مجتمع

راقص لبناني على خشبات أعرق المسارح في روسيا

يستضيف مسرح الأمم حفلتين راقصتين لمصصم الرقصات والراقص اللبناني عمر راجح، بدعوة من مسرح البولشوي في العاصمة الروسية موسكو.
Sputnik

عمر راجح هو مصمم رقصات وراقص، يفهم الرقص بطريقة مختلفة، بأنه فعل وجود وليس فقط ترفيه، وبالنسبة له فكرة الرقص والتقليدي وغيره هو نوع من التعبير عن وجود الإنسان وعن أفكاره وتطلعاته وأحلامه.

البدايات وأهم الأعمال

وفي لقاء خاص مع "سبوتنيك" تحدث الراقص اللبناني عن بداياته وعن سلوكه لطريق الفن والرقص، ويقول: "بدأت بشكل عفوي ولم أكن أفكر في صغري بأني سأذهب في هذا الاتجاه، كانت لدي بعض الميول الفنية، لكني كنت أرغب بدراسة الفيزياء وبأن أصبح عالم فيها، لكني درست المسرح في الجامعة اللبنانية وسافرت إلى لندن ودرست هناك، حيث حصلت على درجة الماجستير، وبدأت برسالة الدكتوراة، لكن للأسف لم أنهيها، وبدأت العمل في اتجاه آخر".

ويتابع الراجح: في عام 2002 أسست فرقة "مقامات" للرقص في بيروت، واليوم في موسكو نقدم عروضا كما نقدم في جميع أنحاء العالم، وقدمنا عروضا في أوروبا بشكل عام، وكانت لنا عروض في العالم العربي وكندا وغيرها من الدول.

وتحدث عمر عن فرقته الراقصة وأعماله ويقول: بدأت كفرقة رقص تقدم العروض، لكننا أثرنا في المشهد الراقص في العالم العربي بشكل عام وفي لبنان تحديدا، وأسسنا مدرسة "تكوين" للرقص، ومهرجان "بايبود" والذي يعتبر من أهم مهرجانات الرقص على مستوى لبنان والعالم العربي، والذي احتفلنا بالذكرى الـ15 له في نيسان/أبريل الماضي.

ويكمل الراقص اللبناني: "بالإضافة إلى الأعمال اليومية الموجودة في بيروت، أطلقنا مشروع كبير جدا على مستوى لبنان وهو مركز ثقافي نفتقده في بيروت، اسمه "سيتيرن بيروت" وهذه باختصار نبذة عني وعن أعمالي".

راقص لبناني على خشبات أعرق المسارح في روسيا

فكرة العمل

يتحدث عمر راجح عن فكرة العرض الذي يقدمه في العاصمة الروسية موسكو، وفضل قبل الحديث عن الفكرة التي يريد طرحها في العمل، ويقول: نحن كلبنانيين وسوريين وعرب أو حتى أشخاص بشكل عام نحس بالمعاناة الإنسانية، فهي معاناة لكل الناس، وأعتقد أن ما حدث في سوريا وما حدث من قبل في لبنان وما يحدث في مناطق عديدة من العالم، هو معاناة لا نستطيع أن نتجاهلها، أو أن لا نفكر ونحس بها، فهي تؤثر بنا بشكل يومي.

ويواصل: الحرب حدثت في سوريا، لكنها على علاقة بكل شخص وكيف ينظر إلى نفسه، والعرض عن هذا الشيء، وهو يبدأ من فكرة أننا أمام كم كبير من العنف والقتل والدمار والإلغاء للآخر، وهذه الحياة تدخل إلى حياتنا كل يوم ونعيش معها، وكيف يمكن أن نكمل حياتنا عندما نرى صورة من هذه الصور، ولا نهتم بها، وأن نستطيع القول أن لا علاقة لي بها، أو أنها بعيدة عنا.

مئذنة

وعن العمل الذي سيقدم مرتين على خشبة واحد من أهم المسارح في موسكو، يقول عمر: عمل مئذنة أتى في مرحلة لاحقة، بعد البدء بالتمارين، حينما شاهدت فيديو على الفيسبوك لمدينة حمص من الأعلى وهي مدمرة بالكامل، وتأثرت به كثيرا ولم أعرف كيف سأتعامل معه، خاصة وأنك عندما تكمل التصفح ترى أشخاصا يعيشون حياتهم العادية.

ويضيف: في تلك اللحظات التي عجزت فيها عن التصرف، أحسست بأننا كلنا نعيش هذه اللحظة، عندها سألت ذلك السؤال كيف يمكن أن نتعامل مع هذا الأمر بعيدا عن السياسة، وأن نذهب لبعد أكثر إنسانية وأن نسأل أنفسنا كأفراد، وكيف نتعامل مع هكذا قضايا.

ويتابع الراجح: العرض هو عن فكرة تدمير مدينة بأكملها، ومدينة حلب هي مدينة كبيرة ويلتقي في ذلك المكان الجغرافي إرث ثقافي هائل، ففكرت كفنان كيف أن مدينة كهذه تدمرت، وكيف أستطيع التعامل مع هذا المخزون الذي كان موجودا في حلب، وكيف يمكن استعادة هذا التراث، وعلى هذا الأساس بدأ العرض.

راقص لبناني على خشبات أعرق المسارح في روسيا

ويستطرد مصمم الرقصات: أصبحت فكرة "مئذنة" والتي أصبحت فيما بعد "هاشتاغ مئذنة" كأنها أصبحت موضة، أحيانا تصبح حتى مقاربة الحرب موضة، لذلك يلعب العرض على أكثر من مستوى في هذا الشيء، ومن هنا أصبح التركيز على المئذنة الذي هو مكان للالتقاء، حيث أنها تمثل معلم وهوية المدينة، ويعكس تراث حضارة حلب، فهي قد بنيت من ألف سنة تقريبا، فأصبحت كـ"برج إيفل" أو ساعة "بيغ بن" في لندن، فأصبحت هوية للمدينة، بالإضافة إلى كونها مكان أثري، وعلى هذا الأساس بني العرض.

فريق العمل

وسيقدم العرض بالإضافة إلى عمر راجح راقصين وفنيين من كوريا الشمالية وألمانيا والأرجنتين والبرازيل وبريطانيا، وعلى الرغم من كون العمل عن سوريا فلا يوجد راقصين سوريين، وعن ذلك يقول عمر: هذه ليست المرة الأولى التي نعمل بها، لكن في هذا العمل بالتحديد أحببت أن أعمل مع ناس من مختلف أنحاء العالم، لأن هذا العرض بالنسبة لي قضية إنسانية يمسنا جميعا كأشخاص، وكنت أريد البعد عن العاطفة التي لها علاقة بهكذا أماكن، وأردت أن أراها من وجهة نظر مختلفة وبموضوعية، بالإضافة إلى سبب رئيسي هو أنني أعمل مع هؤلاء الأشخاص منذ فترة، لذلك هو نوع من الاستمرارية لعمل سابق.

ويكمل عمر: في بداية التمارين كان هناك احتمال للعمل مع شخص سوري، لكنني ألغيت الفكرة فيما بعد، فنحن بالنتيجة نقدم عمل فني وهو إنساني بالدرجة الأولى، ونحاول أن نحكي عن أمور فيها عمق بعيدا عن البهلوانات السياسية وعن تصغير الأمور، وخفت أن نضيع بالعاطفة.

سيتيرن بيروت

وتكلم عمر عن مشاريعه في لبنان وعن الصعوبات التي يواجهها على الصعيد المحلي، ويقول: بدأنا مشروع كبير جدا هو "سيتيرن بيروت" والذي هو عبارة عن مركز ثقافي نعمل عليه منذ سينين، وقمنا بافتتاحه في نيسان/أبريل العام الحالي، لكن للأسف محافظ وبلدية بيروت رفضوا التعاون معنا لأسباب غريبة، أرجعها لأمور لها علاقة بالجهل أو عدم وعي بأهمية الثقافة.

ويتابع: بالنتيجة ترى المسؤولين يلتقطون الصور وينشروا بروباغاندا بأنهم مع الثقافة، لكنهم في الحقيقة ضدها للأسف، فهل من الممكن في أي مكان في العالم بأن تقوم بلدية بإزالة مسرح أو مركز ثقافي، بدل أن تجد حلولا للإبقاء عليه.

ويضيف الراجح: يقف المسؤولون ضد هذه الأنشطة والأعمال لأنها تخيفهم، فهي أماكن غير تابعة لأحد وفيها حرية، فالأماكن التي تعبر عن رأيها تخيفهم، حيث أنها تخرج من سلطة هؤلاء الأشخاص، لكنن سنواصل التعبير عن رأينا، وسنكمل مشروعنا الذي نعمل عليه، وإنشاءالله ستكون هناك أخبار جديدة وجيدة عن سيترن بيروت وسيستمر.

الصعوبات والهجرة

وألمح الفنان اللبناني إلى أنه فكرة مرات عديدة بالهجرة من لبنان بسبب الصعوبات التي تواجه عمله كفنان، وكصاحب مشروع وفكر فني، ويتحدث: نحن نسافر كثيرا، وفي كل مرة أكون فيها في أوروبا أرى أشياء أفضل للعمل الذي أقوم به، وأحس بمدى الإهتمام ومقدار التطور بعملنا.

ويتابع: لكن بالنسبة لي أحب أن أكون في بيروت، فهي تعني الكثير لي، ولا أريد التنازل عن هذه المدينة لناس لا تعرف قيمتها، وأحس بأن لدي قضية بالعمل في بيروت، وأحسست أن كل ما فعلناه خلق شيء مهم هناك، وهذا ما أسمعه من أشخاص كثيرين.

ويضيف عمر: نعم لقد فكرت بالهجرة كثيرا، لكن حتى الآن صامد، وسأبقى أعبر عن رأيي وسأكمل المشوار، وأعتقد أني سأطور هذا العمل جدا، وبالنتيجة هذا العمل باقي مع الشعب، أما المسؤولون فهم راحلون مهما طال الزمن.

موسكو

وأعرب عمر راجح عن إعجابه الشديد بالعاصمة الروسية موسكو، وأكد على أنه كما العديد من الناس لديهم فكرة خاطئة عن هذه المدينة وعن روسيا بشكل عام، ويقول: أنا سعيد جدا بقدومي إلى موسكو، وبالدعوة من مسرح البولشوي، والتي أعتبرها مهمة جدا بالنسبة لي، كونه واحدا من أشهر وأعرق المسارح في العالم، والعروض التي أقدمها هنا تاريخية بالنسبة لي.

ويختم الفنان اللبناني: تفاجأت بصراحة من جمال وروعة هذه المدينة، فقد كان لدي فكرة مختلفة جدا عما رأيته هنا، فهي مدينة ديناميكية وجميلة جدا، فيها الكثير من الروح والحياة، وأتمنى أن أعود إليها مرة أخرى وأن أقدم أعمال أخرى هنا.

مناقشة