مخاوف من تحول الشارع التونسي إلى حلبة صراع بين الأطراف السياسية

أثارت الدعوات الأخيرة التي أطلقتها بعض الأحزاب السياسية إلى الاحتشاد والتظاهر مخاوف التونسيين من تحول الشارع إلى حلبة صراع بين الأطراف السياسية بعد أن فشلت في حل الأزمة داخل المؤسسات الرسمية وإيجاد حل توافقي داخلي ينهي أزمة الحكم.
Sputnik

فبعد المظاهرات الأخيرة التي تخللتها دعوات لإسقاط النظام وحل البرلمان، قاد الحزب الدستوري الحر (معارض) تحركا احتجاجيا واسعا في محافظة سوسة، يوم الأحد الفائت، للمطالبة بحقوق الشعب في التنمية ورفضا للسياسات المتبعة سواء من رئيس الحكومة هشام المشيشي أو من رئيس البرلمان راشد الغنوشي.

الإفراج عن رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي
بدورها، دعت حركة النهضة أنصارها وداعميها من الأحزاب السياسية إلى الاحتشاد وتنظيم مسيرة احتجاجية، يوم السبت المقبل الموافق لـ 27 فبراير/شباط 2021، دعما لحكومة هشام المشيشي و"حماية للشرعية وللديمقراطية".

ولاقت هذه الدعوة معارضة واسعة من قبل الأحزاب المعارضة وحتى من داخل الحزام السياسي الداعم للحكومة ومن بعض قيادات الحركة ممن حذروا من مغبة استغلال الشارع لغايات سياسية.

محاولة للاستقواء بالشارع

وفي هذا الإطار، قال القيادي والنائب عن التيار الديمقراطي لسعد الحجلاوي لـ "سبوتنيك"، إن الدعوات إلى التظاهر التي تكتسي طابعا سياسيا هي محاولة لتحويل الصراع القانوني والدستوري إلى الشارع الذي من المفترض أن يكون وسيلة للضغط على السلطة أو للتعبير عن الرأي في موضوع معين.

وأضاف: "في الأنظمة الديمقراطية تحل الخلافات السياسية داخل المؤسسات الدستورية الرسمية، واستغلال الشارع لغايات سياسية هو أمر خطير إذ يمكن أن يفتح ذلك الباب إلى الفوضى وحتى إلى الاقتتال والحروب الأهلية".

وانتقد الحجلاوي نزول الحزب الدستوري الحر إلى الشارع نهاية الأسبوع المنقضي، قائلا إن رئيسة الحزب عبير موسي هي جزء من أسباب الأزمة داخل مجلس نواب الشعب وأحد المكونات المعطلة لعمل البرلمان.

سكان ولاية تونسية يبدأون إضرابا عاما عن العمل لتنمية منطقتهم
وتابع "في خصوص حركة النهضة أستغرب كيف أن حزبا حاكما ينزل إلى الشارع بحجة المحافظة على الديمقراطية وحماية الانتقال الديمقراطي، فالأولى على الأحزاب الحاكمة أن تحافظ على الديمقراطية عبر المؤسسات الرسمية وعلى رأسها  المحكمة الدستورية".

وتساءل الحجلاوي: "لماذا لم تسعَ حركة النهضة إلى تكوين المحكمة الدستورية عندما كانت تحكم مع حزب نداء تونس منذ 2014 وإلى حدود 2019 بأغلبية مريحة جدا بما يقارب 180 مقعدا؟".

واعتبر النائب أن حركة النهضة تريد الآن الاستقواء بالشارع وتأجيج الصراع خاصة وأن خلافها الأساسي مع رئيس الجمهورية قيس سعيد.

دعوة للفوضى

ويرى النائب المستقل عدنان الحاجي في حديثه لـ "سبوتنيك"، أن دعوة حركة النهضة إلى النزول إلى الشاراع باسم الشرعية هي دعوة للفوضى وتجاوز للحدود.

وبيّن أن مؤسسات الدولة هي من تحمي الشرعية وليست الأحزاب السياسية خاصة وأن النهضة من الأحزاب الداعمة للحكومة، قائلا إن "الشارع هو مكان المعارضين المحتجين على السياسات والمواقف التي تتخذها الحكومة وليس مكانا للتناطح بين أنصار النظام ومعارضيه".

رئيس كتلة النهضة بالبرلمان التونسي: سننزل إلى الشارع
ونبه الحاجي من مغبة هذه الدعوة خاصة وأنها صاحبتها دعوة مماثلة من الحزب الدستوري الحر ومن بعض الأحزاب اليسارية التي عبرت عن استعدادها للتظاهر يوم السبت القادم.

وأضاف: "وجود  ثلاث قوى متناقضة ومعادية لبعضها البعض في نفس الوقت قد يسبب إحراجا للحكومة وللسلطة وللأمن من ناحية، وقد ينجر عنه ما لا يحمد عقباه من مواجهات وتلاسن من ناحية أخرى".

واعتبر الحاجي أن دعوة النهضة للتظاهر دعما للشرعية هو عمل أخرق وغير رصين وغير ديمقراطي، على اعتبار أن الشرعية مهزوزة بطبيعتها بتقرير محكمة المحاسبات الذي أثبت استعمال حزبيْ النهضة وقلب تونس لأموال مشبوهة خلال الانتخابات.

وتابع: "الشرعية التي تتحدث عنها النهضة اهترأت واهتزت نتيجة الفشل المستمر والأزمة المركبة التي تعيشها البلاد والتي طال زمانها ولم نستطع الخروج منها".

واعتبر الحاجي أن غاية النهضة من النزول إلى الشارع هي المرور بقوة والتصدي لأي صوت من الأصوات الداعمة للإصلاح والمطالبة بإنهاء منظومة الفشل.

لحماية الدستور التونسي... "النهضة" لأنصارها: شاركوا بكثافة في مظاهرة السبت المقبل
وختم: "ما تفعله النهضة وأنصارها هو استعراض للقوة واسترجاع للأنفاس، خاصة أمام استطلاعات الرأي التي أثبتت في كل مرة تراجع شعبيتها أمام بقية الأحزاب وخاصة الحزب الدستوري الحر".

استعراض للعضلات

من جانبه صرح النائب عن كتلة الإصلاح حافظ الزواري لـ "سبوتنيك" أن كتلته (داعمة للحكومة) رفضت الانخراط في هذه المسيرة، مشددا على أن النزول إلى الشارع لا يمكن أن يحل مشاكل البلاد.

وأفصح أن كتلة الإصلاح ترفض هذا التمشي الذي تبنته حركة النهضة وغيرها من الأحزاب الأخرى على اعتبار أنه سيسهم في تأجيج الوضع وتغذية الخلافات وقد يقحم البلاد في سيناريوهات سوداء.

وقال: "الدعوة إلى التظاهر هي نوع من الاستغلال واستعراض العضلات من قبل الأطراف السياسية التي تعتقد أن الشارع ملك لها"، مضيفا أن هذه الدعوات تهدد استقرار الدولة وتدعم في المقابل سلطة المواطن والفرد، محذرا من تغذية الشعبوية والدفع نحو عودة المجتمع القبلي والجهوي.

وقال الزواري إن الحل الأسلم للخروج من هذه الأزمة هو جلوس مختلف الأطراف إلى طاولة الحوار لحل الخلاف القائم بين رئيسي الحكومة والبرلمان وبين رئيس الجمهورية، محذرا من أن الوضع الاقتصادي الكارثي للبلاد لا يسمح بمثل هذا التناحر السياسي.

مناقشة