رغم تأكيدات رئيسا الشعب والشيوخ... "الانتخابات الصومالية" بين سيناريوهات الإجراء والتأجيل

أثارت تأكيدات رئيسا مجلسي الشعب والشيوخ محمد مرسل شيخ عبد الرحمن، وعبدي حاشي عبد الله خلال الساعات الماضية عقب عودتهما من تركيا، بأنه يجب إجراء الانتخابات الفيدرالية الصومالية في موعدها، ردود فعل داخلية وخارجية كبيرة حول مدى جدية تلك التصريحات على أرض الواقع المتأزم.
Sputnik

أثارت تأكيدات رئيسا مجلسي الشعب والشيوخ محمد مرسل شيخ عبد الرحمن، وعبدي حاشي عبد الله خلال الساعات الماضية عقب عودتهما من تركيا، بأنه يجب إجراء الانتخابات الفيدرالية الصومالية في موعدها، ردود فعل داخلية وخارجية كبيرة حول مدى جدية تلك التصريحات على أرض الواقع المتأزم.

أردوغان: تركيا تقف إلى جانب الصومال في مكافحة تفشي كورونا
حيث وصف البعض تلك التصريحات بالدعائية، نظرا لعدم وجود أي من المؤشرات المنصوص عليها في الدستور ما يعني استحالة إجراء الانتخابات في موعدها.

يأتي هذا وسط حالة من الاستقطاب السياسي بين الحكومة والمعارضة في وقت تستعد فيه البلاد لإجراء أول انتخابات مباشرة في البلاد في أواخر العام الجاري 2020، ما يعزز التكهنات بشأن مستقبل الانتخابات نفسها ومستقبل نظام الرئيس فرماجو في الحكم خلال الفترة المقبلة.

ويرى مراقبون أن وباء كورونا المستجد شكل طوق نجاة للرئيس والبرلمان، ومنحهم فرصة لترتيب أوضاعهم وضم المزيد من الولاءات الجديدة وأعطى الرئيس الحق في تأجيل الانتخابات والتمديد لعام أو عامين، ما قد يشكل مزيدا من الاضطرابات في بلد يعاني من عدم الاستقرار منذ سنوات ويخضع لضغوط ومصالح إقليمية ودولية متعارضة.
تصريحات دعائية

قال عبد الناصر معلم المحلل السياسي الصومالي، إنه لا يوجد أي إجراءات فعلية جارية لإجراء الانتخابات في موعدها، فعمل اللجان لا يزال معلقا، وتصريحات رئيس البرلمان تأتي لكي يبعد عن الحكومة تهمة استغلال ظروف جائحة كورونا لتحقيق مكسب سياسي بتمديد فترة ولايتها.

وأضاف المحلل السياسي لـ "سبوتنيك": "كما تأتي أيضا بمثابة وعد مجرد بأنها لا تدخر جهدا في القيام بكل ما يمكن من أجل عقد الانتخابات في موعدها، ناهيك بأن تستغل الوضع الإنساني سياسيا، لكن على الأرض لا يوجد إجراءات فعلية تؤكد على صدقية هذه الوعود وتزيد من فرص تحقيقها".

وحول السيناريو المتوقع قال معلم، التمديد للحكومة  ما دامت جائحة كورونا مستمرة، سنة ، سنتين، وسوف تواصل الحكومة محاولاتها تصوير التمديد كوضع اضطراري فرض نفسه، رغم عملها على مواجهته من خلال طرق بديلة كعمل اللجان من خلال لقاءات الفيديو، والاجتماعات المطبقة لمعايير عزلة كورونا.

وأشار المحلل السياسي، إلى أن كل ذلك لن يقدم شيئا للصعوبات المصاحبة له من حيث المشكلات التكنولوجية والقاعات الملائمة وغيرها، مما يؤدي في الأخير إلى تعثر المحاولات وعدم تمكن الأطقم من ممارسة عملها، خاصة وأن رغبة حقيقية في إنجاح عملها لا توجد في الأوساط الحكومية.
استحالة إجرائها

من جانبه قال الباحث في مركز مقديشو للدراسات، إبراهيم عبدي، "بحسب رأي لا يمكن إجراء إنتخابات تشريعية شعبية مباشرة في الصومال في موعدها نهاية العام الجاري، أو بحلول العام المقبل وهذا يحتاج على الأقل عامين إضافيين، والسبب في ذلك  يرجع إلى غياب الآليات والإمكانيات المطلوبة".

وأضاف الباحث في مركز مقديشيو لـ"سبوتنيك"، على سبيل المثال لم يتم تسجيل الناخبين، وهذا ليس عملا سهلا، لقد تم إجراء آخر تعداد في عام 1975، علاوة على أن الأمن في الصومال غير مستتب ويمثل التحدي الأكبر، كما أن حركة الشباب مازالت قادرة على استهداف المواقع والمصالح الحكومية، ناهيك عن الأهداف المدنية بالإضافة إلى ذلك هناك مشكلة مراجعة الدستور، والتي كان مفترضا أن تتم نهاية العام الماضي،  ومشكلة حدود الدوائر الانتخابية ومقاعد الأقاليم الشمالية "أرض الصومال"، وكيف سيتم تمثيل سكان منطقة بنادر، وهي منطقة إدارية تضم العاصمة مقديشو .

وأشار عبدي  إلى أن عامل الوقت يمثل أيضا تحديا كبيرا، لأن المادة 13 من قانون الانتخابات الجديد تنص على أن تعلن أو تبدأ الانتخابات التشريعية قبل شهر من انتهاء ولاية البرلمان الحالي في ديسمبر المقبل، أي شهر نوفمبر وعلى أن تعلن اللجنة الانتخابية الجدول الزمني قبل 180 يومًا من هذا الموعد أي نهاية مايو الجاري، وعلى هذا الأساس فإن إجراء اقتراع شعبي مباشر في موعده أمر غير واقعي وغير عملي.

وأوضح الباحث بمركز مقديشيو، أن الحكومة "تواجه ضغوطا شديدة من قبل الأطراف السياسية والمجتمع الدولي للكشف عن برنامجها تجاه الانتخابات، فيما يبدو أنها غير مستعدة للرضوخ وتفضل الاستمرار في سياساتها المنغلقة وتتحاشى عرض جدول محدد للانتخابات لكن هناك حراك سياسي ومجتمعي وقوي رافض لهذه السياسات وتطالب بقوة إجراء الانتخابات، بغض النظر عن نوعيتها وأنها ستفقد شرعيتها بعد شهر فبراير/ شباط المقبل".
سيناريوهات متوقعة

وحول البدائل المتوقعة في حال عدم إجراء الانتخابات قال عبدي، في رأيي هناك خياران لا ثالث لهما لإجراء الانتخابات في موعدها أو الخروج من المأزق، الخيار الأول، العودة إلى نظام الانتخابات في عام 2016، وانتخاب أعضاء البرلمان على أساس نظام المحاصصة القبلية 4.5، وفي هذا الإطار يمكن إجراء تعديلات على هذا النظام، مثل زيادة المندوبين الذين يختارون أعضاء البرلمان.

ولفت عبدي إلى أن  الخيار الثاني هو تأجيل الإنتخابات لمدة عامين، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها المعارضة، ونؤكد هنا أن الحكومة لديها بند دستوري يسمح لها  بتأجيل الاستحقاق الانتخابي، وتنص  المادة 53 من قانون الانتخابات الجديد، على إمكانية تمديد فترة البرلمان الحالي، في حال وجود مهددات طبيعية مثل الكوارث الطبيعية والجفاف أو وجود معوقات تعرقل إجراء الانتخابات، وأن فيروس كورونا والحرب على تنظيم "الشباب"، يمكن أن يكونا ذريعة لتأجيل الانتخابات، أما الخيار الثالث كارثي ولا يرجى حدوثه هو فراغ دستوري ودخول البلاد في مخاطر كبيرة.
لا نيه للتأجيل

مصير مجهول ينتظر الانتخابات الفيدرالية الصومالية بسبب كورونا
وعلق مصدر في مجلس الشيوخ الصومالي لـ"سبوتنيك" قائلا: "إلى الآن ليس هناك نية لعملية التمديد، إلا في حالة حدوث طارئ يستحيل معه إجراء الانتخابات الفيدرالية".

وأضاف المصدر، "في رأيي أنه لن يكون هناك أي تمديد وأن اللجنة الدستورية سوف تستأنف عملها بمجرد انحسار الوباء من أجل الانتهاء من القوانين التي تتطلبها الانتخابات القادمة، الأمر الآن يتعلق بوباء كورونا المستجد وليس لأي اعتبارات أخرى".
الولايات الصومالية

وتمثل الولايات الفيدرالية قوى سياسية هامة في المشهد الصومالي، وتقوم بمعارضة سياسات الحكومة الاتحادية، ما أدى إلى تأزم العلاقة بين الطرفين، ومن أبرز تلك القوى ولايات جوبالاند وبونت لاند إلى جانب صومالي لاند، وقد سعت الحكومة الاتحادية للإطاحة بحكام تلك الولايات وصعود موالين لها إلا أنها فشلت وترتب عليه تعميق الأزمة، وهو ما تجلى في رفض تلك الولايات النظام الانتخابي الجديد كونه يرسخ لديكتاتورية جديدة في البلاد من وجهة نظرها.

ويعد التأجيل هو السيناريو الأقوى في الصومال مع استمرار أزمة تفشي فيروس كورونا في كثير من دول العالم، ما دفع الحكومة الصومالية إلى اتخاذ إجراءات طارئة للحد من انتشاره، أضف إلى ذلك، حاجة الرئيس فرماجو للمزيد من الوقت لاستمالة بعض الولايات الإقليمية إلى جانبه، وتحقيق المزيد من الأمن في عموم البلاد، وتوافر الآليات المطلوبة لإجراء الانتخابات الصومالية، فضلاً عن تخوفه من حالة الاستقطاب السياسي في البلاد، وتحالف قوى المعارضة لإسقاطه في الانتخابات المقبلة، وتحدي بعض الولايات الإقليمية للنظام، كما أن التكلفة المالية لإجراء الانتخابات من المتوقع أن تتجاوز 53 مليون دولار، ما يمثل عبئا على الخزانة العامة.

وفي خطابه السنوي أمام مؤتمر القضاء الصومالي، اعتذر الرئيس فرماجو رسميًا عن قصف الطيران العسكري لمدينة هرجيسا عام 1988 قائلا "لم تكن ذات بعد قبلي أو بسبب هجوم الجنوب على الشمال بل كانت نتاج قرار من النظام العسكري (نظام سياد بري) آنذاك"

ويفتح هذا السيناريو الباب أمام تمديد وضمان بقاء نظام الرئيس فرماجو في السلطة لأجل غير مسمى ربما يمتد من عام إلى عامين حتى تحديد موعد جديد للانتخابات، وذلك وفقا للمادة 56/7 من قانون الانتخابات الجديد الذي يمنحه الحق في تأجيل الانتخابات في حالة وقوع ظروف قهرية وتمديد بقاء الحكومة، وهو ما يتماشى مع نية النظام للتمديد مستغلا حالة انشغال المجتمع الدولي بقضايا حساسة مثل كورونا والتأثيرات الاقتصادية له لتنفيذ السيناريو.

وتعد تكلفة هذا السيناريو باهظة سياسيا، إذ يترتب عليه حالة من الاضطراب السياسي بسبب رفض المعارضة للتأجيل، وهو ما يمكن أن يعمق من الأزمة السياسية في البلاد ويساهم في انسداد الأفق السياسي بشكل أعمق.

وكان الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو قد صادق على قانون تعديل قانون الانتخابات الفيدرالية خلال الأشهر الماضية، حيث تعيش الصومال حالة من الترقب، فالمعارضة وجهت العديد من الانتقادات للقانون وطالبت بإعادة النظر فيه، باعتباره لا يناسب الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية التي تمر بها البلاد.

مناقشة