بعد سنوات من الصراع... هل تعقد مفاوضات مباشرة بين المغرب و"البوليساريو"

تتصدر الأزمة بين المغرب وجبهة البوليساريو المشهد منذ فترة، حيث شهدت الأشهر الأخيرة الكثير من التغيرات على الساحة الدولية بشأن القضية.
Sputnik

احتل الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء وإقرار افتتاح قنصلية صدارة المشهد، عقب اعتراف بعض الدول العربية، ما رأته بعض الدول مخالفا لمسار القضية المتداولة في أروقة الأمم المتحدة، حيث تطالب الجبهة بالاستقلال وإقامة دولة مستقلة وهو ما تدعمه بعض الدول وعلى رأسها الجزائر.

رغم تأييد 40 دولة... ما فرص تطبيق "الحكم الذاتي" في ظل رفض "البوليساريو"

في آخر مستجدات المشهد طرأت بعض التغيرات في موقف جبهة البوليساريو، قال محمد سالم ولد السالك، وزير خارجية جبهة البوليساريو، إن "الجبهة مستعدة لإجراء مفاوضات مباشرة مع المغرب"، بحسب صحيفة "الأيام" المغربية.

وبحسب الصحيفة، أوضح ولد السالك في مؤتمر صحفي في الجزائر "أن الأمر يتعلق بمرحلة جديدة من المباحثات بهدف التحضير لمرحلة جديدة من المفاوضات المباشرة بين الطرفين".

وأضاف بقوله "نحن مستعدون للدخول في مفاوضات مباشرة مع المملكة المغربية لصنع السلام".

يعود تاريخ الأزمة إلى المفاوضات التي أدت إلى "اتفاق مدريد" بين إسبانيا والمغرب وموريتانيا، ونص على إنهاء الاحتلال الإسباني بحلول فبراير/ شباط 1976.

وحاولت "سبوتنيك" الحصول على تصريحات من الأطراف الرسمية بشأن الأمر، إلا أننا لم نتمكن من تصريحات رسمية بشأن الطرح الجديد.

الدكتور إسماعيل خلف الله، القانوني الجزائري، قال إن "التصريح من جبهة البوليساريو بشأن العودة إلى التفاوض مع المغرب من جديد، يعتبر خطوة إيجابية نحو حل مشكلة الصحراء الغربية".

وأضاف خلف الله في حديثه لـ"سبوتنيك"، أنه "حال وجود إرادة حقيقية من طرف الدول الفاعلة في المجتمع الدولي ونية صادقة في حل هذه الأزمة التي طال أمدها يمكن حلها في وقت قياسي".

ويرى خلف الله أن "الأطراف الدولية غير متحمسة لذلك، وأن الإبقاء على هذا النزاع في المنطقة المغاربية لأهداف ومصالح كثيرة".

ويرى الخبير الجزائري أن "الموضوع أن أولى أوراق التفاوض سيكون بشأن الاستفتاء على تقرير المصير".

على الجانب الآخر، يقول الكاتب والمحلل المغربي يوسف الحايك، إن "الخطوة تشكل إذعانا من قيادات جبهة البوليساريو الانفصالية للأمر الواقع، في ظل المتغيرات الجديدة".

 بحسب تصريحات الحايك لـ"سبوتنيك"، أنه من أبرز التغيرات، تحرك القوات المسلحة الملكية في منطقة الكركرات في نوفمبر الماضي، وإنهاء عرقلة السير التي قامت بها "الجبهة" على الحدود المغربية-الموريتانية.

 دبلوماسيا، باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، إلى جانب افتتاح عدد من الدول قنصليات لها في كل من العيون والداخلة.

جبهة البوليساريو تعلق على الدعم الأمريكي لمقترح الحكم الذاتي

 ويرى الحايك أن "الحديث عن نجاح هذه المفاوضات ليس رهينا بمدى بالمغرب والبوليساريو فقط، ولكن أيضا ببقية الأطراف الفاعلة الأخرى وأساسا الجزائر، وبالتالي من المهم أن تكون هناك جلسات مباشرة".

أشار الحايك إلى أن "موقف المغرب واضح ولا لبس فيه، ومفاده أن التسوية النهائية لملف قضية الصحراء المغربية لا يمكن أن تكون إلا في إطار مقترح الحكم الذاتي، التي تقدم به المغرب، والذي لقي قبولا كبيرا من قبل المجتمع الدولي".

فيما قال الأكاديمي المغربي، عبد الإله الخضري، إن   "السنوات القليلة المقبلة قد تشهد حسما حقيقيا للمعضلة الصحراوية، على نحو يخدم الوحدة الترابية للمملكة المغربية، لكن هذا لن يحول دون الاعتراف بوجود عراقيل جدية، من خلال استحضار نقطتين أساسيتين".

 النقطة الأولى بحسب حديثه لـ"سبوتنيك" تتعلق بردود فعل "الجارة الجزائر"، التي تشكل السند الأساسي سياسيا وميدانيا لجبهة البوليساريو، حيث يضع القادة النزاع في الصحراء بمنزلة العقيدة العسكرية، وبالتالي لا يمكن أن يأمل في تغيير جذري لرؤيتهم.

أما النقطة الثانية، أن العالم برمته بات مقتنعا بأن جبهة البوليساريو تنهل من إيديولوجية زمن الحرب الباردة بين القطبين، وبالتالي نزعتها الثورية أضحت من الماضي غير المتجانس مع المعادلة الدولية الحالية، القائمة على التحالفات الاستراتيجية والمصالح المتبادلة ودرء ظاهرة الإرهاب.

ويرى أن "الحل الأكثر واقعية وموضوعية، والمتمثل في الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يحتاج إلى دفع المغرب إلى تعزيز وحماية حقوق الإنسان، وتكريس الديمقراطية في تدبير الشأن العام ومحاربة الفساد ونهب الثروات".

مسيرة القضية

خضعت منطقة الصحراء الغربية للاحتلال الإسباني منذ عام 1884 حتى توقيع اتفاقية مدريد عام 1975، و في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1975، صدر الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، حول الوضع القانوني لإقليم الصحراء، والذي انتهى إلى أنه، إبان الاستعمار الإسباني، كانت توجد روابط قانونية بين المغرب والصحراء الغربية، متمثلة في روابط البيعة من القبائل المقيمة بالصحراء لسلاطين المغرب، كما وجدت روابط عرقية بين موريتانيا والصحراء الغربية، غير أن كل هذه الروابط لا ترقى إلى جواز بسط أي من المغرب أو موريتانيا سيادته على الصحراء.

وزير الأمن بـ"البوليساريو" يكشف خطة الجبهة لمواجهة المغرب بعد إعلان ترامب

وانتقد المغرب هذا الرأي الاستشاري، الذي استند على المعايير الغربية، ولم يأخذ في اعتباره مفهوم البيعة في الإسلام، التي تقضي بتمتع السلاطين بالسيادة متى حظوا بولاء سكان الأقاليم.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 1975، أطلق ملك المغرب الحسن الثاني ما عرف آنذاك بـ"المسيرة الخضراء"، لاستعادة أقاليم المغرب الجنوبية، وخضعت إسبانيا للضغوط المغربية بقبول مفاوضات مباشرة مع كل من المغرب وموريتانيا حول مستقبل الإقليم.

وأسفرت المفاوضات إلى "اتفاق مدريد" بين إسبانيا والمغرب وموريتانيا، ونص على إنهاء الاحتلال الإسباني بحلول فبراير/ شباط 1976.

لكن الاتفاق لم تقبله الجزائر، وقررت دعم جبهة البوليساريو، عسكرياً.

وجاء الإعلان عما يعرف بـ"الجمهورية الصحراوية" في 27 فبراير/ شباط 1976، وتشكيل حكومة في المنفى في منطقة "تندوف" بالجزائر.

وفى عام 1979، أعلنت موريتانيا التخلي عن مطالبها في الصحراء الغربية، وقامت بتوقيع اتفاق مع جبهة البوليساريو.

واعترفت 21 دولة بما يعرف بـ"الجمهورية الصحراوية"، مما دفع المغرب إلى تعليق عضويته في منظمة الوحدة الأفريقية -الاتحاد الأفريقي حاليا - عام 1984، وعقب قبول عضوية "جبهة البوليساريو عام 1982.

وشدد مجلس الأمن في قراره رقم 658، في يونيو/حزيران عام 1990، على خطة للتسوية تتضمن وقف إطلاق النار عبر شريط بطول المنطقة المتنازع عليها، وإجراء استفتاء يختار فيه شعب الصحراء الغربية بين الاستقلال، أو الاندماج مع المغرب، وعليه تم إنشاء بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية "مينورسو"، لمراقبة اتفاق وقف إطلاق النار في سبتمبر/أيلول 1991.

في 29 يونيو/ حزيران 2001، أيد مجلس الأمن في قراره رقم 1395، مقترح المبعوث الخاص إلى المنطقة "جيمس بيكر"، حول سيادة المغرب على الصحراء لمدة خمس سنوات، يليه استفتاء. وقبل المغرب هذه الخطة، بينما رفضتها الجزائر والبوليساريو.

وفي عام 2003، تقدم جيمس بيكر بمقترح ثان سمي بـ"مخطط البوليساريو"، اشترط لتفعيله الحصول على موافقة كافة الأطراف، وفي ضوء الخلافات التي سادت حول مضمونه بين المغرب وجبهة البوليساريو، لم يتم تفعيل المقترح.

وحاولت الأمم المتحدة تنظيم استفتاء لتقرير المصير منذ 1991، تحت غطاء بعثة الأمم المتحدة، لكنها لم تنجح.

تعليق غاضب من البوليساريو على اعتراف أمريكا بسيادة المغرب على الصحراء الغربية

وفي عام 2007، قدّم المغرب مبادرة حول الحكم الذاتي في الصحراء، تضمنت ممارسة سكان الصحراء لحقوقهم من خلال هيئات تشريعية، بالإضافة إلى إقامة هيئات تنفيذية وقضائية. ورحب مجلس الأمن في قراره رقم 1754، في عام 2007، بالمبادرة المغربية التي وصفها بالجادة وذات المصداقية، مطالباً الأطراف بالدخول في مفاوضات من أجل التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2012، وصل المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة كريستوفر روس إلى المناطق الصحراوية، الواقعة تحت نفوذ المغرب، وزار مخيمات "تندوف"، جنوب غرب الجزائر، بهدف تسهيل المفاوضات المباشرة بين أطراف النزاع، ومحاولة الوصول لحل سياسي عادل ودائم ومقبول.

وخلال عامي 2013 و2014، فشلت كافة المحاولات الرامية إلى توسيع مهمة بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية، وكانت هذه المحاولات سببا في أزمة حادة بين المغرب والمنظمة الدولية

وشهد عام 2020 تغيرات عدة على المستوى الدبلوماسي، حيث اعترفت نحو 20 دولة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء، كما قررت الدول ذاتها ومنها الإمارات والبحرين افتتاح قنصليات لها في مدينة العيون.

مناقشة