حزبيون عن تصريحات الغنوشي: مغالطات وانقلاب على الشرعية

في الوقت الذي تعيش فيه تونس أزمة سياسية ودستورية حادة سببها الخلاف بشأن أداء اليمين الدستورية للوزراء الجدد، أثارت التصريحات الأخيرة لرئيس البرلمان ورئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي جدلا واسعا حول نوايا الحركة.
Sputnik

وقال الغنوشي خلال مشاركته في محادثة مع أنصار "النهضة" عبر تطبيق "زوم"، إن القانون الانتخابي الحالي الذي أفرز شتاتا برلمانيا هو "سبب الداء"، مشددا على ضرورة تغييره واستبداله بنظام برلماني بحت يتحمل فيه الحزب الفائز بالأغلبية المسؤولية ويتولى سن القوانين الضرورية على غرار قانون العدالة الانتقالية والمصادقة على أعضاء المحكمة الدستورية.

"دورك رمزي"... الغنوشي يوجه رسالة إلى الرئيس التونسي على وقع الخلاف الأخير

ووصف الغنوشي الحكم الائتلافي بالضعيف، قائلا إن من سن القانون الانتخابي بعد الثورة هدفه القطع مع نظام الحزب الواحد حتى لو كان ذلك عن طريق الانتخابات، مضيفا أن هذا القانون منع حركة "النهضة" من الحصول على الأغلبية في 2011 كما فعل مع حزب "النداء" في 2014.

واعتبر رئيس حركة "النهضة" أن رئيس الجمهورية قيس سعيد بامتناعه عن قبول أداء اليمين الدستورية للوزراء الجدد فهو يرفض التحوير الوزاري، قائلا إن دوره "دور رمزي".

تصريحات لا مسؤولة

تصريحات الغنوشي أثارت جدلا واسعا في الساحة السياسية وخلفت جملة من التساؤلات حول النوايا الانتخابية لحركة النهضة، والتي حدت بالبعض إلى وصفها بـ "الانقلاب على  الشرعية".

وفي هذا الصدد، وصف النائب عن التيار الديمقراطي في البرلمان رضا الزغمي في حديثه لـ "سبوتنيك" تصريحات الغنوشي بـ "الامسؤولة"،  قائلا إن تونس لها دستور جديد وهو دستور الثورة الذي يحدد صلاحيات رئيس الجمهورية.

وأضاف "هذه الصلاحيات ليست كما صرح رئيس حركة النهضة رمزية أو شكلية، وإنما هي صلاحيات فعلية يمارسها رئيس الجمهورية بكفاءة واقتدار".

وتابع "يبدو أن رئيس مجلس النواب أصبحت تحدوه رغبة ملحة في السطو على مختلف صلاحيات السلطة التنفيذية، وهي محاولة بائسة ورديئة منه لسحب هذه الصلاحيات من رئيس الجمهورية لفائدته كرئيس للبرلمان ولفائدة رئاسة الحكومة باعتبار أن رئيس الحكومة الحالي هشام المشيشي هو حليفه الموضوعي".

ويرى القيادي في التيار الديمقراطي أن هذه التصريحات ستزيد في تعقيد الوضع السياسي في تونس، وبث مزيد من الفوضى والفرقة بين الرئاسات الثلاث.

وقال الزغمي إنه لا يمكن الحديث عن تعديل النظام السياسي دون إيجاد الأرضية الدستورية لهذا التغيير والتي تمثل المحكمة الدستورية أحد أبرز دعاماتها، ودون تنظيم حوار وطني معمق وموسع بين مختلف الأطراف، في ظل وجود تباينات واختلافات عديدة في طبيعة النظام السياسي الملائم لتونس.

واعتبر الزغمي أن كل من يريد تغيير النظام السياسي ليست له رؤية للإصلاح بقدر ما هو يريد أن يخدم مصالح حزبه أو مصالحه الشخصية، قائلا "للأسف غابت عن الرؤساء الثلاث الحكمة والعقل".

خطاب مغالط

إلى ذلك، اعتبر النائب المستقل حاتم المليكي أن تصريحات الغنوشي تتضمن العديد من المغالطات، أولها وصفه للنظام السياسي الموجود في تونس بالبرلماني، وهو أمر يقول المليكي إنه مجانب للصواب، على اعتبار أن رئيس الجمهورية منتخب مباشرة من طرف المواطنين.

وأضاف في حديثه لـ "سبوتنيك"، أن الغنوشي أراد من خلال هذه التصريحات إيهام الناس بأن النظام الحالي هو نظام برلماني يتضمن جملة من النقائص التي يجب تداركها وتغييرها على شاكلة الأنظمة البرلمانية الأخرى المعتمدة في العالم.

وقال المليكي "حركة النهضة تعتبر دائما أن النظام البرلماني هو الأنسب لها، على اعتبار أن النظام الرئاسي سيجعلها خارج دائرة الحكم، وهو ما أثبتته الانتخابات الرئاسية".

ويرى النائب المستقل أن تصريحات الغنوشي تترجم رغبته في جعل البرلمان مؤسسة موازية لمؤسسة رئاسة الجمهورية، وفي جعل نفسه أيضا رئيسا موازيا لرئيس الدولة قيس سعيد.

وشدد أن توقيت التصريح يطرح نقاط استفهام عديدة، خاصة وأنه يتزامن مع الصراع الدائر بين رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي، مضيفا أن الغنوشي أراد القول أنه يمتلك سلطة القرار وأنه ليس من حق رئيس الجمهورية ممارسة صلاحياته في تفسير الدستور.

تغيير النظام السياسي

ويرى النائب المستقل حاتم المليكي أن مراجعة النظام السياسي مسألة جوهرية، في ظل التداخل الحاصل بين السلطات الثلاث.

واعتبر أن النظام الرئاسي الديمقراطي هو الأفضل لتونس، بمعنى أن ينتخب رئيس الجمهورية مباشرة من قبل المواطنين وأن يعرض فريقه الحكومي على البرلمان للمصادقة عليه، بينما يضطلع مجلس النواب بمهمة تشريع القوانين ومراقبة أداء الحكومة ومساءلتها.

وأوضح أن مطالبة رئيس حركة النهضة بتعديل النظام السياسي من برلماني معدل إلى برلماني بحت بعيد عن الواقع لأسباب عدة، حصرها المليكي في عدم وجود ضمانات لتكوين أغلبية برلمانية، وفي غياب أحزاب سياسية تقليدية تمتلك مواقف مبدئية وواضحة.

وتابع "ما تفعله حركة النهضة هو إيهام الشعب بأن تقليص العتبة الانتخابية وإضفاء تعديلات على النظام الانتخابي سينتجان برلمانا متجانسا ذو أغلبية واضحة، وهو أمر مجانب للصواب لأن المشهد السياسي في تونس لم يصل إلى مرحلة تكوين حركات سياسية مجتمعية تمتلك قاعدة واسعة وراسخة من المنخرطين على حد تعبيره.

واعتبر النائب حاتم المليكي، أن الوضع الراهن في البلاد والصعوبات الاقتصادية والاجتماعية تتطلب وحدة القرار ومواقف جريئة ضمن نظام رئاسي ديمقراطي وليس استبدادي.

مناقشة