"الرفع من قائمة الإرهاب"... هل يمثل الحل السحري لمشاكل السودان؟

بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن موافقته على رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، هل تحقق تلك الخطوة أمنيات الشارع السوداني الذي يبحث عن حياة كريمة أم أنها ستتحول إلى سراب وأن الأمر لن يتعدى تصريحات دعائية؟
Sputnik

يرى مراقبون أن قرار ترامب المرهون بموافقة الكونغرس ليس الأول، بل سبقه قرارات كثيرة منذ اتفاقات السلام في نيفاشا 2005، التي أدت إلى انفصال الجنوب مرورا بوعود كثيرة، في كل مرة يدفع السودان ولا يجني سوى مزيد من الخسائر والانهيارات، حيث أعلن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما رفع العقوبات قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية الماضية واستمر الحال كما هو.

والآن قدمت الخرطوم الثمن الأكبر في ظل ظروف قهرية، لكن على ما يبدو أن المكاسب سوف يجنيها الأمريكيون والإسرائيليون وليس السودانيون.

قال الخبير الاقتصادي السوداني محمد الناير، إن رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب هى خطوة مهمة جدا، حيث لم يستفد السودان من رفع اسمه من الحظر الاقتصادي في يناير عام 2017 بقرار جزئي من الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، واكتمل بقرار الرفع الكامل من الحظر الاقتصادي في أكتوبر/ تشرين الأول، من نفس العام بقرار من الرئيس الحالي دونالد ترامب.

لكن رغم ذلك لم تتعامل البنوك العالمية مع البنوك السودانية نظرا لوجود اسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، وظل السودان أكثر من 27 عاما يتعامل مع مراسلين محدودين على مستوى العالم، ووصل الأمر في بعض السنوات للتعامل مع بنك واحد فقط من البنوك الخارجية، وهذا كان المنفذ الوحيد لبلد بها أكثر من 37 بنكا.

وأضاف لـ"سبوتنيك": "نتيجة هذا الانعزال عن العالم كانت هناك تعقيدات في تحويلات حصيلة الصادرات وإرسال الأموال لاستيراد السلع وكذا بالنسبة لعملية إرسال الأموال للدارسين بالخارج وبعثات العلاج. وكل هذا سيكون ميسرا بعد قرار رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، وستصبح البنوك السودانية قادرة على التحويل من وإلى السودان بيسر".

وتابع: "يساهم ذلك في تسهيل عمليات التدفقات الاستثمارية إذا ما استطاعت الحكومة تنشيط هذا المصدر، فليس الأمر فقط رفع اسم السودان وقدرة البنوك على التحويل من وإلى السودان لأن هذا ليس كافيا".

الاستعداد الحكومي والإعفاء من الديون

وأوضح الخبير الاقتصادي: "نعيب على الفترة الانتقالية لأنه مضى عام على وجودها ولم تهيئ المناخ في الداخل، على سبيل المثال، البنوك السودانية كان مفترضا أن يتم إعادة هيكلتها وأن تكون مستعدة لهذه المرحلة، وبعض البنوك السودانية رأس مالها لا يتجاوز 2 مليون دولار، وهو رأس مال ضعيف جدا، ومثل هذه البنوك لا تستطيع التعامل على المستوى الدولي بصورة كبيرة أو بكفاءه عالية، وكل ماتم خلال الفترة الانتقالية هو تعديلات طالت ما يقارب ثلث البنوك بحل مجالس الإدارات واستبعاد بعض المديرين.

وإلى الآن لم يتم تعيين بدلاء لهم، وهو ما يعني أن ثلث القطاع المصرفي يمضي الآن بلا مجالس إدارات ومدراء عموم، فالدولة تريد التغيير ولكنها لم تقم به، بل أعفت ما هو قائم ولم تأت بالبديل.

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن "هناك جوانب مهمة أخرى ستتأثر برفع أسم السودان من قائمة الإرهاب ومنها، المطالبات بالإعفاء من الديون الخارجية التي تخطت 60 مليار دولارعلما بأن أصل الدين 17 مليار دولار فقط، أي أن ضعفي حجم الدين الأصلي هى فوائد وجزاءات تأخير، ولو استمرت على هذا الوضع فإنها سوف تشكل عبء كبير على الاقتصاد السوداني، لكن برفع اسمه من القائمة يمكن للسودان الاستفادة من مبادرة "هيبيك" لرفع ديون دول العالم الثالث والدول النامية.

واعتقد أن السودان يمكنه الاستفادة من تلك المبادرة طالما أن اسمه قد رفع من قائمة الإرهاب، كما يمكنه الاستفادة من صندوق النقد والبنك الدوليين للحصول على قروض من المؤسسات التمويلية الدولية بشروط ميسرة.

وتابع: "سوف نكون مخطئين إذا اعتقدنا أن رفع اسم السودان من تلك القائمة هو ما سيغير شكل الاقتصاد السوداني بدون بذل مجهود كبير من قبل الحكومة السودانية لتهيئة المناخ للمرحلة القادمة، وأقول ذلك وفي ذهني أن الحكومة قد تمضي في سياسات قد تفسد على المواطن السوداني فرحته برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب".

فبدلا من أن تستفيد الحكومة من هذا المناخ ومن حجم التدفقات النقدية بالجلوس مع المغتربين وأن تضمن تحويلاتهم ومنحهم شقق سكنية بأقساط بالعملات الأجنبية ومنحهم إعفاءات جمركية مقابل مبالغ محددة وميزات أخري، بكل أسف الدولة تمضي في تنفيذ سياسات البنك الدولي والتي تصنف بعضها بأنها كارثية.

تحذير للحكومة

وتابع الخبير الاقتصادي السوداني: "من تلك السياسات سير الدولة في طريق تحرير سعر الصرف في الوقت الذي لا تمتلك فيه احتياطيات نقدية، ولا يجب الإقدام عليها دون أن يكون لدى الدولة على الأقل احتياطي لا يقل عن 5 مليار دولار ، كما تمضي الحكومة في تحرير أسعار المحروقات وهذه ستكون إجراءات ضاغطة على المواطن بصورة كبيرة، كما فعلت في بداية العام عندما طرحت وقود تجاري وآخر مدعوم ثم قامت بحجب المدعوم وأصبح التجاري هو السائد".

ولفت محمد الناير: "كما تنوي الحكومة رفع سعر الدولار الجمركي والكهرباء وغيرها وكل تلك الإجراءات قد تفسد فرحة الشعب السوداني برفع أسم السودان من قائمة الإرهاب، وأحذر الدولة من تلك الإجراءات فالمواطن هو الأساس، فهو الذي غير الحكومات ويصنع الثورات وهو صاحب الرأي الرأي ومن حقه أن ينعم بحياة كريمة. 

وأكد على أنه لا يمكن أن تأتي الاستثمارات إلى السودان دون أن يكون هناك استقرار في سعر الصرف وارتفاع معدلات التضخم بنسب كبيرة جدا في هذا البلد الذي يمتلك موارد وقدرات كبيرة جدا، والكثير يريدون المجيء للاستثمار ولكن لديهم بعض المخاوف التي ذكرناها.

شواهد سابقة وفرقعات إعلامية

من جانبه قال المحلل السياسي السوداني ربيع عبد العاطي: "في اعتقادي أن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب هى فرقعات إعلامية، فقد رفعت عنا بعض العقوبات في العام 2017 قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية السابقة، لكن لم تكن لها أي تأثير على أي من القطاعات، وكانت التبريرات بأننا مازلنا في قائمة الدول الراعية للإرهاب".

وأضاف لـ"سبوتنيك": "كانت هناك وعود كثيرة جدا للسودان فيما بعد الاتفاق الشامل والاعتراف بدولة جنوب السودان، وكانت تلك الوعود تتمثل في تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية ورفع العقوبات وإزاحة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بالإضافة إلى الإعفاء من الديون، ولم يتم أي من تلك الوعود".

وأوضح المحلل السياسي أن "عدم وجود السودان في تلك القائمة لا يعني بأي حال من الأحوال أن السماء ستمطر ذهبا ورغد العيش سيأتي تباعا".

وتابع: "لو كان الأمر كذلك لأمطرت السماء ذهبا وفضة على العراق وإريتريا وتشاد ومصر والدول العربية، فحتى الدول العربية والتي لها علاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية وليست في أي من القوائم الأمريكية السوداء أو البيضاء، تعاني من الضعف والاختلال في موازين مدفوعاتها نتيجة الأزمات الاقتصادية، رغم أن تلك الدول تنتج الملايين من براميل النفط وكان بإمكانها أن تحول الشرق الأوسط إلى جنان".

وأشار عبد العاطي إلى أن "الشعب السوداني كله سوف يرى النتائج بعد هذا القرار، وأتوقع ألا تكون هناك نتائج إيجابية لتلك الخطوة على السودان، فلو كان الأمر بيد تلك القوائم لكان الجنوب الذي انفصل عن السودان منذ عقد يعيش رفاهية الآن، فليس مسجلا بقوائم الإرهاب وليس عليه عقوبات وهو منتج للنفط، هناك نوع من الأمنيات بأن هناك تأثير إيجابي لرفع اسم السودان من القائمة، وللأسف هو سراب وليس حقيقة".

وكان ترامب قد أبلغ الكونغرس رسميا عزمه رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وجاء في بيان البيت الأبيض، أمس الجمعة: "أبلغ الرئيس دونالد ترامب الكونغرس باعتزامه إلغاء إدراج اسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب رسميا".

ويأتي ذلك في أعقاب موافقة السودان على تسوية بعض مطالبات ضحايا الإرهاب وعائلاتهم من الولايات المتحدة.

وكان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قد أعلن تطبيع السودان العلاقات مع إسرائيل، وقال المتحدث باسم البيت الأبيض: "أعلن الرئيس دونالد ترامب، أن السودان وإسرائيل قد اتفقا على تطبيع العلاقات. خطوة كبيرة أخرى نحو بناء السلام في الشرق الأوسط مع دولة أخرى تنضم إلى اتفاق أبراهام".

وأوضح البيان المشترك أن الأطراف ناقشوا تقدم السودان التاريخي، تجاه الديمقراطية ودفع السلام في المنطقة، وتقول الإدارة الأمريكية إنها ستتخذ خطوات لاستعادة حصانة السودان السيادية، والعمل مع الشركاء الدوليين، لتخفيف أعباء ديون السودان.

وأوضح البيان المشترك أن وفود من كل بلد ستجتمع خلال أسابيع للتفاوض على اتفاقات للتعاون بشأن الزراعة والطيران والهجرة، كما قال ترامب أيضا عقب المكالمة إنه خلال أشهر قليلة سينضم الجميع لاتفاق "أبراهام".

وقال كذلك مستشار البيت الأبيض، غاريد كوشنر، إن دولا أخرى ستصنع السلام مع إسرائيل، وإنه واثق من حل الصراع مع الفلسطينيين أيضا.

"الرفع من قائمة الإرهاب"... هل يمثل الحل السحري لمشاكل السودان؟
مناقشة