رغد صدام حسين وسيف الإسلام القذافي... لماذا يعشق بعضهم "النوستالجيا"

تسبب الظهور الأخير لابنة الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، وبعض الأخبار المتداولة حول نجل الرئيس الليبي الراحل، معمر القذافي، بطرح الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول الجدل الكبير الذي رافق هذا الظهور وانقسام الشارع العربي بين مؤيد ومعارض.
Sputnik

تصدرت ابنة الرئيس العراقي السابق، رغد صدام حسين، لأكثر من أسبوع عناوين الأخبار، في مشرق العالم العربي، بالتزامن مع خبر آخر شغل غربي العالم العربي حول ترشح نجل الرئيس الليبي السابق، سيف الإسلام القذافي، للانتخابات الليبية، وبرغم نفي الخبر، اشتعل الحنين في فؤاد الكثيرين للعودة إلى الماضي، بجميع تفاصيله وأشخاصه، حنين حتى لقسوته، من وجهة نظر بعضهم.

"أهم كلمة لها"... رغد صدام حسين تنشر فيديو جديدا لأفراد عائلتها من داخل منزلها
المتتبع لهذين الخبرين، من المؤكد أنه لاحظ التعليقات الكثيرة على وسائل التواصل الاجتماعي التي رغبت بعودة هؤلاء بشكل أو بآخر إلى السلطة، حالة غريبة من جهة، لكنها حالة موصّفة بشكل دقيق لدى علماء النفس والتاريخ، والسؤال هنا، ما مبررات هذه الحالة وأسبابها؟

نوستالجيا الماضي تتربص بالحاضر

ظهرت النوستالجيا كمصطلح في القرن السابع عشر، عندما استخدمها طالب الطب في جامعة "بازال" السويسرية، يونس هوفر، لوصف حالة الألم الناتج عن الرغبة في العودة إلى الموطن الأصلي، وتطور استخدام المصطلح ليوصف لاحقا حالة التعلق بالماضي بأشكاله المختلفة، من المكان إلى الزمان إلى الأشخاص.

الكلمة التي بدأت عند ظهورها كمصطلح طبي، أخذت منحى آخر مع مرور الزمن، حيث بدأت تعبر عن مشكلة نفسية يعاني منها الكثيرون، وهي الاكتئاب، وربما في هذا التفصيل (الطبي – النفسي) يكمن سر حب البعض لحالة النوستالجيا في بلداننا العربية، خصوصا بعد نشوب حريق "الربيع العربي"، لكن ماهي مبررات هؤلاء؟

نوستالوجيا المقارنة

أكثر المبررات التي يمكن رصدها من خلال التعليقات المشاهدة على وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرا، هي مقارنة الواقع العربي الحالي في البلدان التي شهدت أزمات وحروب أخيرة مثل العراق وليبيا، بالواقع بالسابق.

هل يملك سيف الإسلام الحل ويترشح لرئاسة ليبيا؟
مقارنة، يمكن القول إنها محقوقة من حيث المبدأ، حيث يقارن أغلب هؤلاء الواقع الأمني والاقتصادي والسياسي، في بلدانهم اليوم، وبين حالها قبل سنوات.

وهنا للأسف يمكن القول، إن بعض الدلائل والمقارنات صحيحة، حيث إن الواقع الأمني والاقتصادي بالنسبة للمواطن، بشكل نسبي، كان أفضل بكثير، وهنا يكفي مقارنة أعداد القتلى الناجم عن الصراع بعد ذهاب هذه الأنظمة، وتؤكد الأرقام أن الدمار الحاصل بعد ذهابها (الأنظمة) كان أكبر بكثير، خصوصا في حال وجود تدخل عسكري قسري لإسقاطها، كما حدث في العراق وليبيا واليمن.

الخوض في هذه المسألة طويل و"بيزنطي" ولن يصل بنا إلى نتيجة، خصوصا أن هناك وجهة نظر أخرى على الساحة العربية تؤكد أنه من حق حذه الشعوب أن تعبر عن حريتها وتطالب بإصلاحات، لكن، من جهة أخرى، كان من حقها أيضا أن تحظى بتجربتها الخاصة بعيدا عن التغيير القسري للواقع، وتستطيع هذه الشعوب تغيير واقعها بمفردها وبطرق سلمية، والأمثلة كثيرة على ذلك، لكنها تحتاج إلى "نضج" تجربتها الخاصة (السياسية والفكرية) لتصل إلى هذه المرحلة.

"لن نطيح بالأنظمة"... أمريكا تكشف عن تغير جذري في سياستها الخارجية
اكتئاب جماعي... "نكوص" إلى الماضي

الأزمات المتتالية التي أصابت بعض البلدان العربية، واستمرارها على مدى سنوات، تسببت بانتشار ما يمكن أن يطلق عليه "الاكتئاب الجماعي"، اكتئاب ينشأ من الأطفال الذين لامست أناملهم تفاصيل الحرب بدلا من أقلام المدارس، إلى الأسرة التي لم تعد قادرة على سد حاجاتها من أساسيات الحياة اليومية، إلى الواقع الخدمي والمعيشي السيء جدا. خلفت سنوات الحرب مدنا مدمرة وعائلات مشردة، خطفت بعض أفرادها وسبت نسائها (إزيديات العراق)، والكثير من المآسي التي لن تسطع الكلمات توصيف شدتها وقسوتها.

اكتئاب جماعي دفع الكثير من الأفراد إلى الهروب من واقعهم و"النكوص" في حياة الماضي حيث كان للأسرة مكانتها، وللمنزل حرمته، وللأب كلمته، حنين لزمان فقدوه ولم يجدوه في واقعهم الحالي.

المقال يعبر عن رأي كاتبه فقط.

مناقشة