راديو

روسيا تستعد للعودة إلى أفريقيا

بصوت واضح أعلن الكريملن عن خطط للعودة إلى أفريقيا بعد غياب استمر لعقود منذ أن حطت الحرب الباردة أوزارها، وخلال اجتماع الرئيس الروسي الشهر الجاري مع العديد من قادة القارة في أول قمة اقتصادية بين روسيا وأفريقيا في سوتشي أعفت روسيا أفريقيا من سداد ديون مستحقة بلغت عشرين مليار دولار.
Sputnik

خلال الحرب الباردة، كانت أفريقيا مسرحا للمواجهة بين المعسكر الاشتراكي والدول الغربية، والآن سيتعين على روسيا أن تنافس الصين كلاعب اقتصادي مهم في القارة السمراء والولايات المتحدة وأوروبا كطرفين يسعيان للهيمنة على القارة من خلال الاستثمارات تارة، وصادرات السلاح تارة، وحل وعقد التحديات الأمنية في الكثير من الأحيان.

حجم التبادل التجاري الروسي مع أفريقيا يتجاوز عشرين مليار دولار في العام 2018 لكن النمو السريع لاقتصادات القارة الغنية بالموارد جعلها مرشحة لأن تصبح عنصرا فاعلا في ميزان القوى السياسية، في 

روسيا تفتح صفحة جديدة مع أفريقيا
الوقت الذي تسعى فيه روسيا إلى توسيع دائرة نفوذها في المناطق الحيوية من العالم.

تستند الاستراتيجية الروسية في النفاذ إلى أفريقيا بشكل أساسي الآن على فكرة النفوذ العسكري - السياسي وفقا لمفهوم "الاستقرار أولاً، والربح ثانيا"، وعلى عكس السياسات الغربية تعتبر موسكو إن الزيادة الحادة في وعي الذات لدى معظم دول القارة يجعل الخيار الانجح لكسب أفريقيا هو قيادة الموجة الجديدة من تقرير المصير الوطني في القارة السمراء عبر ذراع محلية وبمنطق تبادل المنافع بدلاً من التبرع بالمال مثل الصين، أو شراء الزعماء المحليين مثل بريطانيا والولايات المتحدة، أو الاستحواذ المباشر مثل الفرنسيين.

ويعتبر المراقبون أن هذا المفهوم الروسي الجديد للسياسة الأفريقية يسير في الاتجاه الصحيح في مرحلته الأولى ويحترم خصوصية القارة وربما يكون المرشح الأوفر حظا بين القوى  الكبرى.

قال الكاتب والمحلل السياسي تيمور دويدار إن روسيا تأخرت في تنفيذ خطة العودة  إلى أفريقيا لكن بعد تجربتها الناجحة في مصر ومشاركتها في مشروعات البنية الاساسية رأت انه حان الوقت، وهي تعتبر أن مصر بوابة جيدة لأفريقيا وتأمل في توظيف التكنولوجيا الروسية والطاقة والاتصالات والتقنيات الرقمية التي تميز فيها روسيا في عدة استثمارات بالقارة وترغب في الدخول إلى قطاعات مختلفة بهدف توطين هذه التكنولوجيا في القارة وهي في هذا التقارب لاتنافس الصين التي قطعت شوطا في الوجود داخل القارة وقد كانت فاعلية سوتشي إيجابية للغاية.

قال الأمين العام  المساعد لمنظمة الوحدة الأفريقية سابقا  السفير أحمد حجاج إن العلاقات الثقافية مع روسيا تمتد منذ حقبة الاتحاد السوفيتي الذي كانت له علاقات ثقافية كبيرة مع عدد من الدول ومع حركات التحرير وقد قام بتدريب عدد من قادتها في موسكو وجمهوريات الاتحاد، وفي الوقت الحالي بدأت روسيا تقدم منحا دراسية كبيرة لأفريقيا وافتتحت عددا من المراكز الثقافية يصل إلى 41 تقوم من خلالع بعرض الافلام الروسية وبزيارات لفرق الباليه والأوركسترا وهناك أقسام لدراسة اللغة الروسية في عدد ممن الجامعات الأفريقية خاصة في مصر، وأفريقيا تقوم حاليا بتنويع علاقاتها الثقافية حيث أن لها علاقات بالغرب ولكن يجب أن تعيد إحياء العلاقات الثقافية مع روسيا ولا يجب أن ننسى أن هناك مدارس استشراقية تهتم بالثقافات العربية والمصرية القديمة، روسيا تقوم حاليا بالدور المناسب في هذا المجال وهو امر مرحب به داخل القارة.

قالت أستاذة العلوم السياسية بمعهد البحوث الأفريقية د.هبة البشبيشي  إن أفريقيا تحتاج إلى تنوع في حل إشكالياتها، وهذا الاهتمام الروسي يعبر عن تحول جديد في المنطقة الأفريقية باتجاه جذب القوى الدولية، وقد قدمت روسيا بالفعل الكثير للقارة وعلى رأسها رعاية اتفاق السلام في جمهورية وسط أفريقيا العام الماضي، بالاضافة إلى الوجود الروسي في مواقع استخراج الطاقة والثروات الطبيعية، والبرنامج النووي في مصر، وهناك شركات روسية تنقب عن الغاز والطاقة، وهو ما يمثل تطورا كبيرا للوجود الروسي في أفريقيا، وروسيا لديها نظرة سياسية مختلفة عن القوى التقليدية التي كانت في القارة فالتوجه الروسي يحترم الخصوصية الأفريقية والمباديء، والأفكار، والتطورات الاجتماعية في القارة وهذا من أهم علامات الطريق في العلاقات الروسية الأفريقية، وتختلف موسكو في هذا عن الطرح الأمريكي الذي يتبنى أجندة مايطلق عليه الديمقراطية والذي تشترط فيه استمرار المساعدات بالتحول الديمقراطي وهي أيضا تفرض أجندة رأسمالية بشكل أو بآخر.

قال رئيس القسم الاقتصادي بمجلة "الأهرام العربي" حمدي الجمل إن روسيا ترى أن القاهرة بوابة أفريقيا، ووجود روسيا في المنطقة الصناعية لقناة السويس بالاضافة إلى التقارب الروسي الصيني يشكلان محورا مهما في العلاقات الدولية والاقتصادية، وسيسهم بنك التنمية الذي تم انشاؤة بمشاركة روسيا والصين والإمارات بشكل كبير في زيادة العلاقات الاقتصادية مع روسيا، خاصة أنه يعمل بالشراكة وليس بالسياسة كالبنك الدولي، كما أن أفريقيا سوق كبير يضم  500 مليون شخص وغنية بالمواد الخام التي تحتكرها الدول الغربية، وستمثل روسيا مع الصين -المنتشرة من خلال طريق الحرير- أقطاب جديدة في التجارة الدولية، وقد وعت روسيا أيضا خلال حكم الرئيس بوتين أهمية العمل الاقتصادي وهي حاليا مصدر مهم للسلاح، والصناعات الروسية تحظى بالثقة في أسواق العالم فضلا عن البرنامج النووي الروسي، ومن المرجح أن تصبح روسيا اللاعب الأبرز خاصة بعد تراجع ثقة العالم في الولايات المتحدة بما يحول روسيا والصين إلى ملاذ آمن. 

إعداد وتقديم: جيهان لطفي

روسيا تستعد للعودة إلى أفريقيا

 

 

مناقشة