احتفالات ووفود... سلام السودان هل يطوي جراح الماضي؟

استقبلت العاصمة السودانية الخرطوم اليوم الأحد، قادة الجبهة الثورية واحتشد الآف السودانيين في ساحة الحرية، لاستقبال القيادات الثورية الذين وقعوا اتفاق سلام مع الحكومة في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول المنصرم في عاصمة دولة جنوب السودان جوبا.
Sputnik

الخرطوم– سبوتنيك. ورحب رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك بقادة تنظيمات الجبهة الثورية، أثناء لقائهم بمقر مجلس الوزراء، وقال "اليوم بدأت بالفعل أولى الخطوات لوضع حد لمعاناة المتواجدين في معسكرات النزوح".

وأشار حمدوك إلى، أن حكومته تواجه تحديات عديدة تتمثل في المشكلات الاقتصادية وبناء مؤسسات الدولة"، مؤكدا على "ضرورة معالجة الأوضاع الاقتصادية ووضع حد لمعاناة الجماهير".

حمدوك يستقبل الموقعين على "اتفاق جوبا" للسلام

وأضاف رئيس الوزراء "لأول مرة في تاريخ السودان نصل لسلام يخاطب بشكل حقيقي جذور الأزمة السودانية، يخاطب قضايا بناء الدولة السودانية، الجذور المتعلقة بالحروب والتنمية غير المتوازنة والتهميش".

وفي السياق، ذاته قاطع المحتشدين كلمة عضو المجلس المركزي للائتلاف الحاكم (قوى الحرية والتغيير)، إبراهيم الشيخ، في إشارة لعدم رضاهم عن سياسات الائتلاف، ولم يحفل الشيخ بالهتافات المناوئة وواصل إلقاء خطابه.

في المقابل تصدى نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول محمد حمدان "حميدتي"، لتلك الأصوات ذارفاً الدموع بالإشارة إلى أن إبراهيم الشيخ يُعد من الجناح المعتدل داخل الائتلاف الحاكم الداعم لعملية السلام، وحذر من إطلاق الأحكام الظالمة على الآخرين.

وقال حميدتي، إن" اتفاق السلام الذي وقُع في الثالث من أكتوبر المنصرم، محاولة لبناء الدولة السودانية"، مشيرًا إلى "عدم وجود مبرر لتمجيد الحرب".

وتابع: "نحن قادرون على تجاوز الصعوبات لتحقيق السلام الشامل ولبناء سودان موحد ومعافى من أمراض الجهوية، لتحقيق شعار الثورة: حرية، سلام وعدالة".

وأشار حميدتي، إلى أنهم "يدركون حجم المخاطر التي تُحيط السودان، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو أمنية"، لكنه أكد قدرتهم على تجاوزها، داعيًا" السودانيين إلى الوقوف بصف السلام".

من جهته، قال رئيس تحالف الجبهة الثورية، الهادي إدريس، بخطابه في الاحتفال، إن "اتفاق السلام المبرم بين الحكومة والجبهة الثورية، هو سلام لكل أهل السودان، لأنه عالج قضايا تاريخية، خاصة في الأقاليم المتأثرة بالحرب، لافتا إلى أن" اتفاق السلام  يؤسس لدولة جديدة وعقد اجتماعي جديد"، متعهدًا" بالعمل على الحكومة الانتقالية من أجل تنفيذ الاتفاق."

وطالب إدريس بـ " فرض هيبة الدولة ومنع التفلت الأمني الذي حدث خلال الأيام الماضية"، مناشدا كل الحركات المسلحة بعدم استخدام السلاح إلا وفق القانون، وذلك في إشارة إلى مهاجمة أنصار قائد حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد نور، ندوة سياسية، أقامتها حركة تحرير السودان – المجلس الانتقالي، التي يتزعمها إدريس، ليل (الجمعة) بالخرطوم.

وفي ذات السياق، قال مني اركو مناوي، رئيس حركة جيش تحرير السودان، خلال مخاطبته الحشد الجماهيري بساحة الحرية "يجب تقديم مجرمي الحرب للعدالة، وتنمية المناطق التي أحرقتها الحرب وتقديم تعويضات فورية لجبر ضرر اللاجئين والنازحين".

وأشار اركو إلى أنهم حضروا للخرطوم "للعمل مع حكومة الانتقال كفريق مشترك لتنفيذ اتفاق السلام ولرفع الظلم والتهميش بجميع مناطق السودان"، مضيفاً "جئنا أيضا لتصفير العداد لبداية حقيقية".

ونادى اركو الحكومة الانتقالية للعمل على توفير الخبز والوقود والدواء والمواصلات، مشيرا إلى أن ذلك يتحقق من خلال "العمل على تحمل المسؤولية وترك المشاكسات السياسية للعبور إلى الديمقراطية".

المشاركة في السلطة الانتقالية

وقال عضو لجنة الترشيحات الخاصة بأطراف السلام والقيادي بالجبهة الثورية، محمد زكريا، اليوم الأحد، في تصريح لوكالة "سبوتنيك"، "المشاركة في السلطة جزء من استحقاقات السلام، وقضية السلطة ظلت محل خلاف وجدل وتسببت في الحروب والنزاعات في السودان".

 وأوضح زكريا أنهم ليسوا طلاب سلطة، لكنهم يريدون المشاركة في تنفيذ ما اتفق عليه في اتفاق سلام جوبا حتى يكونوا شهوداً على التنفيذ بالطريقة التي تم الاتفاق عليها.

وأضاف "المشاركة تعزز من التنوع وتقدم كفاءات تسهم في إنجاح الفترة الانتقالية"، وبالرغم من أنه يقر باستحالة تمثيل كافة الأطراف في السلطة، يقول زكريا بأنهم توصلوا لصيغة تحقق تمثيلاً رمزياً لأطراف السلام.

وكشف زكريا عن أنهم" اتفقوا بعد زيادة عدد مقاعد مجلس الوزراء ليكون نصيب أطراف السلام 6 وزارات، وزارتين سياديتين، ومثلهما من الوزارات الخدمية، و2 من الوزارات التوجيهية"، دون أن يؤكد أو ينفي ما يشاع عن وزارات محددة منحت لأطراف السلام.

وقال محمد زكريا بأنهم" توافقوا حول القوائم الأولية بين الأطراف"، نافيا صحة ما يتم تداوله بشأن أسماء الممثلين في مجلس السيادة والوزراء، مؤكداً بأن" هذا الأمر لم يحسم بعد، وتوقع أن يحسم غدا الاثنين".

واعتبر محمد زكريا حضور وتمثيل رؤساء حركات الكفاح المسلح وتوافقهم على المشاركة في السلطة رسالة للمشككين في قوى السلام ويرون بأنهم فقط طلاب سلطة، وبأنهم يختلفون في تقسيمها، مؤكداً بأن الوظيفة العامة هي مدخلاً لخدمة الشعب.

تحول في شكل الدولة

ويرى القيادي السابق في (حركة جيش تحرير السودان) محمد علي بكر، في تصريح لوكالة "سبوتنيك"، أن "هذا اليوم يمثل تحولاً كاملاً من شكل الدولة القديمة وتشكل دولة جديدة، وانتقال من مرحلة الحرب إلى السلم"، معتبرا، أن "هذا نصر للشعب السوداني كله".

السودان يستعد لـ"احتفالات السلام"... وحميدتي يستقبل الوفود

 وأضاف "هذا الانتصار لن يتحقق بشكله الكامل ما لم ينضم كل رفاق الكفاح المسلح لركب السلام، وإنهاء مرحلة طويلة من الحرب وبداية مرحلة جديدة من السلام والتنمية والاستقرار".

ولا يعتقد بكر بأن صراعاً سينشأ بين الحركات بسبب السلطة مضيفا "الأمر يحتاج حساسية عالية وتنازلات كبيرة، باعتبار أنهم كانوا رفاق درب ولا يجب أن تكون السلطة والثروة سبباً للصراع بينهم".

حصة الجبهة الثورية في الحكم

أقرت الاتفاقية في بروتوكول القضايا القومية في البند (الرابع) على تمثيل أطراف العملية السلمية الموقعة على الاتفاق بإضافة ثلاثة 3 أعضاء في مجلس السيادة الانتقالي، وعلى تمثيل أطراف العملية السلمية في مجلس الوزراء بعدد 5 وزارات، وفقا للإجراءات المعمول بها في الوثيقة الدستورية، أي ما يعادل نسبة 25 بالمئة من مجلس الوزراء، وبزيادة عدد الوزارات في مجلس الوزراء أصبحت نسبة أطراف السلام 6 وزارات.

وفيما يخص المجلس التشريعي الانتقالي، اتفق الطرفان على تمثيل أطراف العملية السلمية الموقعة على الاتفاق في المجلس التشريعي الانتقالي بنسبة 25 بمئة والتي تساوي 75 مقعداً من عدد المقاعد الكلي البالغ 300 مقعداً.

وبالنسبة للعاصمة القومية (الخرطوم)، اتفق الأطراف على أنها تشكل  بمدنها الثلاثة رمزاً للوحدة الوطنية بما تذخر به من التنوع الثقافي والاجتماعي وتعدد المعتقدات والعادات، ما يتطلب مراعاة مشاركة جميع أهل السودان في إدارة هذا التنوع الكبير، ويرون بأنه يجب أن تنشأ إدارة خاصة للعاصمة القومية يراعى فيها تمثيلاً عادلاً لأهل السودان، على أن يقرر فيها مؤتمر نظام الحكم والإدارة المتفق عليه.

وتشارك أطراف السلام كذلك في المفوضيات واللجان والهيئات والمؤسسات القومية المنصوص عليها في اتفاقيات السلام، ويتم الالتزام في التمثيل فيها وفقاً للنصوص الواردة في اتفاقيات السلام المبرمة في مسارات التفاوض المختلفة، وكذلك اللجان القومية التي  تتطلب طبيعتها تعيين شخصيات حزبية، يتم تمثيل أطراف عملية السلام بنفس نسبة تمثيلها على المستوى القومي ويشمل ذلك رئاسة تلك الأجسام دون المساس بما تم الاتفاق عليه في مسارات التفاوض المختلفة.

العدالة الانتقالية

وحول ملف العدالة الانتقالية قال الخبير السياسي، ياسر العبيد، لوكالة "سبوتنيك"، إن "مفاوضات جوبا اهتمت جدا بقضية العدالة الانتقالية ولكن لم تنعكس على الأرض حتى الآن، وكنا نتمنى أن يتزامن الحوار حول العدالة الانتقالية مع تبصير المواطن السوداني في الريف والحضر بماهية العدالة الانتقالية عبر مراكز الدراسات والجامعات ودور الأحزاب السياسية ونشر الوعي بها، حتى يكسب الطرفان في الحكومة والحركات واستثمار الزمن في البناء المؤسسي المرحلة القادمة، خاصة بعد وصول قادة الحركات إلى الخرطوم لتأسيس مرحلة جديدة لنهضة المجتمع السوداني".

وأضاف "بالرغم من أن منبر جوبا ارتفع فيه صوت تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية إلا أن واقع الحال والممارسة على الأرض في دعم القرار من الناحية السياسية والمجتمعية وقضايا العلاقات الدولية تحتاج إلى كثير من النظرة العميقة والمشورة والحكمة والرشد حتى يتم اتخاذ القرار الصائب عبر المؤسسات المختصة والمعنية".

وتابع العبيد "أتوقع أن يواجه الأخوة في (الجبهة) الثورية قضايا أكثر إلحاحا ولن تكون قضية ذات أولوية خاصة وأن السودان لديه من المشاكل ما يشيب له الرأس، وعليه الجبهة الثورية ستتركز في تنفيذ بنود الاتفاق وتوطين النازحين إلى قراهم وعودة اللاجئين واسترداد الأرض والحواكير وبناء السلام المجتمعي وقضية معاش الناس والتي تمثل أولوية لذلك".

موقف رافضي اتفاقية السلام

وفي ما يتعلق بموقف الرافضين قال المتحدث باسم حركة تحرير السودان، محمد الناير، في بيان صحفي، إن" قائدها عبد الواحد محمد نور، وصل إلى العاصمة الأوغندية كمبالا، توطئة لإعلان مبادرة السلام داخل السودان".

وأشار الناير إلى أن" زيارة عبد الواحد إلى القارة الإفريقية تأتي "كخطوة أولى لإعلان مبادرة مؤتمر الحوار السوداني-السوداني داخل البلاد، لمخاطبة جذور الأزمة".

وظلت الحركة تتحدث عن مبادرة للحوار داخل البلاد، بمشاركة جميع القوى السياسية والمدنية والعسكرية سوى نظام الرئيس المعزول عمر البشير وواجهاته، لكنها لم تُعلن عن تفاصيلها الكاملة حتى الآن.

وفي المقابل فشلت الورشة غير الرسمية التي انعقدت في جوبا بين الحكومة الانتقالية والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبد العزيز آدم الحلو في المصادقة على توصياتها الختامية بخصوص فصل الدين عن الدولة وفق الاتفاق المشترك بين رئيس الوزراء الانتقالي عبد الله حمدوك والحلو في أديس أبابا في الثالث من سبتمبر/أيلول الماضي، بسبب تراجع الوفد الحكومي.

صراع "المسلح"

وقبيل وصول قادة حركات الكفاح المسلح، يبرز تحد جديد، وهو صراع بين أطراف الكفاح المسلح في الخرطوم، حيث نشبت (الجمعة) الماضية، اشتباكات في ندوة سياسية لحركة وجيش تحرير السودان المجلس الانتقالي، بضاحية مدينة (الخرطوم بحري)، وبعض مؤيدي حركة وجيش تحرير السودان بقيادة، عبد الواحد محمد نور، وخلف الاشتباك عشرات الإصابات في صفوف قيادة حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي الذي يرأسها، دكتور الهادي إدريس.

وقالت حركة تحرير السودان (المجلس الانتقالي) في بيان لها إنها "تدين الاعتداء الغادر الذي قامت به عناصر تابعة لحركة تحرير السودان جناح نور على الندوة الجماهيرية بضاحية الخرطوم بحري، بمنطقة (الحاج يوسف)، وأضافت أن "الهجوم الذي تم بالأسلحة النارية والبيضاء أسفر عن إصابة عدد من قيادات وكوادر الحركة، إضافة إلى عدد من حضور الندوة.

وتشير الحركة إلى أن "هذا هو الهجوم الثالث من نوعه من نفس المجموعة، على ندوات حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي، وذلك بحجة الملكية الفكرية للشعارات والعلم".

وأكد المجلس الانتقالي أن هذه الحجج واهية لا تعطي أية جهة الحق في الاعتداء الجسدي على أي أحد، خاصة وأنهم في عهد جديد مبني على الاحتكام للقانون والعدالة.

وكشفت الحركة عن انسحاب قوات الشرطة من مكان الندوة أثناء الهجوم، وأدانت الانسحاب واعتبرته أنه أشبه بالتواطؤ مع المعتدين، وطالبت الحكومة بالتحقيق مع القوة المنسحبة دون القيام بواجبها في حماية المواطنين العزل، أو محاولة القبض على العناصر المعتدية، وحملت الحركة الحكومة السودانية كامل المسؤولية في حماية قيادات وكوادر وحضور ندوات الحركة، وأكدت أن لها المقدرة على القيام بهذا الدور في حال فشلت الجهات الأمنية الحكومية عن القيام بدورها المنوط به.

مناقشة