تونس: انتشار كبير لسلالة كورونا البريطانية ومخاوف من انهيار المنظومة الصحية

تفاقمت المخاوف في تونس من تبعات استفحال فيروس كورونا، في ظل الانتشار غير المسبوق للسلالة البريطانية في البلاد وحديث وزير الصحة عن اكتشاف سلالة جديدة وتسجيل أكثر من ألف إصابة يوميا وعشرات الوفيات بالوباء.
Sputnik

يأتي هذا في وقت حذر فيه أطباء ومسؤولون في قطاع الصحة من عدم قدرة المستشفيات العمومية على استقبال المصابين ولجوء البعض منهم إلى الاختيار بين المرضى وفقا لحالتهم وأعمارهم بسبب امتلاء أسرة الإنعاش ونفاد الأكسجين.

وقبل يومين، صنّف موقع "وورلد ميتر" المتتبع للحالة الوبائية للفيروس حول العالم، تونس الأولى افريقيا من حيث عدد الوفيات بفيروس كورونا، بعد أن سجلت 107 وفاة خلال 24 ساعة، وهي أعلى حصيلة تصلها تونس منذ ظهور الجائحة.

وزير الصحة التونسي: نحتاج إلى قرض لتوفير لقاح كورونا

ووفقا لآخر المعطيات الرسمية، فقد بلغ عدد المصابين بفيروس كورونا في تونس 301627 شخصا إلى حدود يوم 26 أفريل 2021، بينما ارتفع عدد الوفيات إلى 10352 وفاة.

وضع حرج جدا

وفي حديثها لـ "سبوتنيك"، وصفت الناطقة الرسمية باسم اللجنة العلمية لمكافحة انتشار فيروس كورونا في تونس جليلة بن خليل الوضع الوبائي الذي بلغته البلاد الحرج جدا، بعد تسجيل ارتفاع غير مسبوق في عدد المصابين بالفيروس.

وأكدت بن خليل أن معدل التحاليل الإيجابية خلال شهر مارس المنقضي لم يكن يتجاوز العشرة بالمائة من مجموع التحاليل المنجزة، ولكنه اليوم يفوق الثمانية وعشرين بالمائة.

ونبهت المسؤولة من ارتفاع عدد المقيمين في المستشفيات الذي تجاوز 2700 مريض، من بينهم 516 مقيم بأقسام العناية المركزة و148 تحت التنفس الاصطناعي، مشيرة إلى أن هذا العدد في الارتفاع.

وبيّنت بن خليل أن عدد المرضى الذين يحتاجون إلى الإقامة في المستشفيات يزداد بمعدل يتراوح بين 90 و100 مريض يوميا، فضلا عن الارتفاع الملحوظ في الوفيات، قائلة إن جميع المؤشرات أصبحت حمراء.

وفسرت المتحدثة هذا التطور الوبائي بأمريْن، أولها دخول السلالة البريطانية إلى البلاد والتي تمتاز بسرعة انتشارها، حيث أنها أصبحت تمثل 80 بالمائة من مجموع الحالات المكتشفة، وثانيهما عدم تقيد المواطنين بالإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة قبل أسبوعين.

فرضية الإغلاق واردة

وقالت بن خليل إن هذا الوضع حتّم على اللجنة العلمية لمكافحة انتشار فيروس كورونا التفكير في اقتراح إجراءات جديدة لتطويق انتشار العدوى، مؤكدة أن اللجنة ستجتمع اليوم الثلاثاء لرفع قراراتها إلى اللجنة الوطنية التي يترأسها رئيس الحكومة هشام المشيشي.

وأضافت أن جميع الفرضيات تبقى مطروحة على الطاولة ومن بينها فرض الحجر الصحي الشامل أو التمديد في توقيت حظر التجول ليلا ليصبح على الساعة السابعة مساء عوضا عن العاشرة ليلا.

المشيشي يقول إن وضع كورونا في تونس "خطير جدا"

وأفادت بأن اللجنة ستركز اهتمامها على منع دخول السلالات الجنوب افريقية والبرازيلية إلى البلاد من خلال تشديد إجراءات الرقابة على الحدود، مشيرة إلى إمكانية اتخاذ قرار الإغلاق.

وتابعت أن من بين الإجراءات المستعجلة الترفيع في طاقة استيعاب المستشفيات العمومية من خلال تعزيز عدد أسرة الإنعاش التي تسبب امتلاؤها في تأزم الوضع، إلى جانب حث الدولة على التسريع في جلب التلاقيح.

وفي علاقة بالسلالة الجديدة التي أعلن عن اكتشافها مؤخرا وزير الصحة فوزي مهدي، أوضحت بن خليل أن هذه السلالة اندثرت ولم تعد تمثل خطرا.

وتابعت"يدخل الفيروس في حرب مع جسم الإنسان مستخدما سلاح التحور لمنع الجسم من التعرف عليه، هناك تحورات تختفي بسرعة دون أن تنتشر مثل السلالة التي تم اكتشافها مؤخرا، وهناك تحورات تتمادى مثل السلالة البريطانية".

نائب تونسي: أقسام كورونا في المستشفيات العامة تجاوزت طاقتها القصوى

خطر انهيار المستشفيات

وحذر رئيس قسم الاستعجالي في مستشفى عبد الرحمان مامي الحكومي رفيق بوجدارية في تصريح لـ "سبوتنيك"، من الضعف الكبير الذي أضحت عليه المنظومة الصحية العمومية في تونس.

وأكد أن طاقة استيعاب المستشفيات بلغت أقصاها في علاقة بأقسام الأكسجين وخاصة الإنعاش، وهو ما جعل الضغط ينتقل إلى أقسام الاستعجالي التي أصبحت بمثابة غرف إقامة للمرضى الذي ينتظرون شغور الأسرة.

ونبه بوجدارية من الارتفاع المسجل في عدد الوفيات الذي صعد إلى معدل 70 إلى 80 بالمائة يوميا، ما رفع عدد الوفيات الجملي إلى ما يزيد عن العشرة آلاف.

وأشار الدكتور إلى أن العدد الحقيقي للمصابين بفيروس كورونا أكثر بثلاثة أضعاف على الأقل من الأرقام الرسمية المعلن عنها، موضحا "ما تنشره وزارة الصحة يتعلق بالأشخاص الذين أقدموا على القيام بتحاليل الكشف عن الفيروس في حين أن عدد الأشخاص الحاملين للوباء دون أعراض أو بأعراض مشابهة لنزلة البرد لا يمكن إحصاؤه"

وأرجع بوجدارية هذا الوضع إلى الانتشار السريع للسلالة البريطانية وتزامنها مع نزلة البرد وخاصة التعامل الفرجوي مع الفيروس، قائلا "إن التراخي في تطبيق الإجراءات فات الحد، فالأحزاب الكبرى خرجت في مظاهرات حاشدة وهو ما تسبب في إعادة إحياء العدوى بعد فترة من الاستقرار، كما أن عطلة الربيع لم تخلو من التجمعات سواء في المقاهي أو الأعراس والنزل والمطاعم"، مشيرا إلى أن أقل من 10 بالمائة من المواطنين يلتزمون بلبس الكمامات.

وزراء تونسيون يتبرعون بنصف رواتبهم لصندوق مواجهة كورونا

إجراءات منقوصة

وقال بوجدارية إن الحكومة بوصفها سلطة التحكيم اتخذت خيارا شبيها بالحجر الصحي الموجه لتطويق الوضع، من خلال إقرار حظر التجول الليلي على العربات من الساعة السابعة مساء وعلى المواطنين من الساعة العاشرة ليلا إلى جانب إغلاق المدارس والمعاهد، "لكن هذه الإجراءات تبقى منقوصة لأنها لم تتطرق إلى الجانب الوقائي".

وانتقد بوجدارية غياب الحزم في إنفاذ القانون على المخالفين للإجراءات الوقائية، وتواصل معضلة الاكتظاظ في وسائل النقل، وعدم إتباع أسلوب العمل بالأفواج للتخفيف على العمال ومنع انتشار العدوى بين الموظفين، وعدم منع التنقل بين المحافظات رغم تصنيف العديد من المناطق ذات مستوى خطورة عالية جدا، وعدم الترفيع في أسرة الإنعاش.

وأضاف أن النقص الأكبر يبقى في تأخر جلب التلاقيح التي توافدت على تونس بشكل متقطع، قائلا "بعد شهر ونصف على انطلاق عملية التلقيح ضد الفيروس لم يتجاوز عدد الملقحين ثلث المسجلين في منظومة إيفاكس"

وتابع "رغم مرور أكثر من عشرة أيام على الإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة، لم ينزل عدد الإصابات والوفيات عن المعدلات المسجلة يوميا وهو مؤشر سلبي".

ويتخوف بوجدارية من أن إغلاق البلاد سيصبح في مرحلة ما الحل الوحيد لتطويق الوضع الوبائي، قائلا إن البلاد لم تحتمل هذا الإجراء لا من الناحية الاقتصادية ولا من الناحية السياسية.

مناقشة