تجاهل تحذيرات مسبقة والاتهامات متبادلة... حرائق لبنان "خسائر" لن تعوضها الأموال

يعيش لبنان منذ يوم الاثنين الماضي، كارثة حقيقية على وقع الحرائق المشتعلة التي قضت على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية وأعداد هائلة من المنازل، وخلفت قتلى وجرحى وخسائر اقتصادية فادحة.
Sputnik

فرغم تكاتف الشارع اللبناني مع قوات الأمن والجيش والدفاع المدني لإخماد الحرائق، لم تتوقف اتهامات التقصير للحكومة من المواطنين، التي امتدت لتصل إلى المسؤولين أنفسهم.

فيديو...حرائق ضخمة في لبنان والأب خنيصر: 90% من الحرائق مفتعلة
ففي الوقت الذي حظيت فيه وزارة البيئة بنصيب الأسد في اتهامات التقاعس والتقصير، كشفت الوزارة لـ"سبوتنيك"، أن مهمتها تقتصر على التحذير، وهي ما قامت به في بيان رسمي - قبل ساعات من الكارثة - وجهته للمواطنين والشرطة والجيش والدفاع المدني، حذرت خلاله من موجة الحرائق المندلعة حاليا.

وأما على المستوى الاقتصادي، ورغم عدم إحصاء الأضرار التي نتجت عن الحرائق بعد، أشار البعض إلى أن الخسائر المالية فادحة، وآلاف الأشجار الهالكة معمرة، ويصعب تعويضها، خصوصا في تلك المنطقة التي كانت مزارا سياحيا هاما.

حرائق لبنان

وبدأت الحرائق التي اجتاحت لبنان منذ يوم الاثنين بالانحسار بعدما أدت إلى مقتل شخص على الأقل وأتت على مساحات شاسعة من غابات البلاد مما دفع بيروت إلى نشر خراطيم المياه وطلب المساعدة من جيرانها.

وساهم هطول الأمطار ليلا في إخماد بعض الحرائق لكن ظل القليل مشتعلا حسب تصريحات مدير عام الدفاع المدني ريمون خطار، لوسائل إعلام، إذ قال إن "الحرائق خفيفة الآن وتحت السيطرة".

وكان خطار قال يوم الثلاثاء إن 104 حرائق اندلعت خلال الأربع والعشرين ساعة السابقة، وتم إجلاء السكان من المنازل والمباني لتقليل الخسائر.

وفي الدامور جنوب بيروت اشتعلت النيران في مبنى لمنظمة محلية غير حكومية (أركانسيل)، وقال رئيس المركز إيلي زوين اليوم الأربعاء إنه لم يحص الأضرار بعد لكن "خسارتنا كبيرة جدا بالنسبة للمركز".

وأدت الحرائق إلى تفحم أشجار وإحراق سيارات، ووقف رجال الإطفاء عاجزين عن السيطرة على النيران مما دفع البلاد إلى دعوة الدول المجاورة لإرسال طائرات للمساعدة.

ولم تعرف بعد أسباب الحرائق التي أتت على مساحات مزروعة بالأشجار جنوب بيروت وغابات الصنوبر في الشمال على الرغم من أن بعض المسؤولين ألقوا باللائمة على موجة الحر التي ضربت البلاد في الأيام القليلة الماضية.

تحذيرات البيئة قبل الحريق

سعد إلياس، المستشار الإعلامي لوزير البيئة اللبناني، قال إن "وزارة البيئة مهمتها التوعية والوقاية من خطر الحرائق، وليست سلطة تنفيذية على الأرض، فالدفاع المدني ليس تابعًا لوزارة البيئة، بل لوزارة الداخلية، وموضوع الطوافات التي تخمد الحرائق تابعة لقيادة الجيش ووزارة الدفاع".

وأضاف في تصريحات خاصة لـ "سبوتنيك"، أن:

"الوزارة دورها الأساسي التوعية من الأخطار، مثل خطر الحرائق، وهي ما قامت به بالفعل، لهذا لم يكن الموضوع مفاجئًا للقائمين على وزارة البيئة".

وتابع: "في الثاني من سبتمبر/ أيلول الماضي، نظمت وزارة البيئة مؤتمرًا موسعًا للبلديات، لتشجيعها على المشاركة في الحملة الوطنية لتنظيف الأحراج حماية من الحرائق التي بدأت موسمها بالفعل".

ومضى قائلًا: "كانت وزارة البيئة تدرك أن موسم 2019 شهد أمطارا غزيرة في لبنان، وهي تتسبب في نمو حشائش أكبر في الأحراج، ومن هنا دعت الوزارة البلديات لاتخاذ إجراءات لازمة".

تقاعس البلديات

وأشار مستشار وزير البيئة، إلى أن "الوزير نزل بنفسه لمنطقتي سحمر ويحمر، خلال الحملة الوطنية التي كان مقرر لها يوم الأحد، الموافق 8 سبتمبر/ أيلول الماضي، ووجه بتنظيف الأحراج".

وبشأن البلديات، قال إلياس، إن "الوزارة دعت في مؤتمرها 117 بلدية المناطق الأكثر تهديدًا وتعرضًا للحرائق، لم يحضر سوى 50 رئيسًا أو ممثلًا فقط للبلدية، وهذا يفيد بتقصير البلديات في القيام بواجباتها".

بالفيديو... السماء تتدخل لإطفاء الحرائق وإنقاذ لبنان
وعن تحذيرات الوزراة للحرائق المندلعة حاليًا، أضاف قائلًا: "وزارة البيئة، وفور صدور تقرير مصلحة الأرصاد الجوية عن موجة حر في لبنان، ونشاط الرياح الملحوظ، أصدرت بيانًا عاجلًا قبل ليلة واحدة من بدء الحرائق، تناشد فيه المواطنين والبلديات ووزارة الداخلية والدفاع والدفاع المدني باتخاذ أقصى الاحتياطات، وعدم إشعال أي نار تفاديًا لامتداد النيران".

واستدرك "البيان صدر قبل ساعات من اندلاع الحرائق، لكن هناك أمور تحصل في بعض الأوقات فوق إرادة المسؤولين".

وعن الخطط المستقبلية لمواجهة الحرائق في لبنان، قال المستشار الإعلامي لوزير البيئة، إن "الوزير نزل على الأرض وقت الحريق، وتلقى في اجتماع مع مدير الدفاع المدني اللائحة الضرورية المطلوبة لمواجهة الحرائق، ويعمل حاليًا على تجهيزها".

وتابع "ومن المقرر أن ينطلق وفد يضم مستشار وزير البيئة، وقائد القوات الجوية في الجيش اللبناني، ومدير الدفاع المدني الثلاثاء المقبل إلى إسبانيا، للاطلاع عن طائرات متخصصة في إطفاء الحرائق لاستخدامها مستقبلًا".

وأنهى حديثه قائلًا "وزير البيئة أطلق مبادرة لإعادة تشجير المساحات الواسعة التي التهمتها الحرائق".

تنديد مدني

الناشط اللبناني، عماد بزي، قال إن "الحرائق المخيفة التي شهدها لبنان مؤخرًا، يرجع لعدة أسباب أهمها غياب الوعي البيئي، ودرجات الحرارة المرتفعة".

وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "الحرائق اللبنانية زادت في ظل عدم توظيف حراس للأحراج لدواع طائفية، بجانب غياب القدرة اللوجيستية للدولة اللبنانية للسيطرة على الحرائق".

وبشأن إمكانية أن يكون هذا الحادث مفتعلًا قال: "من يدعي وجود أسباب سياسية أو تخريبية وراء اندلاع هذه الحرائق يحاول أن يحرف الموضوع عن الأسباب الحقيقية للكارثة، ويخفي التقصير الفادح".

محمد صلاح يعلق على حرائق لبنان
من جانبه قال رياض عيسى، الناشط المدني، إن "لبنان عاش أيام صعبة في ظل الحرائق المندلعة، والآن تم السيطرة على أكثر من 95% منها، وجار تبريد ما تبقى منها".

وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "المجتمع المدني قام بدور فعال في مواجهة تلك الأزمة، الشعب اللبناني كله ساهم كل حسب إمكانياته، سكان محليين، ودفاع مدني، وقوى الأمن، والجيش الذي استخدمت طائراته لإطفاء تلك الحرائق".

وتابع "أعتقد من الصعب أن يشب 125 حريقًا في نفس الوقت، بكل مناطق لبنان، هناد أياد خفية تريد الشر للبنان، ما حدث لا يمكن اعتباره طبيعيًا، الحرائق لم تشتعل من تلقاء نفسها".

وأكد الناشط المدني، أن "أجهزة الأمن تتابع تحقيقاتها، للوقوف على هذه الحرائق، والتعرف على أسبابها ومن يقف خلفها".

خسائر اقتصادية كارثية

الدكتور عماد عكوش، خبير مالي واقتصادي لبناني، قال إن "حرائق لبنان خلفت خسائر مادية فادحة، حيث قضت على آلاف الأشجار المعمرة، والتي يصعب تعويضها في المدى المنظور، ولو حاولت الحكومة اللبنانية، سوف تكلف خزينة الدولة ملايين الدولارات".

وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن:

"للحرائق خسائر أخرى معنوية كبيرة على الشعب اللبناني، كونها تزيد من فضيحة الطبقة الحاكمة، والتي تستعد لهذه الكوارث الطبيعية".

وتابع "كان من المتوقع أن بحسب تأكيد كافة الاختصاصيين في المجال المناخي، أن توجه الحكومة اللبنانية كافة أنواع الرسائل التحذرية لتفادي مثل هذه الكارثة".

ومضى قائلًا "منطقة الشوف هي منطقة بيئية وسياحية بامتياز، فهي بيئة خضراء يأتي إليها السياح من كل العالم، حتى اللبنانيون عندما يريدون التنزه في الطبيعة يلجأون إليها، وبالتالي خسارتها بالتأكيد سوف تؤثر على السياحة البيئية في هذه المنطقة، وبالتالي على لبنان بشكل عام".

"قلبي يحترق" و"صح النوم"... إليسا وراغب علامة يعلقان بغضب على حرائق لبنان
وبشأن التدخل الحكومي، قال "الحكومة اللبنانية استلمت 3 طوافات في السابق لمهمات الإطفاء، لكن الإهمال جعلها خردة، حيث تركت بلا صيانة لفترتة طويلة بحجج متعددة، منها الكلفة المرتفعة، وعدم القدرة على تحمل كلفة متابعتها".

وأنهى حديثه مضيفًا "المؤلم أن الحكومة اللبنانية تدفع ملايين الدولارات على جمعيات وهمية للسياسيين، وتصرف على حفلات ورعاية المناسبات ملايين الدولارات، وعندما تصل الأمور إلى هذه الكوارث المهمة، تقطع يدها وتتسول".

إجراءات حكومية

واستعان لبنان بطائرات من دول المنطقة لإخماد سلسلة حرائق مستمرة منذ يومين، التهمت مساحات حرجية واسعة وحاصرت مدنيين في منازلهم.

وأعلنت الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية أن أربع طائرات بتقنيات متطورة وصلت إلى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت قادمة من اليونان والأردن للمساعدة في عمليات الإطفاء.

وأرسلت قبرص طائرتين شاركتا مع طوافات للجيش اللبناني في عمليات إخماد الحرائق، وفق بيان للجيش.

في ظل استمرار الحرائق...لبنان يستعين بالطوافات القبرصية واليونانية والأردنية لإخمادها
وأحصى الدفاع المدني اللبناني اندلاع أكثر من مئة حريق، لم تتمكن فرقه من إخمادها طيلة الليل، قبل أن تتوسع رقعة النيران بفعل سرعة الرياح، وفق ما أوردت الوكالة الوطنية للاعلام الرسمية. وتراجعت حدّة الحرائق نسبيًا مساء الثلاثاء بعد تطويق عدد منها وبدء تساقط الأمطار في مناطق متفرقة.

ونشرت وسائل إعلام محلية وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صورا ومقاطع فيديو مرعبة للنيران التي قضت على مساحات خضراء واسعة، وتركزت بشكل خاص في مناطق جنوب بيروت ومنطقة الشوف قبل أن تتوسع لتطال مناطق في شمال وجنوب البلاد.

وفي وقت سابق، أعلن الصليب الأحمر اللبناني أن الحرائق التي يتعرض لها لبنان الآن "هي الأكبر والأخطر".

وأكد رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، أنه إذا كان الحريق مفتعلاً فهناك من سيدفع الثمن، ومشيرا إلى أن كل الأجهزة تعمل من دون استثناء ولا بد من فتح تحقيق في ملابسات الحرائق وأسبابها.

مناقشة