هل تقاطع السعودية المنتجات التركية... وما التأثير على الاقتصادين؟

غرد رئيس مجلس الغرف التجارية السعودية عجلان العجلان على حسابه الرسمي على تويتر، بأن مقاطعة المنتجات التركية التي تشمل الاستيراد والاستثمار والسياحة مسؤولية كل فرد سعودي.
Sputnik

وقد لاقت التغريدة تفاعلا من المواطنين السعوديين، كما ذكرت صحيفة "عكاظ"، فيما طالب بعض منهم رفع ضريبة الواردات على المنتجات التركية، ويأتي ذلك في ظل تراجع العلاقات التركية السعودية، والتي شهدت تدهورا خلال السنوات القليلة الماضية.

حرب اقتصادية

على الرغم من أن الحكومة أو السلطات السعودية لم تدلي بأي تصريح رسمي حول ذلك، إلا أن عجلان العجلان الاقتصادي البارز طالب جميع السعوديين من تجار وغيرهم بعدم استيراد البضائع التركية.

وعن ذلك يقول المحلل الاقتصادي السعودي تميم جاد في اتصال مع "سبوتنيك": الموضوع يناقش في التويتر وما بين بعض رجال الأعمال المتنفذين وبعض رؤوساء الغرف، بأنه نتيجة للدور السياسي الذي تقوم به حكومة أردوغان وأردوغان نفسه، وجه تركيا كدولة مسلمة ودولة صديقة بأن توضع في وحل المشاكل السياسية، فيما يتعلق بهجومه على المملكة وتدخله على مستوى المنطقة.

ويتابع جاد: "الآن أردوغان كشخص أصبح يخلق نوع من الهلاك لتركيا، وتركيا دولة إسلامية عريقة لديها الإمكانيات، وتوجه حكومتها السياسية يخرب على البلد، لكن الحكومة السياسية لم تصرح بأي شيء، بل هو موضوع يناقش بين رجال الأعمال نتيجة للدور التركي فقط، وهذا الدور فاقد للتوازن فيخلق بالتالي نوع من ردة الفعل".

ويضيف: "الحكومة السعودية تأخذ الأمور بهدوء وسلاسة، ولكن ما يحدث يأتي عن طريق رجال أعمال غيورين على المملكة، ولديهم امتعاض مما يقوم به أردوغان وحكومته، وتوريط الشعب التركي والاقتصاد التركي في أمور هو بغنى عنها، وأعتقد أن جزء كبير من هذا الشعب ضد هذه السياسة".

فيما يرى الخبير الاقتصادي التركي يوسف كاتب أوغلو في حوار مع "سبوتنيك" بأن هذه الدعوة إذا ما كانت صادقة في محتواها فهو استعداء حقيقي من المملكة العربية السعودية تجاه تركيا، ويتابع: توقيت هذا التصريح من الواضح أنه يحمل دلالات عديدة، حيث أنه يأتي مع الذكرى الثانية لمقتل خاشقجي، وهو يمثل ضغطا كبيرا من السعودية على العلاقات مع تركيا.

هل تعلن السعودية "حرب التجارة" على تركيا

ويكمل كاتب أوغلو: "تركيا لا تستعدي السعودية بل تستعدي المتورطين من القتلة سواء كانوا منفذين أو مخططين في جريمة خاشقجي، والعلاقات السعودية التركية متنامية وهي علاقات قوية، وتعتمد اعتماد أساسي على الاحترام المتبادل والمصالح والمنافع المشتركة، أما قضية مقاطعة المنتجات التركية وتشويه سمعة تركيا والعلاقات التجارية التي يجب أن تبقى دائما بين الشعبين هذا موضوع للضغط على تركيا، وأقل ما يقال عنه أنه ابتزاز سياسي من قبل الإدارة السعودية لتركيا".

ويرى الخبير الاقتصادي التركي شيفقت أبوهان في تصريح لوكالة "سبوتنيك" بأنه يجب على تركيا بأن ترد بطريقة مماثلة على الموقف السعودي، ويضيف: يجب أن نضغط على السعودية في العلاقات التجارية والدبلوماسية بعد كل شيء، فلقد قتلوا صحفيا على أراضي بلدنا، ولقد قاموا بمثل هذا العمل المخزي في تركيا، ويقومون بمؤامرة ضدنا.

التأثير على الاقتصاد

وعن مدى تأثر الاقتصادين السعودي والتركي في حال تمت المقاطعة من قبل السعوديين، يقول الخبير الاقتصادي تميم جاد: "البضائع التركية عديدة في السوق السعودية، منها المواد الغذائية والطبية ومواد البناء ومواد تكميلية، ويوجد تجارة كبيرة بين السوق السعودي والتركي، ولا شك أن السياحة السعودية لتركيا خلال السنوات الخمس الأخيرة كانت عالية جدا، ووصلت إلى أكثر من 50 ألف سائح في الصيف، عدا الناس الذي يذهبون في عطلة نهاية الأسبوع، ومن يملكون عقارات هناك".

ويواصل: "السوق السعودي مفتوح للعديد من الدول الأوروبية الشرقية منها والغربية، ولو فرضا حدثت مقاطعة ففوارق الأسعار فقط ستكون لمصلحة المنتج التركي، والذي يتميز بالجودة والأسعار المعقولة، ولكن لو حصلت المقاطعة وأنا استبعد ذلك، فلن يكون التأثير قوي جدا".

ويضيف: "لا أعتقد أن هناك أي تأثير سيكون ملحوظا لأن السوق مفتوح، وهناك منافسة من قبل بضائع أوروبا الشرقية التي تشبه البضائع التركية، لكن كما أسلفت أن فوارق الأسعار هي التي قد تكون ملحوظة في التأثير".

كذلك يرى المحلل الاقتصادي السعودي سليمان العساف في لقاء مع وكالة "سبوتنيك"، ويكمل: التبادل التجاري بين السعودية وتركيا يشمل عدة أمور، في مجالات المفروشات والملابس والأغذية والآلات، فيما لو تمت المقاطعة المملكة ستستطيع استبدال هذه المنتجات بمنتجات من دول عديدة، وهي ليست منتجات تتفرد بها تركيا عن غيرها من الدول.

ويتابع: "حجم التبادل التجاري بين البلدين ليس بالشكل الكبير، حيث لا يمكن في السعودية كتجار أو مستهلكين أن يتخلصوا منه أو يستغنوا عنه، فالمواد الغذائية يمكن استبدالها بعدة مصادر من شرق أوروبا أو من غيرها، وكذلك بالنسبة للمفروشات لدينا الصين ولدينا مصر المجاورة، وكذلك بالنسبة للملابس فشرق آسيا هي من أكبر المصدرين في العالم".

ويضيف العساف: "أعتقد أنه لا يوجد مشكلة في استبدال المنتجات التركية بغيرها، ودائما كما نعلم فالمواطن بصفة عامة في أي بلد عندما يجد بأن هناك من يحارب أو يعادي بلده، يقوم سيكولوجيا ونفسيا بالابتعاد عن بضائع هذه الدولة، حتى لو لم تقم الدولة بالطلب من ذلك".

ويستطرد: "نحن هنا نتكلم عن منتجات سهلة الإحلال، ونحن هنا لا نتكلم عن تقنيات معلومات أو منتجات دقيقية جدا، وأقول مثلا أن الصين لا يمكن لأحد أن يستغني عنها أبدا، ولكن المنتجات التركية تنتج في 20 أو 30 دولة بنفس المواصفات وبأقل الأسعار، وهذه المنتجات ليست حكرا عليها".

أما الخبير التركي كاتب أوغلو فيرى العكس، وبأن السعودية هي الخاسر من هذه العملية لو تمت، ويوضح: العلاقات التجارية والاستثمارية بين تركيا والسعودية قوية جدا، وهي لا تكاد تتجاوز 10% من الصادرات التركية، فالصادرات التركية تكاد تقترب من 176 مليار دولار سنويا، منها 6 أو 7 مليار دولار إلى المملكة العربية السعودية بأحسن الأحوال.

ويردف: "أتوقع أن الخاسر الأكبر في حال تم تطبيق هذا القرار هو السعودية بنفسها، حيث أن المنتج التركي هو منتج يعتمد اعتماد أساسي على نقطتين الجودة العالية والسعر المنافس، وترتيب البدائل هو ليس بالأمر السهل بنفس المواصفات".

ويضيف كاتب أوغلو: "الاقتصاد التركي اقتصاد قوي ولا يعتمد على دولة ما بشكل أساسي، السعوديون يمثلون المرتبة السادسة عربيا في الاستثمارات في تركيا، والمربتة السادسة أيضا في نسبة السياح العرب القادمون إلى تركيا، وقد فاق المليون و100 ألف سائح سعودي عام 2018".

ويتابع: "تتركيا ستتأثر تأثر بسيط كونها تملك تنويع لمصادر الدخل ومصادر الاستثمارات السياحية وغيرها، وهي تحتل المركز الثامن عالميا في الاستقطاب السياحي، وهذا قبل جائحة كورونا وقد تغيرت بعد ذلك تماما بسبب الإغلاق".

ويستطرد كاتب أوغلو: "البدائل بالنسبة لتركيا موجودة من دول أخرى والتأثير لن يكون كبيرا على اقتصاد كبير على تركيا، ولكن أتوقع أن الخاسر الأكبر هو السعودية، لأن العلاقة بين الشعبين حميمة والمشاكل السياسية من قبل الحكومة السعودية ستلقي بظلالها بقوة على السعوديين أكثر من الأتراك".

ويتحدث الخبير التركي شيفقت أبوهان بأن حجم الصادرات التركية إلى المملكة العربية السعودية ليس صغيرا بأي حال من الأحوال، لكنه ينوه إلى أن هذه الحصة ليس كبيرة بحيث تنعكس على الاقتصاد التركي، وبأن تركيا أوقفت بالفعل بعض مشاريع البناء الخاصة بالشركات التركية بعد مقتل خاشقجي.

ويضيف: ستجد الشركات التركية أسواقا جديدة، والقيادة السعودية تعمل على أن تكمل هذه الأعمال الشركات الإسرائيلية وليست التركية.

منظمة التجارة العالمية

وعما إذا ما كانت تركيا قادرة على التوجه نحو منظمة التجارة العالمية، كون الطرفين عضوين فيها وبينهما العديد من الاتفاقات الاقتصادية والتجارية، يرى الخبير السعودي تميم جاد: ضمن قوانين منظمة التجارة العالمية لو حدث تصرف أو بيان أو إجراء من الحكومة السعودية، فهذا يخضع للمسببات التي حدثت على أساسها هذه المقاطعة، لأنها مسببات سياسية وهناك عدة نقاط قد تنطبق عليها وقد لا تنطبق.

ويكمل: "في ظل وضع كوضع تركيا نتيجة تدخل الحكومة في الشأن الخليجي وفي الشأن السياسي والداخلي وخلق الكثير من المشاكل، فهذه الأمور تأخذ وقتا طويلا، لا نعرف كيف يمكن أن تسير الأمور فيها".

فيما يرى المحلل سليمان العساف بأن الموضوع ليس حربا تجارية، وإنما هو موضوع عرض وطلب اقتصادي بحت، ويوضح: المملكة العربية السعودية لا تحارب الاقتصاد التركي، وفي حال كان هناك عرض من دول أخرى لتوريد البضائع، فالتجار والدولة سيرون ما هو أصلح لهم، ولا يوجد هناك أي خروق للاتفاقيات السابقة.

ويتابع: "المملكة العربية السعودية هي إحدى الدول الموقعة على اتفاقية التجارة العالمية، ولا يمكن لها بأن تخل بإحدى الاتفاقيات، ولكن لكل دولة الحق بحماية مصالحها وحقوقها واقتصادها، ونحن رأينا أن هناك حرب تجارية بين الولايات المتحدة والصين، حرب بقيمة 260 مليار دولار، وفرضوا رسوم على بعضهم وغيرها".

ويضيف: "السعودية تعرضت لفرض رسوم وعمليات إغراق عدة مرات، وخصوصا في مجال صناعة البتروكيميا، وتعاملت مع ذلك بحكمة وعقل، لذلك لكل بلد الحق في عمل ما يراه مناسبا في إطار القانون".

أما المحلل كاتب أوغلو فيرى أن للأمر سيكون عواقب سلبية كبيرة على الطرفين، ويفسر: إقدام السعودية على هكذا قرار بحد ذاته منافي للاتفاقات الدولية ولمنظمة التجارة العالمية، ولا يحق لدولة أن تقوم بمقاطعة منتجات دولة أخرى بهذه الكيفية وبهذه الطريقة، وطبعا تركيا لا تريد التصعيد تجاه ما اتخذ من قرارات من قبل السعودية.

ويضيف كاتب أوغلو: إذا ما تم التأكد من هذا القرار فسيكون له تبعات سلبية على السعودية أكثر من تركيا، وأيضا تركيا ستقوم بعمل ما يلزم، وسيكون هناك مساءلة وردة فعل تجاهها، وهذه الخطوة ضارة بالعلاقات بين البلدين وضارة بمصالح التجار الأتراك ووكلائهم ومن يعمل معهم في هذه العلاقات.

ويرى الخبير شيفقت أبوهان بأن الشكوى لمنظمة التجارة العالمية لن تقدم أي نتجية، ويفسر: بالطبع يمكن للجانب التركي تقديم شكوى في إطار الاتفاقات المبرمة، ولكن ماذا ستعطي، لا شيء بالطبع، لأن منظمة التجارة العالمية هي منظمة فقدت وظائفها بشكل أساسي.

ويتابع: بالإضافة إلى ذلك في رأيي إذا ما أرادت دولة ما أن تتخذ قرار بمقاطعة بضائع بلد آخر فيجب أن تكون قادرة على ذلك، فلندع السعودية تطبق قراراها بالمقاطعة، ولكن الذين سيعانون من هذا الأمر على المدى المتوسط سيكونون هم أنفسهم.

مقاطعة دول أخرى

وسألت "سبوتنيك" الخبراء عما إذا كان الأمر قد ينسحب على دول أخرى، خصوصا في مجلس التعاون الخليجي، فيجيب الخبير تميم جاد: لو حدث ذلك فمن الممكن أن تقوم دول أخرى بمقاطعة المنتجات التركية، فكما نعرف هناك ترابط بين دول الخليج، وبالتحديد مع الإمارات والبحرين ولهم توجه واحد في السياسية، ولكن لو حصل ذلك فمن الممكن بشكل كبير أن تقاطع دول أخرى المنتجات التركية.

ويتابع: بالذات الإمارات متضررة بشكل كبير من السياسات التركية، ولا سيما أن أردوغان يدعم توجه سياسي معادي لدول الخليج وما يعرف بتنظيم الأخوان المسلمين، والمدرجين في العديد من الدول كمنظمات إرهابية.

ويكمل: لكن في الوقت الحالي في ظل الإنهيار الحاصل في الاقتصاد التركي والعملة التركية سيكون هناك تصرف سريع عن طريق منظمة المؤتمر الإسلامي وبعض الوسطاء لتهدئة الأوضاع، لأن المتضرر الأول والأخير هو الشعب التركي.

أما العساف فيعتقد أن كل دولة قد تتصرف بمفردها، بمعزل عن موقف الدول الأخرى، وينفي علمه إذا ما كان هناك دول أخرى قادمة، ويختم حديثه: لا أعلم ذلك، ولكن كل دولة يمكن أن تتحرك من منطلق مصالحها الخاصة القومية، وتعمل بما تراه مناسبا، ومجلس التعاون الخليجي يتعامل مع مصالح الخليج، ولكن عندما يكون هناك اتخاذ قرارات كل دولة لها سيادتها وتحتفظ بحقها بأن تقوم بما تريد.

وعن هذه النقطة يقول شيفقت أبوهان: الاقتصاد التركي لا ينمو على حساب الأسس البسيطة التي يمكن أن تجد نفسك بأسفلها نتيجة لقرار المقاطعة من قبل دولة أو جهة ما، والمملكة العربية السعودية تخلط بين تركيا ودول يصعب تحديد موقعها على الخريطة، لذلك هي ترتكب خطأ كبيرا.

مناقشة