وتشكل أبنية حلب ومساجدها وكنائسها وأوابدها الأثرية خليطا ثريّا دعمته طريقة البناء المرتكزة على المواد الأولية المختلفة التي تُظهر ذلك التداخل الجمالي على اللمسات الأخيرة للبنايات بديكورها الذي يتم إنجازه بمتمّمات حرفية فنية تعتمد على نقوش الحجر ومنحوتاته.
وتعد حرفة نحت الحجر في حلب من أقدم الحرف اليدوية التي كادت تنقرض خلال السنوات الأخيرة بعد سيطرة التنظيمات الإرهابية على مناجم الحجر الأبيض في المحافظة والتي تنتج أجود انواع الحجارة المستعملة في البناء، وهي من ثلاثة ألوان، الأبيض والأصفر والزهري يتخللها بعض العروق البسيطة ذات ألوان أفتح أو أغمق، تكسب الحجر صفة جمالية أخرى مأخوذة من الطبيعة.
وتقع أغلب ورشات الحجر الحلبية في منطقة الكلاسة التي سيطرت عليه الفصائل الإرهابية خلال الأعوام الأخيرة ما أدى الي توقف هذه الحرفة، قبل أن تعود معامل النحت بعد تحرير المحافظة نهاية عام 2016 لتنتشر من جديد معلنة دورها في إعادة إعمار المدينة مانحة إياها كساءها الأبيض الناصع الذي لطالما كان وار تسمية عاصمة الشمال السوري بـ "حلب الشهباء".
وزارت "سبوتنيك" عدة معامل لنحت أحجار البناء ولتطلع عن كثب على أسرار هذه الحرفة العريقة، حيث بين نحاتو الحجر أن مهنتهم تعتمد على تكوين المجسمات والأشكال التجريدية على الحجر مستمدين الرسومات والزخارف من مخزون المدينة الحضاري الذي يعود لآلاف السنين، فبعض النقوش مستمد من الحضارة الرومانية وبعضها الآخر من الحضارة الإسلامية وبعضها يعتمد على زخارف نباتية أو أشكال هندسية، وفي المحصلة تبدع أيدي الحرفيين "الفنانين" لوحات بيضاء تنبض بالحياة تزين مآذن وأعمدة الجوامع وواجهات الكنائس والأبنية والبيوت العربية التي عادت من جديد لترتدي اللون الأبيض المزركش، وتشكل أرضيات باحات البيوت الخاصة والأبنية العامة ودرجات البيوت الفخمة بسبب إمكانية تلميعها.
وأشار نحاتو الصخور إلى أن الحجر الحلبي بلونيه الأبيض والأصفر يحتفظ بلونه الطبيعي مع مرور الزمن، ويمكن غسله وتنظيفه ورشّه بمواد عازلة، ولا تتغير صفاته الفيزيائية مع مرور الزمن، وهو قابل للنحت والقص والقطع والزخرفة بكافة الأشكال بواسطة أدوات بسيطة ومطارق وأزاميل برؤوس مختلفة وعدد نحت كهربائية برؤوس ألماسية متنوعة، ويبقى الأساس في المهنة الذوق الفني الرفيع والخبرة في الرسم، وفوق كل شي الصبر، فما يظنه الناس مهنة شاقة هو بالنسبة لنحاتي الحجر الحلبيين متعة وتسلية.