قاسم سليماني الذي شغل العالم... حكاية نجم الحرس الثوري الذي أفل

بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) خرج إلى النور تنظيم عسكري مسلح تابع للحرس الثوري الإيراني، اسمه "فيلق القدس".
Sputnik

هذا الفيلق هو وحدة عسكرية متكاملة تتبع للحرس الثوري، قال رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني علاء الدين بروجردي إن الدولة خصصت له 300 مليون دولار، ومع ذلك لا أحد يعرف الميزانية الحقيقية المخصصة له.

وتحيط بهذا الفيلق وعناصره سرية شديدة، لكن أبرز ما هو معروف عنه، أنه مكلّف بإنجاز العمليات الخارجية للدولة الإيرانية، أو ما يعرف بتصدير الثورة الإيرانية، وقد اتضح حجم دوره بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وبعد اندلاع الأحداث السورية عام 2011.

وطالما ارتبط فيلق القدس بأحد زعمائه الأساسيين وهو قاسم سليماني، المولود يوم 11 مارس/آذار 1957، فمن هو سليماني ومتى ظهر؟

ولد سليماني في مدينة قم في عام 1957 ونشأ في قرية القناة، التابعة لمحافظة كرمان، جنوب شرقي إيران، من أسرة فلاحية فقيرة، وكان يعمل كعامل بناء، ولم يكمل تعليمه سوى لمرحلة الشهادة الثانوية فقط، ثم عمل في دائرة مياه بلدية كرمان، حتى نجاح الثورة الإسلامية في إيران عام 1979.

بعد نجاح الثورة، كان سليماني من أوائل الملتحقين بالحرس الثوري عام 1980، الذي تأسس لمنع الجيش من القيام بانقلاب ضد الزعيم آية الله الخميني.

شارك سليماني في الحرب ضد العراق قائدا لفيلق "41 ثأر الله"، ومع بداية التسعينيات عمل قائدا للحرس الثوري في محافظة كرمان قرب الحدود الأفغانية.

كما شارك في أكثر العمليات العسكرية إبان الحرب ومن أهمها عمليات "والفجر 8" (فتح الفاو)، و"كربلاء 4" و"كربلاء 5"، كما شارك في المعارك التي دارت في "شلمجه". وقد نال شهرة في قيادة مهمات الاستطلاع خلف الخطوط العراقية، وكان الجيش البعثي يخصه بالذكر في النشرات الإذاعية.

وأصيب سليماني في عمليات "طريق القدس" في نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1982، وقد تعرض لمحاولة اغتيال عن طريق الطبيب المعالج له، لكن سرعان ما كُشف أمر الطبيب.

وسرعان ما صعد نجم سليماني في صفوف الحرس الثوري، وبفضل نشاطه الميداني في العديد من مناطق الصراع في الشرق الأوسط، صار هو الأولى بخلافة أحمد وحيدي، في قرارة نفس الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي، ليعينه قائدا لفيلق القدس عام 1998، ثم يرقّيه في العام 2011 من لواء إلى فريق في الحرس الثوري.

ومع مرور الوقت، برز قائد فيلق القدس الذي يلقبه خامنئي بـ"الشهيد الحي"، والذي كان يعيش خلف ستار من السرية لإدارة العمليات السرية في الخارج، لتحقيق النجومية في إيران.

وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، زادت شهرته في الوقت الذي كان المقاتلون والقياديون في العراق وسوريا ينشرون صورا له في الميدان وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيها دوما بلحية مشذبة وشعر مصفف بعناية.

وأصبح دور الجنرال سليماني في شؤون ايران الخارجية أكثر علنية، كما أصبح نفوذه داخل المؤسسة العسكرية الإيرانية جليا في 2019 عندما منحه خامنئي ميدالية وسام ذو الفقار، وهو أعلى تكريم عسكري في إيران.

دعوات واسعة في إيران للتظاهر تنديدا باغتيال قاسم سليماني

وكانت هذه المرة الأولى التي يحصل فيها قائد عسكري على هذه الميدالية منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية في عام 1979، ولم يعد الرجل الخفي الذي يتحدث على الطرف الآخر من المحادثة الهاتفية، بل بات مدعاة للفخر في إيران، والرجل الذي يلجأ إليه وقت الأزمات.

ولا يمر وقت طويل لمشاهد التلفزيون الإيراني إلا ويرى صورة الجنرال قاسم سليماني تطل عليه من الشاشة.

وأصبح الرجل، الذي لم يكن يتعرف عليه معظم الإيرانيين في الشارع حتى وقت قريب، مادة رئيسية لأفلام وثائقية ونشرات أخبار وحتى أغاني موسيقى البوب.

وكان سليماني مسؤولا عن عمليات سرية في الخارج وكثيرا ما كان يُشاهد في ميادين القتال وهو يوجه الجماعات الشيعية العراقية في الحرب ضد تنظيم "داعش" الإرهابي.

وأينما كان يُرى فمعناه أن فيلق القدس حاضر بقوة عسكريا، وظهرت بصمات فيلق القدس في كل من لبنان والعراق وحتى أفغانستان، إضافة إلى سوريا.

وبفضل نجاحات فيلق القدس، أصبح سليماني شخصية محورية في التمدد المطرد لنفوذ إيران في الشرق الأوسط، الأمر الذي وجدت الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل صعوبة في كبح جماحه.

وبفضل الانخراط الكامل لفيلق القدس في العراق، وقتاله إلى جانب مليشيات أخرى، تمكنت الحكومة من تحقيق انتصارات على خصومها، لدرجة أن هادي العامري وزير المواصلات العراقي السابق ومسؤول قوات بدر قال إنه لولا سليماني "لكانت حكومة حيدر العبادي في المنفى ولما كان هناك وجود للعراق".

وبعد اندلاع الصراع في اليمن وانطلاق عاصفة الحزم ضد الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح راجت أنباء عن وجود سليماني في اليمن، غير أن إيران بادرت إلى نفي الخبر.

وفي عام 2011، اتهمت السعودية فيلق القدس بالوقوف وراء محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير، وهو الاتهام الذي نفته بشكل قاطع إيران وقالت إنه مجرد تلفيقات.

الكشف عن أهداف أخرى كانت على قائمة ترامب غير قاسم سليماني

وفي سوريا المجاورة، ينسب إليه الفضل في وضع الاستراتيجية التي ساعدت الرئيس بشار الأسد في تحويل مسار المعركة ضد قوات المعارضة واستعادة مدن وبلدات رئيسية.

في فبرايرا/شباط 2017 نشرت صحيفة واشنطن تايمز مقالا للكاتب كينيث تيمرمان قال فيه إن  قائد فيلق القدس قاسم سليماني يبث الرعب في الخصوم والموالين على حد سواء بمنطقة الشرق الأوسط، وإنه قوي وذو نفوذ طاغٍ ومتهور ويظهر بميادين القتال، وأصبح صانعا للحكومات ورؤسائها في العراق، ويقود مليشيا من مئة ألف رجل.

وقال عنه مسؤول عراقي كبير سابق طلب عدم نشر اسمه في مقابلة أجريت عام 2014 "سليماني... لم يكن رجلا يجلس على مكتب. كان يذهب إلى الجبهات لتفقد الجنود ويشهد المعارك".

وأضاف "لا يسبقه في تسلسل القيادة سوى الزعيم الأعلى. عندما كان يحتاج الأموال كان يحصل عليها وعندما كان يحتاج الذخيرة كان يحصل عليها وعندما كان يحتاج العتاد كان يحصل عليه".

وفي أكتوبر الماضي، قال رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين، إن سليماني "لم يرتكب الخطأ الذي سيُدخله إلى قائمة أهداف الموساد"، موضحا أنه (سليماني) يدرك جيدا أن اغتياله ليس بشيء مستحيل".

تزامنت تلك التصريحات مع إعلان رئيس جهاز الاستخبارات في الحرس الثوري الإيراني حسين طائب في أكتوبر الماضي أنه جرى إفشال مخطط للمخابرات العربية - الإسرائيلية لاغتيال سليماني بـ500 كيلو متفجرات، وإلقاء القبض على فريق الاغتيال.

وكان سليماني مسؤولا أيضا عن عمليات جمع المعلومات والعمليات العسكرية السرية التي نفذها فيلق القدس. وفي 2018 تحدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب علنا.

وقال في مقطع فيديو نشر على الإنترنت "اعلم يا سيد ترامب المقامر أننا قريبون منك في مكان لا يخطر لك أننا فيه".

لكن ترامب قبِل التحدي، وكان رده فجر اليوم بغارة ليلية، قضت على نجم الحرس الثوري عن عمر بلغ 63 سنة.

مناقشة