الشريان بين الأردن وسوريا... بين الضغوط الأمريكية وحاجات السوق... فماذا تختار عمان

فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية مشددة على سوريا طالت كل النواحي والقطاعات الحيوية وحتى الشركات أو الدول التي تتعامل مع الدولة السورية، وذلك بهدف إضعاف الدولة السورية التي انتصرت في الميدان العسكري لتنتقل المعركة إلى الميدان الاقتصادي.
Sputnik

الأردن الذي عانى من وضع اقتصادي ليس بالسهل في الأعوام الماضية، شهدت أسواقه متنفسا بعد فتح معبر "جابر نصيب" مع سوريا الذي شهد بدوره حركة تجارية أنصب معظمها في اتجاه التصدير من سوريا الغنية بإنتاجها الزراعي وغير الزراعي إلى الأردن وسوقه المتعطشة للمنتجات السورية الرخيصة التكلفة، وحققت الحركة التجارية مؤشرات جيدة، سواء بالنسبة للتجارة البينية، أم بالنسبة لتجارة العبور (الترانزيت) سواء الداخلة إلى سوريا عبر الأردن أم الصادرة من سوريا عبر الأردن إلى العراق والخليج.

500 طن تصدر يوميا... والجانب الأردني يفرغ شاحنات سورية عند معبر نصيب
وفي الفترة الأخيرة اشتدت العقوبات والتشديدات الأمريكية على سوريا، ونقلت وسائل إعلام سورية عن رئيس الوزراء السوري قوله إن مصر تمنع مرور ناقلات النفط إلى سوريا منذ 6 أشهر، فيما ذكرت صحيفة "الوطن" السورية أن الحديث عن عقود النفط مع الأردن بعد افتتاح المعابر كأنه لم يكن بسبب التدخل الأمريكي المباشر الذي أعاق أكثر من عقد.

من جهة ثانية أفادت مواقع نقلا عن اتحاد الغرف الزراعية السورية، منع الحكومة الأردنية الشاحنات السورية المحملة بالمزروعات ونباتات الزينة من عبور حدودها والاتجاه إلى العراق، للمشاركة في "مهرجان بغداد الدولي للزهور" الذي انطلق يوم الإثنين أمس الأول.

وقال رئيس لجنة المشاتل في اتحاد الغرف الزراعية السورية، محمد الشبعاني في تصريح لوسائل إعلام سورية إن "المنع أدى إلى الاعتذار عن المشاركة في هذا المهرجان، بعد تجهيز الجناح استعداداً لاستقبال المزروعات والورود القادمة من سوريا".

وأضاف الشعباني أن "الأردن رفض مرور الشاحنات عبر أراضيه عن طريق الترانزيت رغم الجهود الكبيرة التي بذلت لإدخالها، وخاصة أن هناك موافقات مسبقة تسمح بدخولها إلى العراق للمشاركة في المهرجان، وليس هناك طريق آخر سريع لوصول الشحنات إلى هناك".

ويرى عدد من الخبراء الأردنيين والسوريين بحديثهم لوكالة "سبوتنيك" أن أي إضرار بالعلاقات التجارية السورية الأردنية بسبب العقوبات، سوف يؤثر سلبا على الاقتصاد الأردني مثلما يؤثر على الاقتصاد السوري، بل إن السوق الأردنية بحاجة أكثر إلى المنتجات السورية.

قال المحامي خالد بني هاني عضو حزب البعث التقدمي في الأردن لوكالة "سبوتنيك" إن "الأردنيين استبشروا خيرا بقرار الحكومتين الأردنية والسورية فتح الحدود بين الدولتين في 15/10/201 وعلى الفور وبعد ساعات من سريان القرار بعد سنوات من الإغلاق سارع الشعب الأردني وعلى اختلاف أطيافه إلى السفر إلى سوريا ولو من أجل التواصل والاستجمام في البداية لم تشهد الحدود حركة عكسية أي دخول السوريين للأردن والسبب في ذلك يعود إلى القيود السياسية التي تضعها الأردن على حركة الأخوة السوريين واعتبار الجنسية السورية جنسية مقيدة أثناء طلب الدخول واشتراط الحصول على موافقة أمنية عند طلب الدخول غالبا ما لا تمنح للسوري".

وأضاف بني هاني "على الرغم من أهمية الحدود السورية للشعب الأردني الاقتصادية في الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها الأردن وعلى الرغم من أن الجانب الأردني هو المستفيد الأكبر في حالة تنشيط حركة البضائع والأفراد حيث أن المنتجات السورية تعتبر رافدا اقتصاديا كبيرا للاقتصاد الأردني لكونها رخيصة الثمن نسبيا ومطلوبة بشكل كبير في السوق الأردني إلا أن القيود السياسية أعاقت تطور النشاط الاقتصادي بين البلدين الشقيقين والجارين".

وتابع المحامي الأردني "لم يقف الأمر عند هذا الحد بل زاد الأمر سوء بظهور بعض التوترات بالعلاقات بين البلدين خلال الشهرين المنصرمين وقد بدأت تلك التوترات بطلب الملحق التجاري الأمريكي بعمان وتهديده التجار الأردنيين في حال الاستيراد من سوريا وهو الطلب الذي تعامل معه الشعب الأردني بالرفض في حين سكتت عنه السلطات الأردنية وفي حين اعتبر مجلس النواب الأردني هذا الطلب وقاحة من الأمريكي لم تعلق عليه الدولة الأردنية".

وأشار إلى أنه "زاد من حدة هذا التوتر قيام السلطات الأردنية بالأمس بمنع شاحنات سورية محملة بالزهور من المرور من الأراضي الأردنية للمرور للعراق للمشاركة في مهرجان الزهور".

وأكد بني هاني "أن الأردن وعلى المستوى الرسمي تتعرض لضغوط كبيرة لمنع تطور العلاقات الإيجابية بينها وبين الشقيقة سوريا وواضح تماما تأثير هذه الضغوط".

وختم "إن استمرار الإغلاق أمام الحركة التجارية بين البلدين يلحق بالأردن خسائر جسيمة جدا ذلك أن الجميع يعلم أن سوريا لطالما كانت شريان حيوي للاقتصاد الأردني وقد بلغت خسائر الأردن مليارات الدنانير نتيجة لذلك إلا أن الإجراءات الحكومية تخذل أمام الشعب الأردني المتعطش لاستئناف العلاقات التجارية مع الشعب السوري".

وأشار الخبير والباحث الاقتصادي الدكتور الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة تشرين سمير شرف في حديثه لوكالة "سبوتنيك" إلى أن الأردن يعرقل دخول بعض المنتجات الزراعية السورية مثل تفاح السويداء وهذا يضر بالجانبين السورين والأردني وقال "يعتبر التفاح من أهم المنتجات الرئيسية في محافظة السويداء، ويعاني الفلاحون وتجار الجملة (ضامن التفاح) من مشكلة تسويق هذا المنتج إلى الأسواق الداخلية وكذلك التصدير إلى الأسواق الخارجية وذلك للأسباب التالية:

وفد برلماني أردني في دمشق... إعلان بعودة العلاقات؟
أولا: انخفاض سعة السوق الداخلية في سوريا بالمقارنة مع سنوات ما قبل الأزمة، حيث كان يوم تصريف هذا المنتج إضافة إلى تفاح الجولان ، وتقليص سعة السوق الداخلية السورية مرده إلى عدم إمكانية التصريف في كافة الأقاليم السورية والمقدرة حسب معطيات مديرية زراعة سويداء حوالي 18 ألف طن مخزنة في البرادات، علما أن محصول العام الماضي يقدر ما بين 70 إلى 80 ألف طن ، يقابله استجرار المؤسسة العامة للتجارة الداخلية يكاد لا يذكر من حجم المحصول.

ثانيا: إغلاق الأسواق الخارجية العربية المجاورة أمام الصادرات السورية منذ عام بدأ الأزمة 2011 تحت شعار العقوبات الإقتصادية العربية على سوريا ، ومع فتح معبر نصيب الحدودي والذي علقت الآمال عليه بتصدير فائض المنتجات السورية ومنها التفاح ، لكن قيام السلطات الأردنية بالعراقيل وإعادة الكثير من برادات التفاح الأمر الذي حمل التاجر مزيدا من الخسائر.  والنتيجة أولا خسائر العوائد المتأتية من تصدير السلع السورية والمتمثلة بالقطع الحر الأمر الذي ينعكس على سعر صرف الليرة السورية هذا من جهة ومن جهة أخرى انخفاض دخول المزارعين الشرائية ما يؤدي إلى انخفاض مستوى المعيشة ، ناهيك عن آثارها على الاقتصاد الأردني. والمطلوب فتح قنوات التصدير أمام السلع الإستراتيجية السورية ومنها التفاح وخاصة إلى العراق بعد أن أصبح بلد التصدير الأول بالنسبة للصادرات السورية.

وبهذا الصدد قال رئيس القطاع الزراعي في اتحاد المصدرين السوريين لوكالة "سبوتنيك" إن هناك إرباكات وصعوبة بالتصدير للأردن حاليا، لكن الأردن مازال مركز ترانزيت أكثر من كونه سوقا لمنتجاتنا".

وأشار إلى وجود تصدير لبعض المواد إلى الأردن لكن بحسب الروزنامة الزراعية، ففلي هذا العام لم يفتح الأردن سوقه للحمضيات السورية، ونحن لم نفتح أسواقنا للبندورة والخيار المنتجة في الأردن".

من جهته اعتبر عضو مجلس الشعب السوري آلان بكر في حديثه لوكالة "سبوتنيك" أن اتخاذ الأردن موقفا إيجابيا سوف ينقذ اقتصاده بسبب المعاملات التجارية الكبيرة بين سوريا والأردن وقال:

" كل عام و بواسل قواتنا المسلحة و الشعب السوري الصامد بوجه التحديات وسيد الوطن السيد الرئيس بشار الأسد بألف خير، قبل أن نتحدث عن موقف بلد بالتحديد ومدى مشاركته أو عدم مشاركته بإجراءات الإدارة الأميركية والإتحاد الأوربي ضد الشعب السوري فإنه من الهام أن نشير إلى مسألة هامة: العقوبات الاقتصادية و الحصار الذي يمارسه أعداء الشعب السوري هو إحدى أشكال الحرب والوسيلة التي يلجأ إليها العدو للضغط على السوريين في احتياجاتهم الأساسية ومن هنا فإن كل من يشارك في هذه الإجراءات حتى بمجرد الموقف السلبي يعتبر مساهماً في معاناة الشعب السوري".

وأضاف البرلماني السوري "بالنسبة للأردن فهنا نشير إلى أن الأردن تأثر بشكل سلبي من الحرب على سورية و العقوبات الاقتصادية أحادية الجانب و نشير على وجه الخصوص إلى سعيه لفتح معبر نصيب الذي يعتبر شريان مغذٍ لاقتصاده وهو اليوم أمام تحدي كبير فهل سيقف كغيره موقفاً سلبياً و يحسب حساب العصا الأميركية أم سيكون له موقف آخر و بالتالي سيحمي اقتصاده و يحول دون الارتدادات السلبية الناجمة عن هذه الإجراءات و في واقع الحال فإن اقتصاد دول الجوار ومنها الأردن سيتأثر بهذه الإجراءات فهناك مبادلات تجارية وطريق ترانزيت ستتعطل بناءً على الحصار المفروض على سورية و نذكر بأن فتح معبر نصيب كان لمصلحة الأردن الاقتصادية أكثر من أهميته للمصالح الاقتصادية السورية و يبقى لكل دولة أن تتخذ الموقف الذي ترتأيه ولها المفاضلة بين أن تكون دولة تعمل لتحقيق مصالح شعبها أو أن تكون دولة تنفذ إملاءات الدول الاستعمارية".

10 آلاف مهجر سوري عادوا من مخيمات الأردن منذ فتح معبر نصيب (فيديو)
وقال الخبير الأردني هشام هبيشان "من الطبيعي أن تنعكس إجراءات منع الاستيراد سلباً على الأردن وهناك بالفعل ضغوط ممارسة من واشنطن ومحورها على الأردن بخصوص هذا الملف.. فالأردن الرسمي كان ينظر لـفتح معبر جابر — نصيب، كشريان حيوي يوفر للأردن الرسمي مصدر مالي يعوض عجز مالي يعاني منه الأردن، وسط شح بالمساعدات الخارجية، وضغوط اقتصادية كبرى تمارس على الأردن ضمن سياق ما يسمى بصفقة القرن، ومحاولة واشنطن ومحورها التضييق والضغط على الأردن بخصوص وقف حركة المعبر، سيكون له تداعيات كارثية كبرى على الأقتصاد الأردني…وهذا ما يدركه جيداً الأردن ويحاول تجاوزه..

وأضاف هبيشان "والواضح أكثر اليوم أن دوائر صنع القرار الأردني نجحت اليوم بالعمل مع الروس، ونجحت بالتواصل مع السوريين عبر خطوط اتصالات عسكرية وسياسية واقتصادية وشعبية للعمل على إنجاز تسوية شاملة لملف العلاقات الأردنية — السورية وعلى كافة صعدها، فدوائر صنع القرار الأردني تسعى لأستباق أي متغيرات عربية وإقليمية ودولية إيجابية اتجاه سوريا، ولهذا تسعى لإنجاز مسار من التسوية مع الدولة السورية وتفعيل شامل للعلاقات، فاليوم يعتبر مسار انخراط الأردن الرسمي بمسار التسوية مع سوريا، خطوة في الطريق الصحيح في توقيتها ونتائجها المستقبلية وعنواناً لمرحلة جديدة".

مناقشة