شهران مرا على تنصيبه رئيسا لتونس... هل تأخرت تحركات قيس سعيد الخارجية؟

رغم مرور نحو شهرين على تنصيبه رئيسا لتونس، لا تزال خارطة التوجهات السياسية الخارجية للرئيس المنتخب حديثا قيس سعيد غامضة، لا يُعرف منها سوى النزر القليل مما لمسه المحللون في تصريحاته الإعلامية المقتضبة ومن خلال خطابه الرسمي الوحيد أمام الشعب التونسي يوم تنصيبه تحت قبة مجلس نواب الشعب في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2019.
Sputnik

تونس تسجل ارتفاعا في معدلات الفساد والرشوة بحسب المقياس العالمي
رجل القانون الدستوري الذي عُرف بنظافة اليد وحظي بدعم شعبي واسع ترجمته نسبة التصويت له خلال انتخابات الرئاسة بـ 72.72% من الأصوات، تمسك خلال حملته الانتخابية في الدورتين الأولى والثانية من الانتخابات الرئاسية بخطاب قوامه الافتخار بالانتماء إلى المحيط العربي والتأكيد على الدفاع عن القضايا العادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

كما وعد الرجل باتخاذ طريق غير تقليدية في نسج العلاقات الخارجية مع إبقاء العلاقات متينة مع جميع الشعوب والأمم.

دبلوماسية بطيئة

خطاب انتخابي يرى متابعون للشأن السياسي ومحللون أنه تأخر في سلك طريقه نحو الواقع، إذ اعتبر الدبلوماسي والسفير السابق لتونس لدى الاتحاد الأوروبي جلال الأخضر في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن رئيس الجمهورية قيس سعيد تأخر كثيرا في بسط رؤيته لدى الأطراف الدولية، فالعرف الدبلوماسي ودستور 2014 جعل السياسة الخارجية من أولويات رئيس الجمهورية إضافة إلى الأمن القومي بمفهومه الشامل، خاصة في ظل الوضع الاستثنائي لتونس التي تمر بفترة انتقالية، ما يجعلها في حاجة ماسة إلى شركائها الدوليين وإلى الداعمين والممولين الخارجيين والمستثمرين.

وتبعا لذلك يرى جلال الأخضر أن على مؤسسة رئاسة الجمهورية أن تعطي الأولوية لهذا الموضوع وتفتح النوافذ على الأطراف الخارجية التي لها علاقة بمصالح تونس، خاصة فيما يتعلق بالاستراتيجية الأمنية والاقتصادية.

ويتابع الأخضر:

يفترض أنه بعد أسبوع أو أسبوعين على أقصى تقدير أن يباشر رئيس الجمهورية قيس سعيد في عقد زيارات مجاملة لشركائنا القريبين والاستراتيجيين وتقبل الزيارات الخارجية وإجراء اتصالات هاتفية مع بعض الشركاء الدوليين لتونس كما جرت العادة، وهو ما لم يحصل.

ويضيف الدبلوماسي والسفير السابق أنه من الضروري أن يسعى رئيس الجمهورية إلى ربط الصلة بالخارج وتوضيح صورته ومواقفه أمام الأطراف الدولية وإعطاء صورة على موقع تونس في محيطها الجغرافي والجغراسياسي والاستراتيجي في الحوض المتوسط، وخاصة الاستثمار في ديمقراطية تونس الناشئة وتحويلها إلى مكاسب اقتصادية واجتماعية تعود بالنفع على البلاد.

تونس... رسائل قيس سعيد في خطابه الأول تحت قبة البرلمان
العلاقات مع فلسطين ودول الجوار

وفيما يتعلق بدول الجوار، يقول الدبلوماسي إن "الوضع في ليبيا وضع صعب وهو ما من شأنه أن يؤخر تنقل رئيس الجمهورية إليها"، مستدركا أن "ليبيا تتطلب من ناحية أخرى استراتيجية متعددة الأبعاد يشرف عليها مجلس الأمن القومي والحكومة التونسية".

أما بالنسبة للجزائر التي وعد قيس سعيد أن تكون وجهته الدولية الأولى، فيرى جلال الأخضر أن الخطوة التي اتخذها قيس سعيد في إرسال رئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد كمبعوث خاص من طرفه إلى الجزائر، تتضمن رسالة طمأنة وإرادة نحو تمتين العلاقات وتطويرها وحسن الجوار ومواصلة التعاون في المجالات المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية وغيرها، لكنها تفسر في الوقت ذاته استمرارية الدولة التونسية وإيفائها بتعهداتها الخارجية السابقة.

ويضيف الأخضر، أن تأخر رئيس الجمهورية في تهنئة الرئيس الجزائري المنتخب -إذ سبقته في ذلك أطراف محلية كحركة النهضة وأطراف دولية أخرى بعيدة جغرافيا عن الجزائر- "يشكل لغزا ويخلق نوعا من الحيرة، كما يمكن أن يُترجم على أن الرجل ينطوي على شخصية مترددة وغامضة ما تزال تبحث عن طريقها".

وبخصوص القضية الفلسطينية التي كانت الحاضر الدائم في تصريحات قيس سعيد، يعتقد جلال الأخضر أن رئيس الجمهورية "أبدى حماسا مفرطا بلغ حد المبالغة أحيانا تجاه قضية هي محل إجماع لدى التونسيين، فلا أحد يمكنه التنكر للشعب الفلسطيني".

يحملها الشاهد… قيس سعيد يوجه رسالة للرئيس الجزائري
ويضيف الأخضر أنه باستثناء القضية الأم لم يتلمس مبادرات أخرى يمكن ترجمتها أو تحليلها أو تفسيرها لا باتجاه الشرق أو الغرب.

تشكيل الحكومة هو الفيصل

في المقابل يرى الدبلوماسي السابق عبد الله العبيدي أن الوقت لا يزال مبكرا لتحديد ملامح السياسة الخارجية التي سيعتمدها قيس سعيد خلال فترة عهدته. ويضيف العبيدي في تصريحه لـ"سبوتنيك"، أنه لا يمكن لرئيس الجمهورية التحرك خارجيا في ظل غياب مؤسسات الدولة، "فالحكومة الجديدة ما تزال في طور التشكل والحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال منتهية الصلاحية ونصف وزرائها إما مستقيلون أو ينوبون في حقائب وزارية أخرى".

وبما أن البرلمان لم يصادق بعد على تركيبة الحكومة الجديدة، يتابع الدبلوماسي، فإنه لا يمكن لقيس سعيد اتخاذ موقف إزاء ملف من الملفات الخارجية لأن الأمر يتطلب إشراف المؤسسات المعنية وخاصة منها وزارة الخارجية، الخارجية كما يصفها العبيدي ترتكز على سلسلة من العلاقات ولا يمكن تحديدها بمعزل عن وزارات العدل والدفاع والاقتصاد وبقية المؤسسات الأخرى.

ويستدرك العبيدي، "لكن يمكن القول إن قيس سعيد سيأتي بسياسة أخرى مغايرة لسابقاتها، فهو غير منسجم مع السياسات القديمة" وهو ما يفسر وفقا لمحدثنا إقالته لوزير الخارجية السابق.

وفيما يتعلق بموقفه من القضية الفلسطينية، يرى عبد الله العبيدي أنه لا يعكس ضرورة توجها قوميا للرجل، على اعتبار أن القضية الفلسطينية هي قضية عادلة على مستوى القانون الدولي والشرعية الدولية، مضيفا أن معالم السياسة الخارجية لرئيس الجمهورية المنتخب حديثا ستتجلى مع تعدد تصريحاته ومع تشكل الحكومة القادمة واتضاح التركيبة البرلمانية التي تلعب دورا هاما في رسم توجهات تونس ومعاملاتها مع الأطراف الدولية.

ويمنح الدستور التونسي الصادر في 27 كانون الثاني 2014 رئيس الجمهورية مهمة ضبط السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني

مناقشة