هل ينجح المؤتمر الدولي لعودة اللاجئين بإعادتهم إلى سوريا؟

نجحت سوريا وبرعاية روسية في عقد أول مؤتمر يخص عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، واختتم أعماله بعد يومين من الجلسات في العاصمة دمشق.
Sputnik

افتتح المؤتمر الرئيس السوري بشار الأسد بكلمة عبر الفيديو، رحب فيها بالضيوف وتمنى التوفيق لأعمال المؤتمر، وأشار إلى أن بعض الدول استقبلت اللاجئين من مبدأ إنساني، فيما حول البعض الآخر الهاربين من الحرب إلى ورقة سياسية تتم المساومة بها.

وكانت المشاركة الروسية عبر كلمة وزير الخارجية سيرغي لافروف، التي ألقاها المبعوث الخاص للرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف، والذي أكد فيها أن العمل يتم حاليا بأسلوب الخنق المالي على الحكومة السورية لمنع عودة المهجرين إلى الأراضي التي تقع تحت سيطرة الدولة السورية، وأن عدم مشاركة الولايات المتحدة ما هي إلا دليل على ازدواجية المعايير تجاه سوريا.

المشاركون والغائبون

تم الإعلان عن مشاركة 27 دولة في المؤتمر، بالإضافة إلى أكثر من منظمة دولية إنسانية ومشاركة الأمم المتحدة كعضو مراقب، وكان أبرز المشاركين روسيا والصين وإيران ولبنان وسلطنة عمان وباكستان.

وعكست أسماء الدول المشاركة الانقسام العميق في الأزمة السورية بين مختلف أطراف المجتمع الدولي، فحلفاء سوريا وأصدقائها حضروا، وغابت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومعهم من يحمل الحكومة السورية مسؤولية ما حدث، فيما لم توجه الدعوة أصلا إلى تركيا لأن سوريا تراها شريكا في الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ عقد من الزمن.

اللافت كان غياب أبرز الدول المستضيفة للاجئين مثل الأردن ومصر، والتي أشار لها معاون وزير الخارجية السوري أيمن سوسان بأنها تعرضت للضغوط من أجل عدم حضور هذا المؤتمر، وبحسب قوله فإن سوريا ترفعت عن الخلافات السياسية وتجاوزت السياسات الخاطئة للبعض ووجهت الدعوة لهم.

ورفضت الولايات ومعها الاتحاد الأوروبي المشاركة في هذا المؤتمر، مع أن العديد من هذه الدول تلقت دعوة لحضور المؤتمر، وبرر وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ذلك الرفض بأن الشروط الشروط الحالية في سوريا لا تشجع على عودة اللاجئين إلى بلادهم، واستدل بذلك على العودة المحدودة التي سجلت خلال الفترة الماضية.

فوائد ونتائج العودة

من المؤكد أن عودة اللاجئين ستحقق الكثير من الفوائد لأغلب الأطراف المرتبطة بهذا الملف، فالحكومة السورية من ناحيتها ستؤكد على أنها انتصرت في حربها على الإرهاب، وقضت على جميع الموانع التي تعيق عودة الوضع إلى ما كان عليه قبل الأزمة.

روسيا من ناحيتها ستكون قد جنت ثمار تدخلها في الأزمة السورية بشكل مباشر، عن طريق فرض رؤيتها كلاعب دولي في منطقة استراتيجية ودولة مثل سوريا، ما يثبت عودتها إلى الواجهة الدولية كواحد من أقوى اللاعبين على المستوى الدولي.

لبنان الذي أرهقته الأزمة السورية أيضا سيكون من المستفيدين، فاستضافة ما يقارب مليون لاجئ حسب تقديرات الأمم المتحدة قادرة على إنهاك أكبر الدول، فكيف بدولة صغيرة مثل لبنان يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، بالإضافة إلى الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد والتي تمنع تحقيق تقدما على المستوى الاقتصادي.

ولكن في المقابل قد تسحب عودة اللاجئين من دول عدة كتركيا والاتحاد الأوروبي ورقة تستخدم على أساس إنساني، وأو يمكن التهديد بها بين حين وآخر، بالإضافة إلى أن سماحهم بعودة اللاجئين سيعني اعترافهم بانتصار الدولة السورية، وانتهاء للأزمة التي أسموها الثورة السورية قبل ما يقارب من عشر سنوات.

مسوغات العودة

ترى سوريا وكذلك روسيا بأن الأوضاع على الأراضي السورية قد تحسنت بشكل كبير، وأن العمليات الحربية تقريبا قد انتهت، وأن عوامل الأمن والاستقرار للاجئين والظروف المناسبة لمعيشتهم أصبحت جاهزة داخل سوريا.

وتؤكد الحكومة السورية على أنها اتخذت العديد من الإجراءات التي تسهل عملية عودة اللاجئين، من تأهيل البنى التحتية في المناطق التي شهدت عمليات حربية، وإقرار قوانين وتشريعات من أجل تسوية أوضاع من يخشى العودة، وآخرها كان قانون البدل النقدي لخدمة العلم.

وفي الوقت ذاته رفضت من يسمى بالمعارضة السورية الموجودة في تركيا هذا المؤتمر، وهي إحدى جهات كثيرة تنضوي تحت المعارضة، فقد قال رئيس ما يسمى بالحكومة السورية المؤقتة عبد الرحمن مصطفى في تصريحات لوكالة الأناضول، بأن هذا المؤتمر خدعة من قبل "النظام".

وكرر مصطفى بأن يكون هناك انتقال سياسي للسلطة بإشراف دولي في سوريا، كشرط لعودة اللاجئين إلى سوريا، وأن يتم إطلاق سراح جميع المعتقلين، وإخراج "الميلشيات الروسية والإيرانية من سوريا، وهذا ما يعني أن تقدما في هذا مجال عودة اللاجئين من تركيا لن يحقق تقدما، خصوصا وأن هذه المعارضة تنطق بلسان تركيا الداعمة لها.

الأمر الواقع

عكس البيان الختامي للمؤتمر القلق الكبير من الوضع الإنساني والاقتصادي في سوريا، وأثر العقوبات المفروضة على سوريا في تردي الاقتصاد وخاصة في ظل جائحة كورونا، بالإضافة إلى سرقة النفط السوري من المناطق التي تخضع لسيطرة الأكراد في الشمال السوري.

وهذا ما ينعكس على واقع الحال على الأرض، حيث تعاني سوريا من قلة الموارد وارتفاع الأسعار وانخفاض كارثي في قيمة العملة، وتدني الرواتب، ومعاناة المواطنين من الوقوف طويلا في الطوابير من أجل الحصول على الحاجات الأساسية.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل يمكن للاجئ السوري في بلد أوروبي أو غيره من الأماكن العودة إلى سوريا وعيش أوضاع اقتصادية صعبة، بعد أن ذاق طعم الحياة الأوروبية وإن كانت بثوب اللجوء، وفي حال قرر العودة هل سيكون قادرا على تأمين لقمة عيشه في بلده الأم؟.

قد يكون هذا الأمر مناسبا لمن يعاني ضمن مخيمات اللجوء في عدة دول، والتي تفتقد إلى العديد من مقومات الحياة الكريمة، لكن السؤال هنا يكمن في سماح الدول الحاضنة لهذه المخيمات للاجئين بالعودة، أم أنها ستبقي على هذه الورقة لاستثمارها سياسيا في المستقبل.

المقال يعبر عن رأي صاحبه الشخصي

مناقشة