع "فورسيد الألمنيوم" أو ما يسمى بـ "حب الغاز" المستخدم لإبادة القوارض، وهو ما قامت به سيدة من منطقة "بنش"، كانت غايتها إثارة تعاطف زوجها عبر تناول حبة من هذا الدواء، ومع أنها لفظتها فوراً وتقيأت بعدها، فقد توفيت بعد 3 أيام، فبمجرد ملامسة هذا المستحضر للغشاء المخاطي للسان، يبدأ المفعول والامتصاص، لذلك طالبت الهيئة بعدم بيع هذه الحبوب في الصيدليات عامة لأنها تقتل بدقائق ولا ترياق لها. 

ودعا مدير عام الهيئة العامة للطب الشرعي الدكتور زاهر حجو إلى إنشاء مرصد سوري لمراقبة حالات الانتحار، ولا سيما أن البعض يحتاج من يسمعه لا أكثر، وهناك من يقدم على محاولات خجولة أو جادة قبل أن يحدث الانتحار أخيراً.

مناقشة