إضراب المعلمين في الأردن... أزمة شلت التعليم ووضعت طرفيها في مأزق

شلل تام في المدارس الحكومية، مليون ونصف طالب وطالبة ينتظرون استئناف العملية التعليمية في المدارس، التي توقفت بسبب إضراب المعلمين في الأردن، الذي أوشك على استكمال أسبوعه الرابع.
Sputnik

على مدار قرابة الشهر، لم يتوقف إضراب المعلمين، وسط محاولات سياسية من مجلس النواب، وقيادات حكومية لرأب الصدع والوصول إلى تفاهمات ترضى الحكومة ونقابة المعلمين، بيد أن تعنت الطرفين حال دون ذلك.

ومع وصول الأزمة إلى أروقة القضاء، قضت المحكمة الإدارية العليا الأحد الماضي بوقف الإضراب بشكل مؤقت، قبل أن تعلن اليوم الأربعاء، نفاذ وفورية قرارها، فيما أعلنت نقابة المعلمين أنها تدرس قرار المحكمة وسترد عليه، رافضة فكرة فك الإضراب.

ورفضت نقابة المعلمين جميع الوساطات التي قادتها شخصيات سياسية لفك إضرابهم الذي بدأ منذ مطلع العام الدراسي الحالي بداية سبتمبر/أيلول، مؤكدة أن الإضراب دستوري.

أول رد من نقابة المعلمين الأردنية على قرار المحكمة بوقف الإضراب
قرار المحكمة

وأكدت المحكمة الإدارية العليا في الأردن، اليوم الأربعاء، أن قرار وقف إضراب المعلمين المفتوح قرار نافذ وفوري، بموجب القانون من تاريخ صدوره وتبليغه للأطراف، باعتباره قرارا مستعجلا ومؤقتا، وفقًا لصحيفة الغد الأردنية.

وكانت المحكمة الإدارية الأردنية قررت الأحد الماضي "وقف تنفيذ قرار إعلان الإضراب المفتوح مؤقتا إلى حين البتّ في الدعوى، التي تطالب بقرار مستعجل بوقف الإضراب المفتوح عن العمل" الذي أعلنته نقابة المعلمين.

واستندت المحكمة الأردنية في قرارها إلى المادة (28) من قانون القضاء الإداري لسنة 2014 والتي نصت على "لا يترتب على الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا، وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، إلا إذا أمرت المحكمة بغير ذلك".

وأشار قرار المحكمة إلى أن وقف الإضراب يشمل جميع مديريات التربية والتعليم في الأردن، خصوصا أن الحق المراد حمايته لا يمكن تجزئته وهو حق الطلبة الدستوري والقانوني في التعليم.

النقابة ترد

نورالدين نديم، الناطق الإعلامي باسم نقابة المعلمين الأردنية، قال إن "النقابة تحترم القضاء وأحكامها، وأنها تنتظر أن تبلغ بالحكم بشكل رسمي، حتى يتم تحويله على المكتب القانوني، لدراستها وإصدار القرار المناسب".

وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "من الخطأ أن يتم إقحام القضاء أو أي مؤسسة أخرى في مواجهة إرادة الشعب، مشيرًا إلى أن مطالب المعلمين مشروعة وإضرابهم قانوني".

وتابع: "القضاء الأردني أحكامه باتت سريعة، في خلال 24 ساعة تصدر حكمها، هذا شيء مشرف، ونفتخر به، ونتمنى في قادم الأيام أن يصدر قرارات سريعة كهذه في قضايا الفساد والمحسوبيات وهدر الموارد والثراوت".

ومضى قائلًا: "من الخطأ أن تجعل القضاء أو أي مؤسسة في مواجهة إرادة الشعب، دائما إرادة الشعوب لا يستقوى عليها أحد ولا ينتصر عليها أحد، مطالبنا فقط أن نعيش ونأكل ونشرب".

نقابة المعلمين الأردنيين: سنطعن على قرار المحكمة الإدارية بشأن الإضراب
وبشأن الاتهامات التي تكيل لهم بسبب تعطيل مطالح التلاميذ، قال: "الذين لا يعطون الحقوق لأصحابها هم من يعطلون مصالح الطلاب، هؤلاء الذين يجلسون أطفالهم في مدارس أمريكية وبريطانية وأطفالنا يجلسون على مقاعد مكسرة، من يحصلون لأبنائهم على وظائف، وأبنائنا عاطلون عن العمل، لابد أن يتساوى الجميع، الكل يأكل من نفس الطبق، ويشربون من نفس الكأس".  

وعن المبادرات التي طرحتها الحكومة للحل، قال: "الحكومة ميؤوس منها، لا تنظر إلا بعينها، ولا تسمع إلا لنفسها".

نظرة عمالية حول الإضراب

من جانبه قال حمادة أبو نجمة، أمين عام وزارة العمل الأردنية الأسبق، والخبير الدولي في قضايا العمل، إن "إضراب المعلمين الأردنيين المستمر في أسبوعه الرابع، يأتي ضمن ضغوط النقابة على الحكومة من أجل الحصول على علاوات، ضمن نظام الخدمة المدنية، والذي يحظر الإضراب والامتناع عن العمل".

وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "من ناحية مشروعية الإضراب فالتشريعات الأردنية لم تتضمن أي نصوص تتعلق بتنظيم الإضراب في القطاع العام، والمعلمون المضربون حاليًا يعملون في القطاع، وذلك على عكس العاملين بالقطاع الخاص، حيث نظم القانون طرق الإضراب بشكل تنظيمي محدد".

وتابع: "الخلل في القطاع العام، هو عدم وجود تنظيم قانوني للإضراب، الدولة اختارت أن يكون هناك منع تام، وهو لا يحقق الغاية والدليل على ذلك إضراب المعلمين القائم رغم الوضع القانوني، كان يمكن أن يكون هناك إجراءات مرنة للتعامل مع القضية من قبل الحكومة وأيضا نقابة المعلمين، بدلا من الدخول في مرحلة اللا عودة، في ظل موقف الحكومة المتشدد وإصرار نقابة المعلمين على المضي قدمًا في الإضراب حتى تحقيق مطالبها".

وأشار الخبير في قضايا العمل، إلى خطأ ارتكبته نقابة المعلمين خلال الإضراب، حيث قال إن "النقابة كان عليها ألا تبدأ بإضراب شامل، الأصل في إضرابات النقابات والعمال أن يبدأ تدريجيًا، عبر التوقف بضع ساعات أو أيام، لا بشكل كامل كما حدث".

ومضى قائلًا: "ما حدث أضر بحوالي مليون ونصف طالب وطالبة، باتوا متضررين هم وذووهم من الموقف، حيث انقطعت الدراسة بشكل كلي، وبمقارنة الغاية من إضراب المعلمين  - وهو حق مشروع- مع الأضرار التي لحقت بالتلاميذ، لن يكون هناك أي توازن، أو تقدير لمصلحة المواطنين".

الأردن... المعلمون يرفضون علاوة الحكومة ويؤكدون استمرار الإضراب
وبشأن حكم المحكمة بفض الإضراب، قال: "كان متوقعًا أن تقضي المحكمة الإدارية بوقف الإضراب، ومن الناحية القانونية لا يملك أي طرف الامتناع من تنفيذ القرارات القضائية، ولو امتنع أحد عن ذلك سيكون هناك مساءلة قانونية لكل من يعترض أو يحرض على الاعتراض".

وأنهى حديثه قائلًا: "كان من الأفضل أن يكون حل الأزمة القائمة بعيد عن القضاء، إقحام القضاء في تلك الأزمة سيضع الطرفين (الحكومة والمعلم) في مواقف محرجة".

كيف يرى مجلس النواب الأزمة؟

من الجانب التشريعي، قال النائب إبراهيم البدور، رئيس لجنة التربية في مجلس النواب الأردني، إن "إضراب المعلمين يدخل نهاية أسبوعه الرابع بشكل متواصل، وكان هناك جهود حثيثة لمجلس النواب، ولجنة التربية، للخروج بحل سياسي على طاولة المفاوضات".

وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "الكل يؤمن بأن الحل لا يأتي عبر الشارع، بل من خلال طاولة حوار، وتفاهمات ترضى جميع الأطراف".

وأكد أن "كافة المبادرات التي طرحتها لجنة التربية بمجلس النواب، كانت تحاول الوصول لاتفاق يفضي إلى عودة المعلم للصف الدراسي غير مكسور الجناح، وفي نفس الوقت يحفظ للدولة هيبتها، ولا يؤثر عليها ولا على الميزانية بشكل سلبي".

وأشار رئيس لجنة التربية في مجلس النواب الأردني، إلى أن "مطالب المعلمين مشروعة، وغالبية موظفي الدولة يعانون من الضغوط الاقتصادية، وضع المعلم ليس جيدًا، في ظل ما نعانيه من وضع اقتصادي، المعلمون يعانون كما يعاني كل العاملين في القطاع العام والحكومي".

وتابع: "الآن بات السؤال الهام الواجب طرحه، هل يمكن ضغط الموازنة لإيجاد بدائل ترضي كل الأطراف؟، وربما ينتظر الجميع من الحكومة الإجابة على هذا التساؤل، ونحن كمجلس نواب نحاول الضغط على الحكومة لإيجاد أي متنفس للمعلمين قد يرضيهم ويحل الأزمة القائمة".

وبشأن الحكم القضائي، أضاف أن "القرار القضائي سواء كان في صالح الحكومة أو نقابة المعلمين ملزم للجميع".

لماذا يضرب معلمو الأردن؟

يطالب المعلمون بالحصول على علاوة تصل إلى 50% من الراتب الأساسي (ضمن اتفاق بين الطرفين عام 2014).

الحكومة قررت منحهم الحد الأعلى من العلاوة وهو 24 دينارا (حوالى 34 دولارا) للمعلم المساعد، و31 دينارا (حوالى 44 دولارا) للمعلم الخبير وهو "أقصى ما تستطيع الحكومة تحمله في ظل الظروف الاقتصادية الحالية".

سياسة فرض الضرائب في الأردن... حلول حكومية أم كارثة اقتصادية
ورفضة نقابة المعلمين التي ينتسب لها أكثر من 140 ألف معلم عرض الحكومة، قائلة: "مقدار العلاوة المطروح لا يساوي 10 بالمئة، بل هو أقل مما كان يدور النقاش حوله".

وتقول النقابة أن الإضراب تم بنسبة 100% في جميع المدراس البالغ عددها أكثر من 4000 مدرسة، بمشاركة ما يزيد عن 100 ألف معلم.

ما الجهود التي بذلت للتفاوض؟

رفضت نقابة المعلمين جميع الوساطات التي قادتها شخصيات سياسية لفكّ إضرابهم، واجتمع، في وقت سابق بمبادرة من رئيس الوزراء السابق طاهر المصري، عدد من الشخصيات السياسية ورؤساء حكومات سابقين، لبحث قضية استمرار الإضراب ومحاولة التوصل لصيغ تفاهم بين الحكومة والنقابة، قبل أن ينتهي الاجتماع من دون التوصل لنتيجة.

كما اجتمع رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة مع رئيس الحكومة عمر الرزاز لبحث صيغ مقترحة للخروج من أزمة المعلمين التي تهدد مصير الطلبة في المراحل المختلفة، وعلى وجه الخصوص طلبة المرحلة الثانوية العامة، المرتبطة بمواقيت القبول الجامعي ضمن أجندة محددة التواريخ.

 ولم تنجح الحكومة في إقناع المعلمين بالعودة إلى المدارس بعد قرارها زيادة نسب العلاوات الممنوحة للمعلمين وفق نظام الرتب التي يتقاضاها المعلمون بالأساس، وذلك كإجراء استباقي ضد إعلان النقابة استمرارها في الإضراب.

وسجل إضراب المعلمين رقماً قياسياً كأطول إضراب نقابي شهدته البلاد، بعد توقف نحو 86 ألف معلم عن التدريس في أكثر من 3800 مدرسة حكومية في محافظات المملكة كافة، وتوقف 1.5 مليون طالب وطالبة عن اللحاق بمدارسهم. وتوقف أولياء الأمور عن إرسال أبنائهم إلى المدارس، لتؤكد نقابة المعلمين في البلاد أن نسبة التزام منتسبيها بالإضراب بلغت 100 في المائة في مدارس المملكة، طيلة أيام الإضراب.

كيف ترى الحكومة الأزمة؟

أصدرت وزارة التربية بيانا حذرت فيه المعلمين من الامتناع عن التدريس، وأكدت أنها ستعمل على تأمين معلم بديل فورا على حساب التعليم الإضافي.

ووجهت الحكومة دعوات مكثفة للطلبة بضرورة الالتحاق بمدارسهم، وأعلنت أنها ستتجه لاتخاذ عقوبات مالية وإدارية بحق المعلمين المضربين، إضافة لعقوبات تصل لحرمان الطلبة المتغيبين عن الدوام المدرسي.

وكان وزير التربية والتعليم وليد المعاني قد قال في تصريحات سابقة إن القرار القضائي الصادر عن المحكمة الإدارية واجب النفاذ، وإن عدم تنفيذه يترتب عليه عقوبات جزائية قد تصل إلى السجن.

وتشير الإحصاءات الرسمية إلى ارتفاع معدل الفقر في الأردن إلى أكثر من 15 بالمئة، كما بلغ عدد العاطلين عن العمل 380 ألفا.

مناقشة