تخفيض موازنة المؤسسات الحكومية في سلطنة عمان... الأسباب والآثار

نشرت وزارة المالية في سلطنة عمان منشورا ماليا يقر بتقليص الموازنات المخصصة للوزارات والوحدات الحكومية بواقع 5%.
Sputnik

وأشار البيان إلى أن هذا القرار جاء بناء على المرسوم السلطاني بالتصديق على الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2020، وبناء عليه سيتم تخفيض الموازنات المعتمدة للجهات المدنية والعسكرية بنسبة 5%.

أسباب التخفيض

يأتي هذا القرار في الوقت الذي تعاني منه السوق النفطية العالمية من انخفاض كبير في أسعار النفط، بعد تفشي فايروس كورونا حول العالم، وعن أسباب هذا التخفيض في الموازنة اتصلت وكالة "سبوتنيك" بالدكتور أحمد بن سعيد كشوب رئيس قطاع الاستثمار في الشركة العمانية للاستثمارات الوطنية، والذي وضح الأسباب الموجبة لهذا القرار.

ويقول كشوب: يوجد في وزارة المالية ما يسمى بمجلس الشؤون المالية والطاقة، دوره متابعة المستجدات التي تحدث في الأسواق العالمية والمحلية، خاصة فيما يتعلق بموضوع أسعار النفط، فإذا كانت الميزانية لدينا موضوعة على أساس 58 دولارا، فالآن السعر 30، فمن الواضح أن هناك عجوزات كبيرة ستكون في الميزانية.

ويتابع: هذه العجوزات تتطلب من وزارة المالية تحت منظومة ما يطلق عليه التوازن المالي، البدء بالاتفاق مع الوزارات الأخرى التنسيق في حال انخفاض أسعار النفط إلى مستوى معين، أن يتم توقيف بعض البنود أو تجميدها، فيما إكمال بعض البنود الأخرى في الميزانية.

ويضيف: البنود الأساسية من الرواتب والمصروفات العمومية تبقى على حالها، أم الأمور التي تتعلق بالاستثمارات أو العقود والمناقصات في المستقبل، فيتم تأجيلها بناء على المتغيرات التي حدثت في أسعار النفط.

وبدوره يرى المحلل والباحث الاقتصادي العماني حيدر عبد الرضا داوود في اتصال مع "سبوتنيك" إلى أن السبب يعود إلى الظروف التي تمر بها أغلب الدول حاليا، وعمان حتى اليوم معتمدة على مصدر النفط، حيث أن 74%  من الموارد المالية تأتي  من صناعة النفط، وبالتالي الأسعار التي انخفضت بصورة كبيرة فجأة، تؤثر على الموازنة.

ويكمل داوود: بالتالي هذا القرار جاء على أساس يشكل نوع من التوازن بين ما لدينا من الأموال وبين ما تحتاجه المؤسسات للصرف، التخفيض جاء بنسبة 5%، ولكن في حال كان هناك أي حاجة لهذه المؤسسات الدولة لن تقصر أبدا.

ويواصل: لكن سيكون هناك مراجعة لجميع البنود، وأوامر الصرف أول بأول، وترشيد الإنفاق وغيرها من الإجراءات، لأن الظروف التي نمر بها حاليا تحتاج إلى أن يذهب كل ريال عماني إلى مكانه، ونحن لسنا الدولة الوحيدة التي تتخذ هذه الإجراءات ولكن ربما سبقنا غيرنا.

خطة نهائية؟

وأشار القرار الوزاري أن المخصصات المالية لأي احتياجات ملحة تطرأ خلال السنة، سيتم تدبيرها من خلال ترتيب أولويات الصرف، دون طلب اعتمادات إضافية، حيث لن يتسنى تعزيز المخصصات في حال تجاوزها.

وعن هذه التدابير إن كانت مرحلية ومرتبطة بسعر النفط، أم أنها دائمة يقول الخبير الاقتصادي أحمد كشوب: التوجيهات التي جاءت من جلالة السلطان هيثم في خطابه الأخير، كان هناك توجيه إلى سياسة ترشيد الإنفاق، وكذلك لإيجاد حلول لمعالجة مشكلة الدين العام، وطبعا وزارة المالية والجهات الحكومية أجرت مراجعة تامة لكل بنود الصرف، ووضعت أولويات لها.

ويتابع: ما يمكن تأجيله يتم تأجيله، وما لا يمكن تأجيله يستمر، ونتوقع في كل فترة ستصدر عدة منشورات، تتعلق بسياسية الضبط المالي.

فيما يقول المحلل الاقتصادي حيدر داوود: البرميل انخفض من 55-60 دولارا للبرميل الواحد إلى أقل من 30، وهذا يعتبر بالنسبة للدول النفطية كارثة نسبيا، والقرار على الوحدات الحكومية المتعاونة فيما بينها، وعندما يكون لدينا زيادة، هذه الأموال تذهب إلى الصندوق السيادي إذا زادت الأسعار.

ويواصل حديثه: وعند الحاجة تصرف الأموال من الصندوق السيادي، بجانب ما نأخذه من قروض دولية، فمن الوارد في أي وقت أن الدولة تلغي القرار، أو أن يبقى ساري المفعول للحد الذي نتخلص من الآثار التي ترتبت على انخفاض أسعار النفط بالكامل.

خطة تقشف

القرار العماني نوه إلى الالتزام التام بالموازنة المعدلة، والاستمرار في مراجعة كافة أوجه الصرف، خاصة في البنود التي لا يزال مجال التخفيض فيها متاحا، ما يوجي بخطة تقشفية تنتهجها الحكومة العمانية.

وحول ذلك يقول رئيس قطاع الاستثمار في الشركة العمانية للاستثمارات الوطنية كشوب: خطة التقشف قد تكون متأخرة، فنحن في دول ريعية تعتمد على النفط، حيث أنه المسار الذي تعمل عليه هذه الدول، فلذلك كإعلان خطة تقشف رسميا لا، ولكن هذه المنشورات تأتي بين حين وآخر واضحة.

ويستطرد كشوب: هذه المنشورات تعطي مؤشر بأن سياسة إدارة الصرف أو التوازن المالي هو المنهج الذي ستعمل عليه الحكومة، حتى لا يزيد العجز في الميزانية، وحتى لا يقف دوران العجلة الاقتصادية، بأقل الأضرار أو التكاليف.

أما الدكتور حيدر عبد الرضا داوود فيقول: كل البيانات التي أتت من وزارة المالية خلال السنوات الماضية تحتوي على كلمة تقشف، وهو إيقاف الأشياء التي لا نحتاج لها، ودراسة البنود أول بأول، وبدلا من أن نصرف ألف ريال فلنصرف 800 ريال إذا استطعنا.

ويكمل: والتقشف لا يعني إيقاف العمل، بل أن نحاول قدر الإمكان أن نتعامل مع الأمور بعقلانية، والجيل الحالي بدأ يستوعب هذه القضايا،  فكان هناك الكثير من الدورات التدريبية الخارجية والأمور المشابهة التي يمكن إجرائها في عمان بسعر أقل.

ويضيف عبد الرضا: المؤسسات بدأت بتغيير العقلية، وبدلا من أن يذهب شخص واحد إلى دورة خارجية، يمكن جلب المدرب إلى السلطنة ويشارك بها 20 شخص، والتقشف يجب أن يكون موجودا في الحياة، فالتبذير والإسراف بهذه الطريقة لن يقدم أي شيء، بل بالعكس.

التأثير على الأداء

وحول التأثير الذي يمكن أن يحصل نتيجة لهذه القرارات والإجراءات التقشفية يقول الاقتصادي أحمد بن سعيد كشوب: الحقيقة أن أغلب المؤسسات ما لم تكن خدمية وذات مشاريع كمجموعات النقل والطيران وغيرها، فلن تتأثر في الجزئية التي لا يمكن أن تمس، وهي قضية الرواتب الإدارية والعمومية للعاملين في هذه المؤسسات، وهذا الجانب قد يكون آخر ما تفكر فيه الحكومة.

ويضيف: نحن نعمل وفق سياستين، فهناك سيناريو في حال كانت أسعار النفط على مستوى 20، وهناك آخرى على مستوى 30 أو 40، حيث أن هناك دراسات تقول أن أسعار النفط لن تتعدى 40 دولارا على مدى السنتين أو الثلاث القادمة، ما لم تحدث هناك معطيات جديدة.

فيما يعتقد الدكتور داوود بأن التأثير لن يكون كبيرا أو واضحا، ويبين وجهة نظره: القرار في البداية ينص على أن لا تتأثر حياة الناس بأي طريقة منه، وهذا يعني أن جميع العاملين في الدولة وغيرهم سيحصلون على رواتبهم كاملة، أما بالنسبة لنسبة 5%، فيمكن أن هناك بعض المشاريع ستتأخر.

ويختم حديثه: وقد لا يكون من المؤثر جدا تأجيل بعض المشاريع المستقبلية، وهذه النسبة قد تلغي بعض المؤتمرات أو شيء من هذا القبيل، أما عمل الوزارات سوف يستمر، ونحن الآن نعتمد سياسة التنويع الاقتصادي، ولكن للأسف لم ننجح بالشكل الكامل، رغم أن الموارد الأخرى متوفرة كالسياحة وغيرها من الأمور، ونتمنى أن تكون هذه القطاعات منتجة أيضا.

مناقشة