الروائي محمد طرزي لـ"سبوتنيك": كورونا طرح علامات استفهام حول مفهوم التقدم

أدلى الكاتب، الروائي اللبناني محمد طرزي، بحديث لوكالة "سبوتنيك" تحدث فيه عن نظرته ككاتب لما يمر به العالم في الفترة الحالية من أحداث استثنائية، وكيفية تعامله معها.
Sputnik

محمد الطرزي هو كاتب وروائي لبناني، درس الاقتصاد والقانون في كلية لندن، صدرت له 6 روايات تأخذ أغلبها الطابع التاريخي.

فاز طرزي بجائزة "غسان كنفاني" عام 2017 عن روايته "جزر القرنفل"، وفِي عام 2018 فازت روايته "نوستالجيا" بجائزة "توفيق بكار" للرواية؛ وإلى نص الحوار:

بالنسبة لكاتب، هل توحي لك الأحداث الحالية أنّنا نعيش لحظة غير واقعية؟

قد يبدو ما نعيشه اليوم أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع، لأنّنا لم نتوقّع مطلقًا أن تجيء لحظةٌ تتوقّف فيها الحركةُ المحمومة للكوكب دفعة واحدة.

عندما كنّا نسمع عن أوبئة أودتْ بحياة الملايين من البشر، كنّا نعتقد أنّ ذلك يعود لحقبة موغلة في القدم، لا تمتّ بصلة للعالم الذي نعيش فيه، حيث تبهرنا شعلة العلم، يومًا بعد يومٍ، بقدرتها الهائلة على إضاءة أكثر الأمكنة ظلامًا. لذللك أنْ يتفشّى وباء كورونا بتلك السرعة، فيما يقف العلماء والأطباء عاجزين أمام انتشاره المباغت، يعدُّ صدمة كبيرة، لا تجعل من الحدث نفسه غيرَ واقعي، بقدر ما تحملنا على الاعتقاد بأنّنا لم نكنْ واقعيّين حين اعتبرنا أنّ الإنسان قادر على التصدّي بسهولة لمثل تلك النّوازل.

هل تحدثنا أكثر عن الصور التي تعطيك هذا الانطباع؟

 أكثر الصور الصادمة هي تلك التي تنقلها الشاشات عن مدن عملاقة خالية من مظاهر الحياة، بعدما كانت، حتى الأمس القريب، تعجّ ساحاتها وشوارعها بالمواطنين والسُّياح. كذلك المشاهد المرعبة لمرضى لا يجدون أسرّة في مستشفيات أكثر الدول تقدّمًا، ما يطرح علامات استفهام كبيرة حول مفهوم التقدّم نفسه. ناهيك عن إغلاق الحدود، وتحوّل المدن إلى جزر معزولة، تعيش فيها كائنات بشريّة ترتاب من بعضها البعض؛ فلا مصافحة، ولا تربيتة على كفّ، ولا احتضان قد نكون في أمسّ الحاجة إليه.

الروائي محمد طرزي لـ"سبوتنيك": كورونا طرح علامات استفهام حول مفهوم التقدم

خرجتُ ذات مساء من أيام الحجر الأولى إلى الطرقات متفقّدًا، فلم أجد سوى القطط والكلاب الشاردة. كنت كمن يجول في مقبرة، أمشي محاصرًا بصمت مطبق، لا يخترقه غير صوت مذياع البلديّة، وهو يدعو الناس للبقاء في منازلهم. أمام ذلك المشهد الوجداني، وجدتُني عفوًا أردّد قصيدة "الكوليرا" لنازك الملائكة؛ تلك القصيدة المُوجعة التي لم يمكن بالإمكان التماهي بصورها لولا التجربة القاسية التي نمرّ بها.

هل الواقع الحالي يلهمك في كتابة روايتك القادمة؟

لطالما كان تفشّي الأوبئة، بما يحفرُه من ألمٍ وقلق وجوديّ، ملهمًا للأدباء، بدءًا من دانييل ديفو، وصولًا إلى أمير تاج السر، بعضهم حفر عميقًا في الوباء نفسه، وبعضهم قدّمه إطارًا عامًا لنصّه الأدبي. بهذا السياق، فإن النازلة الحالية لا تملك إلاّ أنْ تلهم الكاتب وتؤثّر في أدبه بشكل أو بآخر.

شخصيًّا قد لا أكتب عن زمن الكورونا، على اعتبار أنّ كتاباتي تأخذ مسافة زمنيّة عن الحدث، بذلك أعرف مداه وخفاياه، قبل أن أقاربه أدبيًّا. ولكنْ هل يمكن مثلًا أن أتطرّق إلى تفشّي الجُذام في رواية تاريخيّة قادمة، من دون أن يكون لما أعيشُه وأشاهده اليوم تأثير خفيّ على هواجس وانطباعات شخصيّات الرواية؟

كيف تتخيل عالم ما بعد الوباء؟ على المستوى السياسي/ العلاقات الاجتماعية/ نمط حياة الأفراد؟

إنّ من أخطر تداعيات الوباء حتى هذه اللحظة هو نجاح دول شموليّة في احتوائه، مقابل إخفاق جليّ للدول الديمقراطيّة. وقد أُوعزَ ذلك إلى استخدام بعض تلك الدول لتقنيّات وتطبيقات تكنولوجيّة تنتهك خصوصيّة الأفراد، فهل سيمهّد ذلك لتقبّل فكرة انتهاك الخصوصيّة الفرديّة، بذريعة الأمن الصحي الجماعي، حتى في الدول الديمقراطية نفسها؟

بريطانيا تتجاوز إيطاليا في عدد الوفيات جراء تفشي كورونا
ثمّ ماذا عن إغلاق الحدود ورفع الحوائط أمام بعض الشعوب؟ هل يكرّس الخوفُ من موجات لاحقة للوباء تلك السلوكات؟ فيُوظفُ الوباءُ، على طريقة توظيف "ماركيز" للكوليرا في روايته الشهيرة، عندما طلب من قبطان سفينته رفع علم الوباء الأصفر، بغية تهجير الركاب، للاختلاء بحبيبته؟

كذلك بدا جليًّا انزواء الولايات المتحدة الأمريكية خلف المحيط الأطلسي، وتخلّيها عن أوروبا، مقابل اندفاع صينيّ للمساعدة. فهل يفرز ذلك تحالفات عالميّة جديدة؟

ثم هل تمضي الولايات المتحدة الأمريكية قدمًا في تحميل الصين مسؤولية انتشار الوباء، مع ما يستتبع ذلك من نزاعات وصراعات يصعب التكهّن بنتائجها.

على المستوى الاجتماعي، فرضَ الوباءُ علينا أنماطًا اجتماعية كنّا نمارسها بتردّد قبل انتشاره؛ مثل التعلّم والعمل وعقد الاجتماعات عن بعد. أخال أن هذه السلوكات سوف تتكرّس في المرحلة المقبلة، حتى تصبح نمطًا سائدًا في العديد من المجالات.

ماذا يعني لك العزل المنزلي ككاتب؟ وكيف تمضيه؟

شخصيًّا أنا مُعتاد على العُزلة؛ تلك العُزلة التي يختارها الكاتب بملء إرادته، سواء بغية الركون إلى نفسه أو بهدف التفرّغ لمشاريعه الأدبيّة، لكنّ العزلة تفقد رونقها عندما تصبح حَجْرًا أو عزلًا إجباريًا. صحيحٌ أنّ الوقت المتاح قد يكون نفسه في كلتا الحالتين، بيْد أنّ ما يشهده العالم من مآسٍ، في الحالة الراهنة، قد لا يمنحنا ترف النأي بأنفسنا عن تداعيات ما يجري. لذلك أجدني اليوم أقلّ عزلة من أي وقت مضى، ومع ذلك لا أملك إلاّ أنْ ألوذ بالقراءة وفي بعض الأحيان بالكتابة والعمل على مسودّات روائيّة..

ماذا تقرأ هذه الأيام؟

أطالع كتبًا ودراساتٍ حول تاريخ العرب في شرق أفريقيا، في سياق مشروعي الأدبي المتمثّل في "ثلاثيّة الحلم الأفريقي". في الرواية، أقرأ بمتعة كبيرة رواية "كلّ الأشياء" لبثينة العيسى، "وشرفة العار" للكاتب الكبير إبراهيم نصرالله. أبتعد قدر المستطاع هذه الأيام عن الروايات التي تقارب الأمراض والأوبئة، إذْ متى يحضر ماء الواقع يبطل التيمّم في الخيال.

مناقشة