المرشح الجزائري للرئاسة عز الدين ميهوبي يتحدث عن دور الجيش ورؤيته الاقتصادية والاجتماعية

قال المرشح الجزائري للانتخابات الرئاسية عز الدين ميهوبي، إنه سيستبعد مصطلح الإقصاء تماما من المشهد الجزائري حال وصوله للرئاسة.
Sputnik

عز الدين ميهوبي: لا يمكن أن نتقدم خطوة واحدة دون إلغاء سياسة الإقصاء
وتحدث ميهوبي في حوار مع "سبوتنيك"، عن برنامجه الانتخابي للانتخابات الرئاسية الجزائرية، وما ينوي تقديمه للمواطن الجزائري ومحاربة للفساد والمحسوبية.

ومن بين ما يرغب فيه ميهوبي، الاستعانة بالعقول والخبرات الجزائرية في الخارج، وهي من الخطوط العريضة التي سيعتمد عليها.

وإليكم نص الحوار...

لو تحدثنا في البداية عن النقاط الرئيسية في برنامجكم الانتخابي ما أبرز ملامح رؤيتكم؟

في البداية أشكركم على هذه الاستضافة، قبل أن أجيبكم حول النقاط الكبرى في برنامجي الانتخابي، بودي أن أحدثكم عن المنهجية والفلسفة التي بني عليها هذا البرنامج، فقد صرّحت في أكثر من مناسبة أنّني لن أعدَ بما لا يمكنُ تحقيقه، أيْ أنّنا لن نخاطب جيب المواطن ولا بطنه، فالمواطنُ الجزائريُّ أكبرُ من أنْ يختصرَ أو يخاطبَ أو يعدَّ له برنامجٌ يخاطبُ حاجته، لتكون موضوعا للحملات الانتخابية بوعود يصعب تحقيقها.

المواطن الجزائريُّ الذي خرج يوم 22 فبراير/شباط، كان ينشد ملامح نظام اجتماعي وسياسيٍّ جديد، وهذا ما نعمل على تنفيذه وتطبيقه وإقناع الشعب به.

النقطة الأساس التّي انطلقت منها في إعداد برنامجي الانتخابي رفقة نخبة من الكفاءات الشابة من داخل وخارج الوطن هي "احترام ذكاء المواطن ووعيه"، وهذا ما يستدعي منّا مراعاة التحولات السياسيّة التّي تحدث في الخلايا البسيطة والصغيرة المكونة للمجتمع، الأسرة، الشارع، الحيّ، المدرسة، المسجد، المقهى.. لنجعل منها المخبر الحقيقيّ للتغيير المنشود.

 ويمكن أن أعود لك في هذا السياق إلى يوليو/تموز الماضي، حين انتُخبت على رأس التجمع الوطني الديمقراطي، وقلت إنّ هناك تحوّلا جمهوريا عميقا يحدث الآن، فإمّا أنْ نفهمه معتمدين على النخب، ومن ثمّ نعمل على تجديد الآليات والوسائل والأدوات للتأسيس لنظام اجتماعيّ وسياسيّ جديد، فننجح في تجاوز الأزمة الراهنة، وإمّا أنْ نستمر بالعمل وفق الآليات والأدوات السياسيّة التقليدية، التّي كانت سببا في غضب الشعب، وفي هذه الحالة سنزيد من تعقيد الوضع أكثر، لأنّه من بين الأسباب التّي أدت إلى الأحداث الأخيرة منذ أشهر، هو استقالة الفرد من العمل السياسيّ، ونحن لا يمكننا أنْ نجبر الفرد على الانخراط في شكل سياسيٍّ غير مقنع بالنسبة له، فكان الشارعُ الفضاء الأهمّ الذي اعتمده الجيل الثالث من الاستقلال.

مرشح الرئاسة الجزائري عز الدين ميهوبي: علاقتنا بروسيا متينة ونحن شعب يقدس الوفاء
تلك الأصوات والشعارات والأهازيج والدموع والأفراح، التي كان التفاعل معها طبيعيا، مكنتنا من الفهم الحقيقيّ لما يحدث، ألا وهو إرهاصات شكل جديد للنظام الاجتماعي والسياسيّ. 

هذه هي الفلسفة والمنهجية التي بني عليها البرنامج فماذا عن الآليات والرؤية ذاتها؟ 

 البرنامج يعيد تفكيك الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ويعيد بناءه وفق المتغيّرات الجديدة وتطلعات الشعب إلى دولة قويّة، أساسها الكفاءة لا المكافأة، دولة تكافؤ الفرص، والتخلص من ثقافة الريع الذي أشاعت الفساد والإتكالية، ويرتكز البرنامج على رؤية واقعية أساسها الحكامة والشفافية، ومنهجيا باعتماد ثلاثية التخطيط المحكم، والمعلومات الدقيقة والاستشراف الممنهج.

 تعاني الجزائر من بعض الأزمات التي تشهدها المنطقة خاصة فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي ..كم من الوقت تحتاجه لتحسين الوضع الاقتصادي بشكل ملحوظ؟ 

هناك مخطط استعجالي لتجاوز الوضع الحالي، ووقف استنزاف الرصيد المالي فيما لا يخدم حاجيات المواطن، وضمان شروط الإقلاع الاقتصادي بتنظيف بيئة الاستثمار بالتخلص من القوانين المعرقلة، وتقديم الحوافز الكبيرة لاستقطاب رأس المال الوطني والأجنبي.

كما نعمل على تحقيق الأمن الشامل، بما في ذلك الأمن الإقليمي، الطاقوي، المائي، الغذائي، الصحي، البيئي، المعلوماتي، التربوي والفكري، وبالتالي حماية الدولة وتحصين المجتمع. كما نعتمد في هذا الموضوع على أولويّات كبرى، علينا العمل عليها بشكل سريع وحاسم . 

وما هذه الأولويات حسب خطتكم؟ 

 أولا الاستمرار في السياسة الجنائية العامّة، التّي تنتهجها المؤسسة القضائية حاليا في محاربة الفساد، فهذا المسار ينبغي أن يتدعم بآليات أقوى في المرحلة المقبلة، لضمان حق المجتمع في معاقبة وردع المجرمين، واسترجاع ممتلكات الشعب المنهوبة في آن واحد.

مرشح الرئاسة الجزائري عز الدين ميهوبي: مخططات خبيثة سعت لإلغاء الانتخابات والشعب فطن اللعبة
ثانيا تعامل جديد مع مجال الطاقة، بحيث نعيد النظر، إيجابيا، في دفاتر الشروط مع المؤسسات الاقتصادية الشريكة، الراغبة في الاستثمار في مجال الطاقة باستحداث آليات تضمن لنا تحويل الخبرات، واستعمال التكنولوجيات المتطورة  وهو ما سيسمح بتكوين كفاءات وطنية، وفي هذا الخصوص نعمل على توجيه جانب مهمّ من الاستثمارات إلى الطاقات البديلة. 

ثالثا تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية، بحيث سنعمل على تكثيف التواجد الدبلوماسيّ في الدول الصناعية والاقتصادية الكبرى، لإقناع الشركات الكبرى والصغيرة، على حدّ سواء بالتوجه إلى الجزائر للاستثمار الخدماتي والسياحي والصناعي، أو بالبحث عن أسواق للمنتجات الجزائرية وخاصة إفريقيا.

رابعا، الاستعانة بالعقول والخبرات الجزائرية في الخارج، من خلال المجلس الوطني للجالية الذي سيكون شريكا مهما للمجلس الوطني الاقتصادي الاجتماعي، الذي يتشكل هو الآخر من خبرات وعقول جزائرية، لا تقل أهمية عن خبراتنا في الخارج. 

كما سنستعين أيضا بخبرات الدول التي توجد في أعلى هرم الاقتصاديات الأكثر نموا في العالم مثل الصين، تركيا، جنوب إفريقيا، وأوروبا وأمريكا.

 متأكد من أن الجزائر ستكون من الدّول الناشئة اقتصاديا، والأكثر نموا في إفريقيا خلال السنوات الخمس المقبل، ثمّ أنّنا ننظر إلى الاقتصاد على أنّه مجال متكامل، يبدأ بالفرد وينتهي إليه. 

 على المستوى الداخلي هناك العديد من قضايا الفساد والأزمات الأخرى في المؤسسات والسلطات المختلفة ...كيف ستتعامل مع هذه الأزمات وهل يمكن أن تعرقل عملية النهوض بالدولة؟  

صحيح من الصعب جدّا أنْ تقضي على الفساد في كلِّ المجالات في ظرف زمنيٍّ قصير، لكنَّ تحرّر سلطة القضاء من السلطة التنفيذية من شأنه أن يدفع بمسار محاربة الفساد إلى مستويات أكبر، وفي هذا الشأن سنعيد النظر جذريا في مسألة هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، من خلال تحصين استقلالية المجلس الأعلى للقضاء بالشكل الذي يساعد العدالة على ألا تقع تحت تأثيرات أخرى، وفي هذا المجال أنا مستعد لمناقشة مسألة تخلّي الرئيس عن رئاسة المجلس الأعلى للقضاء، لصالح قاض ينتخبه القضاة بحريّة، شريطة أنْ نضمنَ حقّ المواطن في عدالة مستقلة لا تخضع لأي تأثيرات موازية.   

هل ترى أن الأزمة السياسية تحل بمجرد إجراء الانتخابات الرئاسية في الجزائر.. أم تحتاج لفترة أخرى ومقاربات وما هي من وجهة نظرك؟ 

 ما يحدثُ حاليا ليس مجرّد أزمة سياسيّة محليّة معزولة عن السياق الإقليمي والدوليّ، يجب أن نفهم هذا جيّدا، لذلك فإنّ تقوية الجدار الوطنيّ الداخلي أولوية قصوى في المرحلة الحالية، ومن شأن الإنتخابات الرئاسية التي ستجري نهاية السنة الجارية أن تضع حدّا لأيّ انفلات سياسيّ أو اجتماعي أو أمني.

 

انتخابات الجزائر...انقسام في الشارع وغياب مرشحي المعارضة
إذن فالانتخابات بداية الحلّ وليست نهايته، لأنّني سأعمل كما قلت سابقا على التأسيس لنظام اجتماعيّ وسياسيّ جديد تنبثق عنه رؤية جديدة للمجتمع والسياسة والدولة، والعمل على تأسيس مجالس سياديّة تتشكل من النخب والكفاءات سيكون أداة قوية لحلّ كثير من المشكلات، مجلس وطني للتربية والتعليم، مجلس وطني للشباب، مجلس وطني للجالية.. مجلس وطني للإعلام.

 بالإضافة إلى تفعيل دور المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي الحالي، ومنحه مهام أوسع، حيث سيكون لهذه المجالس الدور المهم في المرحلة المقبلة، بعيدًا عن منطق الاستشارة إلى الإلزامية، كما أننا نتعامل مع بعض القطاعات كمجالات حيوية لا مجرد وزارات وهيئات حكومية، على غرار التربية والتعليم والاقتصاد والثقافة. 

حال فوزكم بالانتخابات هل تستثني بعض التيارات من المشاركة في الحكومة أو المشهد السياسي أم ما هي رؤيتكم الخاصة بهذه المرحلة؟  

لا يمكنُ أنْ نتقدّم خطوةً واحدةً دون إلغاء سياسة الإقصاء، سنتسبعد مصطلح الإقصاء تماما من المشهد، فكلنا جزائريٌّ إلا من أبى، ومن حقّ كل التيارات الفكرية أو السياسية أو الايديولوجية أن تساهم في بناء الدولة الجديدة التي يأملها الشعب، لكن اعتمادا على شروط أساسية وأكيدة ترتكز على الكفاءة والأمانة والنيّة الصادقة وتقديم مقترحات قويّة وسيادية، لا مجرّد البحث عن التواجد السياسي الشكلي.

 لقد أثبتت التجربة الأخيرة أنّ الزعامات السياسيّة عجزت عن مواجهة الزعامات الرقميّة التّي تنتمي إلى مجتمع رقميّ إفتراضي لا حدود له، فهل يعقل أنْ نعتمد على السياسات نفسها في بناء جزائر مختلفة؟

 من بين أهمّ ملامح التحوّل الجمهوري الذي بدأ شهر فبراير/شباط هو رفض الشارع للجو السياسيّ العامّ، فهو يرى أنّ المجتمع السياسيّ الوطنيّ لم يتمكن من فهم مطالب المجتمع الجديد، لذلك سنرافق كلّ مكونات الساحة السياسيّة لتحيين وسائلها وأدواتها حتّى تتمكن من التفاعل بشكل أفضل مع الشعب ومن ثمّ تمثيله تمثيلا حقيقيّا.

هناك حملات تبدو مضادة تقول إن المرشحين الخمسة من عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة … فكيف ترى هذا الوصف وما إن كانت هي حملات ممنهجة فعليا أم لا؟ 

 طبعا أصحاب المخططات الخبيثة يبحثون عن تتفيه كل مبادرة جادّة من المؤسسات الدستورية في البلاد، من أجل الدفع بكلّ قوّة لإلغاء الانتخابات والدخول في مرحلة انتقاليّة، لكنّ الشعب الجزائري فهم اللعبة جيّدا، ومنح كلّ ثقته للمؤسسات الدستورية وهو عبء كبير على هذه المؤسسات أن تتحمله بكلّ صرامة ونزاهة، لاسيما السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، والجيش الوطنيّ الشعبيّ الذّي تحلّى بالحياد التامّ، وقرّر مرافقة هذا المسار بعين المترقب الحذر دون التدخل بشكل مباشر أو غير مباشر، منحازا إلى الشعب وحريصًا على الحفاظ على الدولة ومؤسساتها قويّة وثابتة.

قايد صالح: العصابة تحاول الوقيعة بين الجيش الجزائري والشعب بـ4 كلمات
متأكدون من أنَّ الشعب الجزائري الذي سيخرج يوم 12 / يسبمبر/كانون الأول، قد فهم اللعبة جيّدا، وسيمارس حقّه الدستوريّ، وفق ما تضمنته المادتان 07 و 08 من الدستور في إطار الاختيار الحرّ والسيّد عبر صناديق الاقتراع فقط، فلا يمكنُ أن تنتخب رئيسا في الشارع، أمّا عن الحملات التّي وصفتموها بالممنهجة، فالخاسر دائمًا يسعى لأساليب الإفشال والإفساد.

معالي الوزير ونحن على أعتاب إجراء الانتخابات الرئاسية ولا يزال الحراك يحتشد في الميادين أسبوعيا..هل ترى أن ذلك قد يؤثر على العملية الانتخابية؟ 

 مع احترامنا الكامل لكلّ المواطنات والمواطنين الذين يخرجون بشكل أسبوعي في الشوارع، أقولُ إنّ جزءاً كبيرا من الشعب الجزائريّ حقّق مطالبه السياديّة، وهو ينتظر تاريخ 12 ديسمبر/كانون الأول، ليكمل واجبه اتجاه بلده، وبالتالي يبقى أنّ الدستور الجزائريّ يكفل الحقَّ في التعبير لمن لهم رأي مختلف.

 الحق في الاختلاف مشروع، وهي ممارسة ديمقراطية أساسية، ويكفي أن أقول إنّ ما حفّزنا على دخول المعترك الانتخابي هو توفّر الضمانات القانونية والسياسية اللازمة، وكذا شعورنا بأن أغلبية الشعب الجزائريّ ترغب في إجراء الانتخابات لتفادي أي انسداد يمكن أن تنجرّ عنه عواقب على مستقبل الدولة والمجتمع على حذّ سواء.

فيما يتعلق بالموقف الدائم للجزائر الداعم للقضيتين الفلسطينية والصحراوية، هل من تغير في موقفكم تجاه قضية الصحراء خاصة في ظل ترحيب المغرب بعلاقات مغايرة مع الجزائر؟ 

ثبات الجزائر على مبادئها مسألة لا تحتاج إلى قراءات محتملة، فالقضية الفلسطينية وكذا القضية الصحراوية لا تقبلان القسمة على اثنين، وموقف الدولة والشعب واحد.

 فنحن مع حق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وعلى المجتمع الدولي أن يتخلّص من حساباته وتلكّؤه، وينصف هذا الشعب المقاوم منذ أزيد من سبعين عامًا، فالحل العادل والمنصف وحده هو الذي يجنب العالم مزيدا من الأزمات والمتاعب في منطقة تعيش احتقانات متواصلة.

 وأمّا موقف الجزائر من القضيّة الصحراويّة فهو واضح وصريح، فمن حقّ الشعب الصحراوي تقرير مصيره، تطبيقا للائحة الأممية 1514 ومقررات اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار، وطالما أنّ الأمر متكفّل به على مستوى الأمم المتحدة، والطرفان المعنيان، المغرب والبوليزاريو، يتفاوضان باستمرار، فالمسألة واضحة.

 وأؤكد أن تقدّم العلاقات، بكلّ أبعادها، مع المغرب الشقيق لا يحتاج إلى اجتهاد، لأنّ ذلك يتجاوز التاريخ والجغرافيا إلى أواصر الأخوّة والجيرة، والإيمان بالمغرب العربيّ الكبير المؤسس على أرضية مؤتمر طنجة التاريخي. 

يحملها الشاهد… قيس سعيد يوجه رسالة للرئيس الجزائري
فيما يتعلق بالسياسة الخارجية كيف ترى مستقبل العلاقات مع الدولة الروسية على كافة الأصعدة الاقتصادية والسياسية والعسكرية؟  

ترتبط الجزائر بعلاقات متينة على أساس الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة، عربيًا وإفريقيا وعالميًا، من بينها روسيا الاتحادية، إذ لا يجب أن ننسى متانة وقوة العلاقات الجزائرية الروسيّة منذ ثورة التحرير الكبرى نوفمبر/تشرين الثاني 1954، وكذا الدعم القويّ الذي منحته روسيا للجزائر عبر مراحل عديدة أهمها مساعدتنا في جوانب مهمة، على غرار الاقتصاد، والخبرات الفنية المتنوعة في عديد المجالات منها العسكريّة.

 نحن شعبٌ يقدّس الوفاء كقيمة أساسيّة لضمان ديمومة التعاون والشراكة، لقد ارتقت العلاقات إلى سقف التعاون الاستراتيجي، ونأملُ أن تشهد سنة 2020 تعزيزًا أكبر لمسار العلاقات بين البلدين. 

وغير بعيد عن روسيا، ننتظرُ من كلّ اقتصاديات العالم في القارات الخمس من الصّين والنمور الآسيوية إلى أمريكا مرورا بأوروبا، ألا تنظرَ إلى الجزائر انطلاقا من أنّها مجرّد مستهلك تقليدي أو سوق لبيع منتجاتها، بل على الدول الكبرى أنْ تنظرَ إلينا كشريك حقيقي قويٍّ يتوفّر على مقدّرات تؤهّله لأن يكون دولة ناشئة، ويتعامل مع شركائه وفق المعايير العالمية، بتكريس المبدأ الاقتصادي المنصف، رابح/ رابح، خاصة وأننا نعتزم فتح مجال الاستثمارات بتحفيزات كبيرة وضمانات قوية.

في إطار التعاطي مع أزمات المنطقة كيف ترى موقف الجزائر من الأزمة الليبية وأطر حلها؟ 

ما يحدث في ليبيا يعنينا بشكل أو بآخر، وما يحدث عندنا يعني الأشقاء في ليبيا أيضا، ولن نتأخر أبدا في تقديم أي جهد يصبّ في إطار بناء دولة ليبية وطنية موحدة ومتضامنة بين كل مكونات المجتمع الليبي، وندعم كل المساعي التي تصب في مصلحة الشعب الليبي ووحدته الترابية.

 ونؤكد على أنّ الحوار بين كل مكونات المشهد السياسيّ الليبي، دون غيره، هو الحلّ الوحيد والأمثل، وفي هذا الخصوص اسمح لي أن أذكر الجميع، بأنَّ الجزائر التي عملت على تحقيق السلام بين الفرقاء في مالي لن تدخر أي جهد، من خلال تجربتها في علاج الأزمات بفعل دبلوماسيتها النشيطة، وأن تعمل مع الأطراف الليبية أوّلاً ومع دول الجوار والشركاء الآخرين في دعم الحل الذي يمكّن من تحقيق الأمن  والاستقرار.

انتخابات الجزائر... من الأقرب للقصر الرئاسي؟
هل هناك محاولات تدخل خارجي في المشهد الجزائري والتأثير عليه لأهداف بعينها وحال وجودها ما هي وكيف تتعاملون معها؟

 علينا أن نفرّق دائما بين المجتمع الدوليّ الذي يتحرّك ضمن الشرعيّة الدوليّة، وبين كثير من التصريحات الخبيثة التّي تشكل تدخلا مباشرا في الشأن الداخلي.

 التصريحات والتدخلات التّي تناولت الشأن الجزائري في الآونة الأخيرة يمكن أن نصفها بـ (المحدودة) وغاياتها مكشوفة، فهي تحاول بمغالطاتها المساس بمؤسسات الدولة والإساءة للجيش الوطني الشعبي، الذي رافق الحراك الشعبي مهيئا شروط تلبية مطالبه، دون أن يتجاوز المساحة الدستورية التّي يتحرك ضمنها، وهو ما عقّد من مشروع الفتنة الخبيث الذي راهنت عليه بعض الكيانات، التّي تنشطُ ضمن سياقات مشبوهة.

 لذلك يجب التذكير في هذه المسألة أنّ التغيير حدث، ويحدث وسيستمر في إطار سلميٍّ غير مسبوق، وليس له مثيل في أقوى ديمقراطيات العالم، وهو ما يعطّل من مشروع أي تهديدات، لكنّنا نتوقّع أنْ تتجّه هذه الأصوات المعادية لسير الانتخابات إلى بذل مزيد من التصعيد قصدَ إفشال إرادة الشعب الجزائري.

كان أخر منصب لمعاليك في الإعلام من 2006 حتى 2008 بالإذاعة الجزائرية، وأنت بالأساس كاتب وصحفي ، هل ترى أن خبرتك الإعلامية والسياسية أفادتك كثيرا في عالم السياسة وما تأثيرها أيضا في منصب الرئيس؟ 

قبل هذا اشتغلت في إحدى أهمّ الصحف واليوميات منتصف ونهاية الثمانينات، وكنت رئيسا لتحريرها، أتحدث هنا عن يومية الشعب، كما أنني أسست أول أسبوعية رياضية سنة 92، واشتغلت مديرا للأخبار بالتلفزيون الحكومي سنة 1996، وبقيت علاقتي مع عالم الصحافة والإعلام طيلة كل الفترات التّي تبوأت فيها مناصب ومسؤوليات في قطاعات عدة، أهمها مدير عام الإذاعة الجزائرية ثم كاتب دولة للاتصال سنة 2008 إلى غاية 2010، وبالتالي كنت قريبا جدّا من الحدث السياسي بداية الانتقال الديمقراطي قبل نحو ثلاثين سنة.

بالنسبة لتأثير هذا المسار في منصب الرئيس، فأعتقدُ أنّه مكنني كثيرا من أنْ أكون على علم بكلّ التحوّلات التّي طرأت على السلطة والمجتمع طيلة أكثر من ثلاثين سنة كاملة، من ضمن هذه التحولات ما أسميه بالمجتمع الرقميّ الذّي يناضل في وسائل التواصل الاجتماعيّ، فمن حقّ هذا المجتمع الرقميّ أنْ يساهم في نجاح بلده من خلال تمكينه بالأدوات السياسيّة اللازمة.

العصيان المدني أم الانتخابات...ما الذي يختاره الجزائريون
وفي هذا المجال فإنّي سأعمل على تشكيل لجنة من الخبراء قصدَ تفعيل دور هذا المجتمع الرقميّ في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية، من خلال تنظيم وتقنين النشر والكتابة الالكترونيتين كمرحلة أولى، على أنْ نساعد هذا المجتمع الرقمي ليخرج من وضعه السلبي إلى تحمّل مسؤولياته تجاه بلده ومجتمعه. 

منذ 2015 وحتى مطلع العام الجاري كنت وزيرا للثقافة خلال تلك الفترة تكونت لديك رؤية حول المجتمع الجزائري بكل طبقاته، هل يمكن أن تفسر لنا هذه الحالة التي أدهشت العالم اذ اتسم الحراك الجزائري بالسلمية حتى الآن؟ 

أما عن الشق الأول من سؤالك، فليس بالضرورة أن أكون وزيرا للثقافة حتّى أتعرف إلى الشعب بكلّ مكوناته، أنا أبن هذا الشعب ولم أبتعد عنه في يوم من الأيام، قد نختلف مع بعض أطراف الساحة السياسيّة في تقديم الحلول وتشخيص المشكلات الحقيقيّة، لكننا لن نختلف في أنّ هذا الشعب يحتاج منا جميعا بذل مزيد من الجهد حتّى نعدّ مجتمعا سياسيّا تفرزه النخب ومكونات المجتمع.

 لذلك يمكن أن أقول إننا سنطرح الأسئلة الحقيقية الواقعية التي يطرحها الشعب من مستويات عدّة، وسنعمل على تقديم الحلول الحقيقية الواقعية.

أما فيما يتعلّق بالسلمية، فيجب أن ننبه إلى أمر في غاية الأهميّة، فالسلميّة لا تتجزأ أبدا، فقد كنت في الحراك وكانت لدى مختلف تشكيلات وقوات الأمن، والسبب بسيط جدّا وهو أنّ كلّ من خرج إلى الشارع من أبناء الشعب الجزائري، سواء كانوا في صفوف المتظاهرين أو في صفوف قوات الأمن التّي حمت المتظاهرين.

 فحين نتكلم عن السلمية وجب أيضا أن نوجّه أرفع عبارات الشكر والتحيّة لكلّ أبناء الشعب في كلّ الهيئات الأمنية بالدرجة الأولى، لأن المخططات الخبيثة كانت تستهدفُ سلمية المسيرات لتكون حجة قويّة للتدخل الأجنبي المباشر تحت مسمّى حماية الشعب، لكنّ للشعب جيشا واحدا يحميه ولن تحميه أيّ قوّة أخرى.

من رئاسة اتحاد الكتاب الجزائري ومنصب وزير الثقافة والعديد من المناصب ما مدى رضاك عن الفترات التي توليت فيها هذه المناصب وكم حققت من الأهداف التي وضعتها مسبقا؟

 أستطيع القولَ أني تمكنت إلى حدّ ما من تحقيق أهدافي، والتي هي أهداف مثقف وكاتب، ولم تكن في يوم من الأيام أهدافا شخصية، بالنسبة لاتحاد الكتاب تمكنت من تحقيق هدفين أساسيين وجوهريين، الأول هو تقديم عشرات الكتاب من الجيل الجديد بعد القضاء على احتكار الساحة الأدبية من قبل بعض المجموعات، والوصول الى ترأس أكبر هيئة ثقافية في العالم العربي آنذاك ألا وهو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب سنة 2003.

من يحكم الجزائر
 بعد عهدتين على رأس الاتحاد قدّمت استقالتي نهاية 2005 معتمدا مبدأ التداول، بالنسبة لي كوزير ثقافة، فقد أسند إليّ القطاع في ظرف مالي صعب جدّا، بلغ حدّا أنّ ميزانية النشاط الثقافيّ قلّصت بنحو ألف في المائة من 580 مليار سنتيم إلى 50 مليار سنتيم، وهي ميزانية لا تكفي لإنجاز طريق معبد بين بلديتين في ولاية واحدة، رغم ذلك تمكنت من المحافظة على مستوى النشاط الثقافيّ في كل تراب الوطن، ووضع حدّ لمن ألفوا نهب المال العامّ على مدار أكثر من 10 سنوات كاملة.

 لاحظت أثناء توليّ حقيبة الثقافة أنّ أموالا كبيرة كانت تصرف على فعاليات لا يستفيد منها الجمهور، في حين كان لا بدّ على الاعتماد على الجمهور للمساهمة في خلق الثروة الوطنية من جهة وتقديم الخدمة الثقافية العمومية من جهة أخرى، وأكبر مشكل جوهريّ وخطير وقفت عليه هو أنَّ المواطن، ونتيجة للسياسة الثقافية المنتجة حينها، صار يرى أن الثقافة عنصر كماليٌّ غير أساسيٌّ، لهذا كان لا بدّ من العمل على إلغاء كل الفعاليات التّي لا يستفيد منها المواطن والتركيز على ضمان الحدّ الأدنى من الخدمة الثقافية، واشراك الجميع في الشأن الثقافي، ذلك أنني انطلقت من فكرة أن الدولة لا تنتج الثقافة، إنما تسيرها، المسؤول على انتاج الثقافة هو المجتمع بكل مكوناته، وهذا هو ما تمكنت من تحقيق جزء بسيط منه.

أجرى الحوار: محمد حميدة 

مناقشة