مجتمع

تونسية تحترف تحويل الخردة إلى قطع فنية قيمة... فيديو وصور

قليلون هم الذين يرون الجمال في الأشياء التي تُركت للإتلاف، وإيران ونّاس واحدة من النساء اللاتي تمتلكن نظرة ثاقبة وخيالا خصبا مكّناها من تحويل القبح إلى جمال.
Sputnik

في مدينة المرسى بالضاحية الشمالية للعاصمة التونسية، تنكب إيران ونّاس (48 سنة) في مستودعها على تحويل القطع الحديدية القديمة أو ما يصطلح عليها بـ "الخردة" إلى قطع فنية وتماثيل قيّمة مستخدمة موهبتها التي اكتشفتها عن طريق الصدفة.

فعلى الرغم من حرفيتها المبهرة وإتقانها لفن تحويل المهملات المعدنية عديمة الفائدة إلى أعمال فنية، فإن إيران لم تلتحق يوما بكلية الفنون الجميلة ولا درست أي نوع من الفنون الحرفية، فهي خريجة الآداب الفرنسية.

تقول إيران في حديثها لسبوتنيك "درست الآداب الفرنسية وزاولت مهنة تعليم هذه اللغة لسنوات، قبل أن تأخذني الخردة إلى عالم آخر حيث تتحوّل الأشياء منتهية الصلاحية إلى تماثيل مكتملة البناء وذات قيمة".

وأضافت: "بدأت حكايتي مع الخردة من خلال الرسم، قبل أن تنمو بداخلي رغبة شديدة في صنع الأشياء بأناملي وببصمتي الخاصة". وتابعت: "كنت أشكّل مجسمات غير مكتملة ثم أصلحها إلى أن تعلمت طريقة النحت ولحام المعادن".

ويبدو أن خبرة إيران في الرسم ساعدتها على إضفاء لمسة فنية وواقعية على المنحوتات التي تصنعها، حيث تجعلها تنبض بالحياة بعد أن كانت مجرد قطع معدنية صدئة وممتلئة بالأوساخ.
وتربط إيران ونّاس بين عالميْ الآداب والفن قائلة: "عادة ما يتساءل الناس عن كيف تركت مهنة التدريس لأنكب على فن الخردة، بينما أجد شخصيا علاقة قوية بين هذين المجاليْن، فالفن والآداب يشتركان في نقطة التفكير والتأمل اللذان يوسّعان خيال الفرد بما يكسبه المهارة والخبرة والقدرة على الإبداع".
فن الخيال

وتمكّنت إيران بعد زمن قصير من تحويل مستودعها الذي أطلقت عليه اسم "Le balon rouge - البالون الأحمر"، إلى مزار مليء بالتماثيل والقطع الفنية التي تجسّد بها مجسمات مختلفة على غرار الدراجات الهوائية والشخصيات البشرية الخيالية والبالونات والثريات التي تزين أسقف المنازل والمحلات.

وتشرح ونّاس لسبوتنيك ما يعنيه اسم مستودعها قائلة: "اخترت تسمية البالون الأحمر لأنه يعكس الفرح والبهجة، وهو نفس الاحساس الذي يخالجني حينما أنظر إلى قطع الخردة كيف تحولت إلى مجسمات فنية بعد أن وضعها الناس في مكب النفايات".

وتصف إيران المراحل التي تمر بها القطعة الفنية لتصل إلى شكلها النهائي، موضحة أن المرحلة الأولى والتي تستغرق الكثير من الوقت والجهد هي التفكير وتخيّل شكل المجسم، ثم البحث عن القطع الحديدية التي تتناسب معه وتنظيفها من الشوائب، ثم تطويعها عن طريق اللحام، وأخيرا دهنها وإكسابها ألوانا تتناسب مع كينونتها.

الاتحاد العام التونسي للشغل يؤجل كافة أنشطته

وتلخص إيران عملية تحويل الخردة إلى تماثيل ومجسمات بعبارة "فن الخيال"، معتبرة أن الخيال هو العمود الفقري لعملها، وأوضحت "لا أحدد شكل القطعة الفنية وإنما أترك خيالي ليقودني إليها، فأحيانا أبدأ مثلا في صناعة رجل ثم يوحي لي المجسم بفكرة أخرى بعيدة تماما عن الأولى".

وجود إيران داخل أكوام الخردة لم يكن سهل القبول لا بالنسبة لعائلتها التي ترى أنه مكان مليء بالأوساخ ومصدر محتمل للأمراض الناجمة عن القطع الحديدية الصدئة، ولا بالنسبة للأشخاص الذي يقتاتون من جمع الخردة ويستغربون وجود امرأة داخل مكب للنفايات الحديدية.

فالمجسمات الفنية التي تصنعها إيران تتطلب منها البحث عن القطع الحديدية داخل مكب "يهودية" الواقع بضاحية المرسى، حيث يتواجد العشرات من الأشخاص ممن يشرفون على المكب أو ممن يقتاتون أيضا من تجميع الخردة ثم بيعها.

وعن هذا تقول إيران: "وجودي وسط هؤلاء كان أمرا غريبا بالنسبة للكثيرين وأحيانا مريبا، فهم يستغربون وجود امرأة داخل مكب للخردة".

وتابعت: "بعضهم رفض حتى التعامل معي، لكن الصورة اختلفت اليوم وأصبح وجودي بينهم مصدر فرح لهم، ببساطة صرت واحدة منهم، وحتى عائلتي أصبحت مصدر دعم وتشجيع لي".

داخل مكب الخردة، يصبح كل شيء قيّما بالنسبة لإيران، فهي لا تجمع فقط القطع التي تراها مناسبة لاستكمال مجسماتها، وإنما تلتقط كل ما تجده في طريقها من قطع حديدية مهما كان شكلها ومهما ثقل وزنها.

ولا تبحث إيران من خلال تجميع الخردة عن ممارسة هوايتها في تحويل القطع الحديدية إلى أعمال فنية تبهر بها زائريها وتغذي رغبتها في الخلق والإبداع، وإنما أيضا إبلاغ رسالة مفادها أنه يمكن الاستفادة من الأشياء المتروكة للإتلاف من خلال إعادة رسكلتها وتطويعها في مجالات مفيدة.

مناقشة