لماذا وصل الاقتصاد السوداني إلى حالة التدهور غير المسبوق في تاريخه؟

يعيش السودان حالة اقتصادية غيرمسبوقة في تاريخه من إنهيار حاد في العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية إلى جانب تحقيق أعلى معدل للتضخم جعله يحتل المرتبة الرابعة عالميا بعد عامين من الثورة التي أسقطت نظام البشير.. فما هى أسباب هذا التدهور الحاد في الاقتصاد السوداني؟
Sputnik

يقول الخبير الاقتصادي السوداني الدكتور محمد الناير: "هناك أسباب كثيرة لانهيار الجنيه السوداني أمام العملات الأخرى ومنها عجز الميزان التجاري والذي ظل يتراوح ما بين 4 - 5 مليار دولار طوال السنوات الماضية، ولم يتحسن بصورة كبيرة ولم يتم تقليل الواردات، بل نقصت الصادرات وعادت أكثرمن 50 باخرة محملة بالماشية من السواحل السعودية لعدم استيفاء الإجراءات الصحية".

عجز الميزان التجاري

البرهان: السودان يحتاج مساعدات مالية لتثبيت وضعه الاقتصادي
وأضاف الناير لـ"سبوتنيك": "هذا علاوة على قلة الإنتاجية في البلاد رغم الموارد الضخمة والتي جعلت الإنتاج غير كاف، كما لم يتم الاهتمام بالقطاع الزراعي بصورة كبيرة، فلو اهتمت الحكومة الانتقالية بهذا القطاع لزادت الصادرات وقلت الواردات من جهة أخرى بصورة كبيرة، الأمر الذي كان سيساهم في عجز الميزان التجاري".

وتابع الناير: "الجديد في الأمر هو عدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بسياسات الدولة الاقتصادية ، باعتبار أن حكومة الفترة الانتقالية تنتهج سياسات من أجل صندوق النقد والبنك الدوليين ولا تراعي ظروف المجتمع السوداني ومستوى معيشته، ويؤكد هذا القرارات التي اتخذتها الدولة في فترة وجيزة، خلال عام 2020 وبداية 2021 هناك زيادة كبيرة جدا في أسعار المحروقات والخبز والتي لا يمكن أن يتحملها المواطن، ويرجع هذا كله إلى أن الدولة لا تمتلك موارد النقد الأجنبي ولذلك تقوم بتحرير أسعار السلع الاستراتيجية وهذا لا يحل القضية".

مضاربات الشركات

واستطرد: "الدولة سمحت للشركات التي تستورد المحروقات بأن توفر النقد الأجنبي الذي تستورد به تلك السلع الاستراتيجية، ولو أن تلك الشركات كانت لها موارد خارجية لما كانت هناك مشكلة، لكن للأسف تلك الشركات تدخل إلى السوق الموازي وتحصل على الدولار بطريقة غير رسمية وهو ما تسبب في الزيادات الكبيرة لسعر الدولار، الدولة نفسها حينما تدخل السوق لتلبية احتياجاتها من الدولار يؤثر ذلك على السعر، ومع لوم أن الدولة عندما أرادت دفع التعويضات لأمريكا عن عمليات تفجير سفارتي نيروبي ودارالسلام، تسببت الدولة في انهيار العملة الوطنية من 140- 350 جنيه قبل أن يرتفع إلى أكثرمن 300 جنيه في الأيام الأخيرة، كذلك عندما تدخل الدولة السوق لشراء الذهب حتى تضمن توفير نقد أجنبي لاستيراد بعض السلع الاستراتيجية، تسبب هذا أيضا في ارتفاع سعر الذهب وبالتالي الدولار، على عكس ما يحدث في دول العالم والذي يرتبط فيه الدولار بالذهب في علاقة عكسية، وهنا تدخل الدولة كجزء من المشكلة وليس الحل".

الاحتياطي النقدي

ولفت الناير إلى أن

"الحلول تكمن في توافر احتياطي من النقد الأجنبي لدى البنك المركزي يعمل على استقرار سعر صرف العملة الوطنية، ويساعد في استقرار سياسة سعر الصرف المعوم المدار، وهى السياسة التي كانت مطبقة ونجحت قبل انفصال جنوب السودان بفضل وجود احتياطي مقدر من النقد الأجنبي، أما تحرير سعر الصرف الآن لتلبية شروط صندوق النقد فهى خطوة انتحارية إذا أقدمت عليها الدولة دون وجود احتياطي من النقد الأجنبي".

تضخم غير مسبوق

كما احتل معدل التضخم في السودان معدلات قياسية أيضا، وأرجع خبراء ومختصون، أسباب ارتفاع معدلات التضخم إلى أرقام قياسية، (غيرمسبوقة) في تاريخ البلاد، وبلغ نهاية العام الماضي إلى أكثرمن 269٪ ،إلى السياسات والقرارات الحكومية التي تتخذ، وشدد الجهاز المركزي للإحصاء، على أن تصاعد (أسعار الوقود وندرته) تسببت في (تضخم عالٍ جدا) في كل ولايات البلاد، وأكد الجهازأن إعلان الحكومة عن زيادة أسعار الكهرباء (سيفاقم بعض الأسعار) تؤدي إلى (ارتفاعات حادة) بالبلاد.

التضخم يعني ارتفاع الأسعار والتكاليف ما ينتج عن ذلك تدهور في القوة الشرائيّة للنقود، ويسبب التضخم ارتفاعا بالكتلة النقدية المتداولة، ويحدث نتيجة خطأ في السياسة النقدية بضخ كميات من النقود، تتجاوز الغطاء المالي أو تزيد عن حجم السلع المتاحة في الأسواق.

وق المدير الإدارة العامة للإحصاءات الاقتصادية بالجهاز المركزي للإحصاء، العالم عبد الغني إن التضخم الموجود في البلاد حاليا بسبب (تصاعد أسعار الوقود وندرته)، التي أدت إلى ارتفاع أسعار النقلل لمواطنو البضائع، في كل ولايات البلاد، وزاد أن معدلال تضخم بلغ في ولايات النيل الأزرق 509٪ ، سنار 355٪ ، 371٪، واعتبره (تضخما عاليا جدا)  بحسب صحيفة "السوداني".

سياسات متوارثة

حمدوك: السودان ليس لديه احتياطيات من النقد الأجنبي تساعد في حماية الجنيه
من جانبها، قالت المحللة السياسية وخبيرة الشأن السوداني، لنا مهدي، إن "التهور غير المسبوق للجنيه السوداني أمام الدولار هو أمر كارثي، حيث وصل سعر الدولار الواحد في السوق الموازي لأكثر من 300 جنيه سوداني، في الوقت الذي لم يتجاوز سعرها لرسمي 55 في البنك السوداني".

وأضافت لـ"سبوتنيك": "هذا التدهور في سعر صرف العملة الوطنية يرجع إلى عدة أسباب أهمها مضاربات أسواق الذهب والخلل في سياسات الصادر للخارج، رغم تحوطات وتحذيرات الحكومة الانتقالية وقطاعها الاقتصادي وضعف الحملات الرسمية للقبض على تجار العملة وتركهم دون رادع، كما أن الخلافات بين اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير ووزيرة المالية المكلفة هبة محمد علي، بجانب وجود تكتلات نقدية خارج مظلة النظام المصرفي الرسمي أحد الأسباب".

وأشارت مهدي إلى أن "هناك عوامل أخرى، منها عدم الإفادة من تحويلات المغتربين التي تحول عن طريق قنوات غير رسمية، بينما لم تضطلع وزارة المالية بدورها في إيجاد صيغة تضمن استقطاب تحويلات المغتربين بأسعار تقارب السعر الذي يحولون به".

وأوضحت أن

"الأزمة الاقتصادية ليست وليدة اللحظة بل تعود جذورها لفترة الإنقاذ، ففي أوائل 2018 عوّم مصرف السودان المركزي رسميا الجنيه، بحيث تدهور سعر صرفه مقابل الدولار، وأكد وزير المالية الإنقاذي وقتها كذبا أن العام القادم 2019 سيشهد انخفاضا في معدلات التضخم متزامنا مع انخفاض عجز الميزان التجاري وهو ما لم يحدث، وترتب على ذلك زيادة معدلات الفقر بين المواطنين الفقراء أصلا كما ترتب ‌‌عليه قفزة في معدلات التضخم، تلاها زيادة جنونية في الأسعار وتأثير كبير على محدودي الدخل، وما أشبه الليلة بالبارحة".

واستطردت: "مع بعض الاختلاف يتكرر السيناريو العبثي ثانية، فالدولة عاجزة والفراغ الحادث قبيل حل الحكومة وتشكيل الحكومة الجديدة جعل الوضع أكثر قتامة للمواطن السوداني".

وتخط ىسعر صرف الدولار في السوق الموازي حاجز 305 للجنيه الواحد، وسادت حالة من الفوضى والارتباك السوق الموازي وسط استمرار شح المعروض، وزيادة الطلب ومضاربات التجار في ظل أزمة اقتصادية طاحنة تعيشها البلاد.

وكانت البنوك السودانية قد بدأت استعدادها للعودة إلى السوق المصرفي العالمي بعد انقطاع دام أكثر من عقدين بعد قرار الإدارة الأمريكية رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

وفي 23 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، توصلت الخرطوم وواشنطن لاتفاق يقضي بإزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب مقابل دفع 335 مليون دولار كتعويضات لأسر ضحايا الهجوم على المدمرة كول في سواحل اليمن عام 2000، وأُسر ضحايا تفجير السفارتين الأمريكيتين في نيروبي ودار السلام في 1998.

وأعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، لاحقا، إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب"، التي وضعته عليها واشنطن في أغسطس/آب 1993 بعد اتهامه بدعم وإيواء مجموعات إرهابية.

مناقشة