رضوان قاسم: المبدعون والمثقفون هم مشكاة ومفاتيح لبوابات الضوء في زمن حل فيه الظلام

رضوان قاسم من مواليد مخيم خان الشيح للاجئين الفلسطينيين قرب دمشق من أسرة فلسطينية مناضلة حاصل على عدة جوائز منها جائزة أفضل قصيدة وطنية، وجائزة الشاعر الحساني في المديح، وجائزة الإمام الخميني عن القدس، له العديد من المشاركات المحلية ومشاركة دولية في مهرجان على طريق القدس، صدر له ديوان شعري بعنوان (فاءٌ أنا) طبعة أولى دار كنعان الجزائر وطبعة ثانية دار دلمون الجديدة دمشق وديوان بعنوان (علِّمني كلام الماء) عن وزارة الثقافة السورية الهيئة العامة للكتاب.
Sputnik

"طقس الأمكنة" (الحياة في  العاصمة أو البحر أو الجبل أو ..أو)، هي من بين عوامل التعرية "الجيوثقافيّة" لكنها تترك آثاراً لا يراها إلا الناقِد والقارئ المُحترِف والمُنفتِح على (جغرافيّة النصّ الشعريّ). هل تعتقد أنّ النصّ (الشعري الفلسطيني الحديث) يُخالف غيره من الأقطار، سواءً داخلياً أو خارجياً في قماشته اللفظية، وصوَره الشعريّة؟

لطالما كان للمحيط البيئي والاكتساب الثقافي الناتج عنه تأثيرا واضحا على نتاج الأدباء وكثيرون يعرفون قصة علي بن الجهم عندما انتقل من البادية لبغداد، فالعوالم المحيطة لها دورها وإفرازاتها على اللغة في

النص، لكن للأديب الفلسطيني وجهة نظر مختلفة حيث أنه موزع في أقاليم جغرافية متعددة خارج وطنه وداخله فلا يمكن للمبدع المنفي واللاجئ أن يتمثل بغير أرضه وهذا الأمر استقاه  بالوراثة من آباءه وأجداده ويظل يشدو بالحنين لهذه الأرض التي حفظ معالمها فانعكس تلقائيا على نصه الشعري على سبيل المثال أستطيع أن أصف لك قريتي (تلحوم) على شاطئ طبريا وصفا دقيقا كأنني أعيش فيها ومن حيث الوصف الذي يأخذ بعدا جماليا ناتجا عن الحنين فأقول:

خذني لتحلوم طيرا في بحيرتها

لو قبَّل الماء راح الماء يشتعلُ

الشعر العربيّ الحديث، والمُبدعون العرب تشقّقتْ لُحْمَتهم، وانفرط عقدهم، وانفكّت عروتهم الوثقى بسبب وقوعهم في وسط عقدة الحبل التي يشدّ طرفيها (السياسيون)، و(الموظفون) حُرّاس الدواوين الثقافية في بلادهم. كيف تنظر للشاعر المُؤدلَج؟ ومتى يفكّ السياسي ربقة التبعية من عُنق الثقافيّ؟

النص المنفتح على العام والنص الشمولي يكون دائما أكثر قدرة على التعبير ومتحررا من الانتماءات الحزبية والفصائلية وأكثر وصولا للمتلقي وانحراف البوصلة في اتجاه السياسي وابتعادها عن القضية الأهم يجعل من المبدع يذهب في اتجاه التحيّز والمواربة والدفاع عن وجهات نظر وتبنيها وتبني نهج أيديولجي قد يختلف عن سواه مما يخلق خلافات مع أطراف أخرى فبالتالي يفقد بعض مواد مشروعه الوطني وعلاقته بالجماهير التي يخاطبها، فالهدف واضح والكلمة كالطلقة فيجب أن نحسن التصويب. أما كيف ينفك المبدع من عقدة حبل السياسي فالأمر مرهون بمدى قدرة المبدع على إيجاد طريق واضح غير سديمي ولا رمادي تقوده بصيرته ليصل إلى مبتغاه.

رضوان قاسم: المبدعون والمثقفون هم مشكاة ومفاتيح لبوابات الضوء في زمن حل فيه الظلام

أليست فلسطين وباقي الدول العربية التي ترزح تحت وطأة الحرب بحاجة لمُبدعين ومُثقّفين يجسرون الهوّة بين الحكومات والمُعارضات؟ وهل تبقى مساحة للكاتِب في الوسط؟ وإلى أين يخطو رضوان قاسم؟

نعم المبدعون والمثقفون هم مشكاة ومفاتيح لبوابات الضوء في زمن حل فيه الظلام والكلمة كانت وما زالت هي البدء ولذلك يقال الكلمة الفصل وهي تسير بخط موازي للطلقة والخطان المستقيمان لا يلتقيان إلا في هذا الأمر في الهدف الواحد المتمثل في وطن حر أبي يعيش أبناءه في عز وكرامة وبقدر ما يمتلك المبدع من وطنية وولاء يستطيع أن يشير بكل وضوح وقوة إلى وحدة الوطن بأبنائه والقلم قنديل ضوء للمعابر ودوره دائما في الريادة فالأجدر أن يكون دائما معافى من الشخصنة والذاتية

باحثا عن صحة وعافية الوطن. رضوان  قاسم يحاول أن يكون قلمه معبرا عن طموحات الجماهير الفلسطينية وآلامها وآمالها يسير على طريق القصيدة التي يعتبرها رديفا للبندقية، شاعر بلا وطن شاعر بلا قصيدة.

ما الذي تقدّمه قصيدة النثر للشاعر والقارئ؟ وهل هي أفقدت الشعر أروع ميزاته بسبب صعوبة حفظها عكس القصيدة العمودية أو التفعيلة التي يسهل حفظها؟

ما زالت جدلية النص النثري قائمة وذلك لعدم وجود معايير ملتزمة في بناء النص النثري وضوابط ملزمة كما في حال القصيدة العمودية ذلك الأمر أساء للنثر إذ أصيب بداء المشاع فكل راح يغترف بطرق عديدة من بحر الكلمات ليشكل نصا نثريا يتحكم فيه كما يشاء ولا أعتقد أن النص النثري يستطيع التفوق على القصيدة الخليلية بشقيها وذلك لتجذرها ولامتدادها الطويل بين الأجيال التي وجدت فيها مذاقا سائغا للنفس وتطرب لها وتلقن المجتمع بالأدب والأخلاق والحكمة والفلسفة وكذلك كونها من أهم المراجع اللغوية ومثالا للمعلم والمؤدب والمربي.

 هل تطورت قصيدة رضوان قاسم من "فاء أنا" إلى "علّمني كلام الماء"؟ وأين يكمن التجدد في مجموعتك الشعرية الأخيرة؟

كنت حريصا على تخيَّر قصائد كل مجموعة أقوم بإصدارها لتكون ذات أغراض شعرية متقاربة من حيث الفكر والمضمون وذلك لحرصي الشديد على ذائقة المتلقي ووحدة شعوره في التلقي، لذلك جاء ديوان فاءٌ أنا بأغراض شعرية ملتزمة وطنية ابتداء من العنوان إلى آخر قصيدة فيه وأما علِّمني كلام الماء فجاء بقصائد وجدانية وعاطفية في الحياة والذات والحب والتجدد كان جليا في الديوان الثاني بصور شعرية أعمق ودلالات رمزية شفيفة وحسب رأيي أن لكل غرض شعري أدواته فقصائد الوطن غالبا ما تكون منبرية تغزو شعور المتلقي فور سماعها فلا يحتاج للتحليل والتساؤل فهي رسالة مباشرة لا تقبل التأويل ولكن بشرط أن تكون جمالية التعبير تتخللها. أما (علمني كلام الماء) فكان أكثر ملائمة مع الحداثة والتطوير في الصورة والعمق في الدلالة. وبرأيي أن الشاعر يجب أن يتفوق على نفسه في كل إصدار جديد حتى لا يكرر نفسه ويصبح مستهلكا.

رضوان قاسم: المبدعون والمثقفون هم مشكاة ومفاتيح لبوابات الضوء في زمن حل فيه الظلام

الكثير يحاولون طبع النصّ الإبداعي بمواصفات (الوطن)، وإلباس المنتوج الفكريّ أردية (مناطقية)، كيف تنظر لقصيدتك الشعريّة من منظور نقدي وتوصيفيّ؟

الوطن ليس بضاعة الشعراء وليس عرضة في سوق الكلمات وليس سلما للارتقاء الوطن هو الانتماء والتأمل في الحب والعطاء لذلك نحن نصعد بالوطن في قصائدنا لا نكتب كي نصعد على حساب الوطن ولذلك سقط الكثير من الأدباء والمبدعون الفلسطينيين شهداء نتيجة لتبنيهم هذه الفكرة. لا أستطيع الحكم على قصائدي طالما أنا داخلها فالمرآة لا تعكس إلا نفسها والناقد الخبير والحيادي المطلع على التجربة الشعرية هو مرآة الشاعر الحقيقية

رسالتك الأخيرة في هذا الحوار؟

رسالتي إلى وطني فلسطين هي اعتذار شديد الأسف أنني حتى الآن لا أملك إلا الحبر والحنين أقدمه لبلادي وأخرى لأناسي المنفيين واللاجئين لكم نذرت قلمي حتى نعود فمنكم أستلهم القصيدة.

(المقال يعبر ع رأي صاحبه)

مناقشة