تجمع المهنيين السودانيين... ملثم قلب الطاولة على البشير

منذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية ضد الرئيس عمر البشير في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2018، يلتف السودانيون حول تجمع سوداني سري أطلق على نفسه "تجمع المهنيين السودانيين"، الذي تزعم الحراك وقلب الطاولة على الرئيس الذي يحكم منذ ثلاثة عقود.
Sputnik

أعلن الفريق أول عوض بن عوف وزير الدفاع في بيان القوات المسلحة اعتقال عمر البشير والتحفظ عليه في مكان آمن، وبدء الفترة الانتقالية لمدة عامين.

لكن "تجمع المهنيين السودانيين" اعتبر ما حدث "انقلابا عسكريا سيعيد إنتاج النظام القديم والوجوه والمؤسسات التي ثار عليها الشعب" ودعا إلى مواصلة الاعتصام في الشوارع.

"تجمع المهنيين" يصف بيان الجيش السوداني بـ"الانقلاب" ويدعو لاستمرار المظاهرات

ليس للتجمع هيكل تنظيمي مثل الأحزاب، إذ يستلهم قوته من "العمل الجماعي"، وفقا للمتحدث باسمه، كما لا توجد إحصاءات مسجلة بعدد المنضوين في صفوفه.

هناك تقارير تشير إلى أنه تأسس عام 2013 بعد الاحتجاجات التي عمت البلاد في سبتمبر/ أيلول من ذلك العام، إلا أن الإعلان الرسمي عنه كان في أغسطس/ آب 2018 في ظل تعتيم على أعضائه وهيئاته لأسباب أمنية، كما أن للتجمع أهدافاً واضحة.

يبني نفسه ببطء

تقارير أخرى تقول إنه ظهر لأول مرة في مايو/ أيار 2016 خلال فترة من الإضرابات والمظاهرات، وبدأ بعدها "يبني نفسه بصورة بطيئة (…) تستند إلى رؤية واضحة المعالم"، قبل أن يظهر "بصورته الحالية أول مرة" في يوليو/تموز 2018، عندما أعلن عبر ميثاقه عن برنامج واضح المعالم" بهدف بناء وتوحيد "النقابات الشرعية".

ونظرا لحظر القانون تشكيل نقابات مهنية مستقلة وإنما نقابات تضم جميع العاملين بالمؤسسات دون فصل، قال المصطفى إن 200 أستاذ بجامعة الخرطوم شكلوا تجمعا مهنيا غير رسمي.

وكانت تلك البداية التي شجعت المهنيين في كافة أنحاء العاصمة على تشكيل تجمعات مشابهة.

وفي عام 2016، قررت ثمانية من التجمعات المهنية المنفصلة ضمنها البيطريون والإعلاميون والصيادلة والمعلمون والمحامون، تأسيس "تجمع المهنيين السودانيين".

حزب الأمة السوداني: هناك خلافات حادة بين المجموعات التي قامت بالانقلاب

وطالما حرص التجمع على الحفاظ على سرية نشاطه وتحركاته، وكذلك إخفاء معلومات منتسبيه خشية تعرضهم للاعتقال.

امتداد لتاريخ طويل

ويعرف التجمع نفسه بأنه "تجمع المهنيين هو امتداد لتاريخ طويل للمهنيين السودانيين ومحاولات لم تستمر بسبب تضييق السلطة وحرمان المهنيين من حق التكون النقابي"، لافتا إلى أنه "كانت هنالك محاولات تاريخية عديدة لتكوين أجسام للمهنيين تدافع عنهم وتعمل علي تحسين وضعهم أبرزها تجربة تكوين جسم تحالفي للمهنيين في 2012 ثم 2014".

ويضم تجمع المهنيين حاليا ثمانية أجسام بينها ميثاق وأهداف مشتركة تم إعلانها في منتصف العام 2018، مع وجود عدد كبير من الأجسام المهنية التي أعلنت دعمها للتجمع في انتظار الانضمام الرسمي.

هذه الأجسام المنضوية هي: لجنة المعلمين ، لجنة أطباء السودان المركزية ، التحالف الديمقراطي للمحامين ، شبكة الصحفيين السودانيين، رابطة الأطباء البياطرة الديمقراطيين ، تجمع أساتذة الجامعات، نقابة أطباء السودان الشرعية ، لجنة مبادرة استعادة نقابة المهندسين، لجنة الصيادلة المركزية، تجمع المهندسين السودانيين، تجمع التشكيليين السودانيين، جمعية اختصاصي الإنتاج الحيواني، تجمع ضباط الصحة.

في الداخل السوداني لم يتم الإعلان سوى عن الطبيب الشاب محمد ناجي الأصم كأحد الناطقين الرسميين باسم التجمع قبل اعتقاله من قبل السلطات. وكذلك عن الدكتور محمد يوسف المصطفى الأستاذ الجامعي في الخرطوم.

في الخارج يتحدث باسمه رسميا كل من الصحفي محمد الأسباط في فرنسا والدكتورة سارة عبد الجليل في بريطانيا.

وكانت أهداف التجمع عندما تأسس: تكوين تجمع يحظى بالثقة لقيادة المعارضة عوضا عن الأحزاب التقليدية، وإيجاد بديل للنقابات الرسمية التي يسيطر عليها النظام، فضلا عن إيجاد أداة لتنفيذ العصيان المدني والإضراب كوسيلة سلمية للتغيير السياسي.

اتهام التجمع بالعمالة

دائما ما كانت الحكومة السودانية تشكك في التجمع وتتهمه بالعمالة للخارج، لكن ذلك لم يمنع عددا كبيرا من السودانيين من الالتفاف حوله، وتأييد مطالبه بالتغيير.

ظل يعاند ويرفض... تفاصيل مهمة لما دار بين الجيش والبشير خلال الاحتجاجات

ويؤكد المتحدث باسمه محمد يوسف المصطفى أن ذلك كان مخالفا للقانون "ولا تعترف الحكومة به لكنه يتماشى مع الدستور في مادته الـ40"، حسب قوله.

وتنص المادة 40 من الدستور على أنه "يُكفل الحق في التجمع السلمي، ولكل فرد الحق في حرية التنظيم مع آخرين، بما في ذلك الحق في تكوين الأحزاب السياسية والجمعيات والنقابات والاتحادات المهنية أو الانضمام إليها حماية لمصالحه".

ونفى المصطفى وهو عضو الحركة الشعبية لتحرير السودان المعارضة وجود نية لتحويل التجمع إلى كيان سياسي. وقال "ليس هناك تفكير في تحويل الكيان المهني لحزب سياسي أو كيان سياسي خصوصا وأن لدينا العديد من المهنيين هم بالفعل أعضاء في أحزاب سياسية".

وفي 25 كانون الأول/ديسمبر، كانت الدعوة الأولى من تجمع المهنيين لتظاهرة نحو القصر الجمهوري "لتسليم مذكرة لرئاسة الجمهورية تطالب بتنحّي الرئيس فورا عن السلطة استجابة لرغبة الشعب السوداني وحقنا للدماء".

واقترح التجمع أنه في حال وافق البشير على التنحّي "فستتشكّل حكومة انتقالية ذات كفاءات وبمهام محدّدة ذات صبغة توافقية بين أطياف المجتمع السوداني".

"لن تكون حزبا سياسيا"

بدوره، يقول محمد الأسباط أحد متحدثي التجمع المقيم في باريس، إن التجمع "نجح في جذب قوى المعارضة الرئيسية في البلاد، الإجماع، ونداء السودان، لتلتف حوله وتوقع معه ميثاق الحرية والتغيير، مطلع الشهر الجاري".

وأضاف "اليوم (…) انضم إلى الميثاق 19 تنظيما وحركة ومؤسسة من سياسية إلى شبابية إلى فئوية ويهدف إلى إسقاط النظام وإقامة الديمقراطية".

الجيش السوداني يعلن اقتلاع النظام واعتقال البشير ومجلس عسكري انتقالي لمدة عامين

وقد أعلن الصادق المهدي زعيم حزب "الأمة" المعارض، في خطبة الجمعة بحضور مئات من مناصريه "نؤيد هذا الحراك الشعبي. وندعمه".

وأضاف المهدي أن أهم مطالب هذا الحراك الشعبي هو "أن هذا النظام يجب أن يرحل وتحل محله حكومة انتقالية".

وتعد مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب وسائل الإعلام الرئيسية التي يعوّل عليها شباب التجمع في التواصل والتعبئة.

وقال الأسباط إن "حفاظ التجمع على السلمية والتواصل الناعم هو سبب الالتفاف الجماهيري حوله".

العنف عقبة أمام التجمع

وفي مقابلة الأحد مع وكالة الأنباء الفرنسية، قالت الناطقة باسمه، سارة عبد الجليل، وهي نقيبة الأطباء السودانيين في بريطانيا، إن "العنف عقبة أمام نجاح" الحراك.

وتابعت "لو كانت قوات الجيش والشرطة السودانية مستقلة، لو سمح لنا بممارسة حقنا (…) في حرية التعبير لما كنا اليوم في هذا الوضع، لكانت استقالت الحكومة كما نطالب منذ سنوات".

ويعتمد هذا التجمع على الإضراب بوصفه وسيلة سلمية للتغيير السياسي، واعتبر بعض المحللين للشأن السوداني، بينهم الأكاديمي الدكتور عبد الوهاب الأفندي، أن ما يحدث في هذا البلد منذ ديسمبر/ كانون الأول 2018 ثورة "تختلف عن سابقاتها"، إذ انطلقت "من الأقاليم بدلا من العاصمة الخرطوم"، وانتشرت في أرجاء البلاد بـ"سرعة خاطفة".

مناقشة