شجرة عشتار تتألم في دمشق

تستمر أعمال نحت على الشجر في العاصمة دمشق، حيث يقوم فنانون بنحت جذوع الأشجار والنقش عليها في عملية يعتبرها البعض، من الممكن أن تضفي جمالا على المدينة.
Sputnik

ولم تكد تنتهي "أزمة رجم عشتار" على إحدى تلك الأشجار، حتى عاودت الأعمال الفنية "الإبداعية" أعمالها، فهل هو مشروع فني كبير؟ أم مجرد فكرة لتحسين مظهر المدينة؟

المعركة بين مناصري عتشار وأعدائها، لم يكن الخاسر فيها سوى الشجرة، فقد طعنت مرتين، مرة عندما تم نحت الرسم، ومرة عندما تمت إزالته، لتكون هي ضحية اختلاف الآراء، وترسخ فكر عدم تقبل الآخر واحترامه.

والشجرة هنا، يمكن أن تمثل الشعب السوري، بالطبع مع استثناء الكثير منهم، ممن رسم عشتار من جهة، وطعنها من جهة أخرى، لنخرج بمجتمع قد تجاذبته شذوذ الأفكار وعصفت به إيديولوجيات الأديان، ولم يبقى منه سوى الجياع ومشتتي الأفكار.

وبالعودة إلى الخاسر الأكبر، الشجرة الحزينة، وهنا السؤال؛ هل فعلا نحت جسد شجرة، يمكن أن يندرج تحت مسمى "تجميل المدينة" فإذا كانت ميتة، الواجب يتطلب زراعة أخرى حية، وإذا كانت حية، فالمصيبة أكبر، طبعا وهنا لا أريد الإساءة إلى الفنانين، فالمشكلة أكبر منهم بكثير، خصوصا مع الضيق المالي والاقتصادي الذي تتعرض له البلاد.

جميع محاولات تشذيب وتجميل الطرقات أو الأماكن العامة، تظهر بنتائج لم تكن بحجم التوقعات، فعمليات التجميل يجب أن تتم على قواعد أساسية تبنى عليها، وليس فقط لإبراز هدف محدد، فتلوين أحد الأعمدة لبناء متسخ لن لكسبة أي إضافة جمالية، ووضع تمثال "زنوبيا" المائل والصغير في أهم مكان في دمشق، ما هو إلا  تصغير وتهميش، لحجارة لم تستطع أعنف حرب خاضتها سوريا من قرون إسقاطها في تدمر بل ماتزال شاهدة لها حتى هذه اللحظة، ولو أن زنوبيا عادت إلى الحياة وشاهدت تمثالها لدمرته، أو ربما لحمدت "الآلهة عشتار" على أنها كانت قد ارتدت زي الحرب، فلولا ذلك لرجمت هي الأخرى، وهنا ايضا لا أوجه اللوم للفنان، فهو قام بعمله، بالإمانات المتاحة، سواء على الشجرة أو على غيرها، فهذا جهد يجب أن يكرم ليستمر على أي حال.

إن عمليات تجميل المدن، تشابه إلى حد كبير عمليات التجميل التي تقوم بها الأنثى، تتجمل الأنثى لأنها جميلة ولأنها أنثى، لذلك قبل أن نجمل المدينة، دعونا نؤمن متطلبات اساسية لتلك العملية "وجها حسن" طريقا نظيفا ومدينة نظيفة، وهذه مسؤولية جماعية وليست حكومية فقط، أما الطرق والجسور والحفريات، فهي بالتأكيد مسؤولية حكومية وتقع على عاتقها، وبناء المعالم الحضارية الوحفاظ عليها، تتعدى المسؤولية الحكومية، فهي مسؤولية شعبية كبرى، تتحمل مسؤوليتها الشعوب والحكومات معا.

(المقال يعبر عن رأي كاتبه).

مناقشة