استقالة أم إقالة... لماذا رحل النائب العام السوداني؟

أثار إعلان الحكومة السودانية قبول استقالة النائب العام وإعفاء رئيسة القضاء، الكثير من التساؤلات حول مستقبل العدالة وحقوق الإنسان في البلاد.
Sputnik

يرى مراقبون أن "قبول الاستقالة وإعفاء رئيسة القضاء، جاء بعد أن ساءت العلاقة وتضاربت اختصاصات النائب العام ولجنة التمكين التي باتت تشرع لكل ما تريد فعله دون حسيب أو رقيب، في حين يرى فريق آخر أن ما حدث يهدف إلى التسويف والمماطلة في محاكمات المتهمين والضالعين بعمليات قتل المتظاهرين والفاسدين حتى لا يتورط بعض الموجودين في السلطة الحالية".

حركة "العدل والمساواة": السودان بحاجة ماسة للوحدة والسلام

ماذا ينتظر السودان في المرحلة القادمة؟

أكد المتحدث السابق باسم الرئاسة السودانية، أبي عزالدين، أن "الأمر المعلوم للجميع هو أن العلاقة بين النيابة العامة وما تسمى بـ (لجنة إزالة التمكين) كانت ممتازة ومريبة في نفس الوقت، نظرا لأنها لجنة غير قانونية وأعمالها غير أخلاقية، وهذا أمر موثق لدى عدة جهات، وأصابها الفساد من كل باب".

 إزالة التمكين

وأضاف عز الدين في حديثه لـ"سبوتنيك"،
"لقد كان يتم التجديد في حبس المعتقلين ظلما دون توجيه أي تهم ولمدة طويلة، مما لفت أنظار منظمة العفو الدولية ومنظمات حقوق الإنسان في العالم، ومع تكرار حوادث وفاة المعتقلين السياسيين في عهد ما تسمى بقوى الحرية والتغيير".

وتابع: "وعلى هذا جاءت تقارير منظمات حقوق الإنسان لتصنع ارتباكا شديدا في العلاقة بين النيابة العامة ولجنة التمكين، وفاقم من ذلك تسرب الأخبار حول التسويات التي تتم مع أهالي بعض المعتقلين السياسيين لدفع مبالغ مالية مقابل إطلاق سراحهم، وصار الرأي العام السوداني يتحدث عن خروج عدد ممن كان يلوك الإعلام سيرتهم بالفساد، دون توجيه أي تهم لهم".

وأضاف عزالدين: "بدأت لجنة التمكين برفع وتيرة استهدافها للنيابة العامة، عقب موافقة النائب العام، تاج السر علي الحبر، على فتح بلاغات ضد عضو لجنة التمكين النافذ وهو رجل الأعمال صلاح مناع، والذي يكسر القوانين ويسافر خارج السودان رغم أنه ممنوع من السفر ويباهي بذلك، ما أدى لشرخ في العلاقة بين شركاء الأمس".

وأشار متحدث الرئاسة، إلى أن "المشاكل تواصلت والخلافات بين الطرفين على مجموعة وكلاء النيابة والقضاة ممن يريدون إعفاءهم من مناصبهم، كجزء من عملية تمكين منسوبي نظام حمدوك والأحزاب اليسارية في سلك القضاء والنيابات، ومن غير المتوقع أن يصل الحلفاء المتشاكسون من قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين إلى صيغة تكفل للمواطن السوداني الحرية والعدالة، في ظل دولة لا دستور لها ولا محكمة دستورية، وتحدث فيها اعتقالات تعسفية بأمر الحكام المدنيين دون سبب سوى التباين السياسي".

وزير العدل السوداني يكشف حقائق عن مشروع قانون الأمن الداخلي المثير للجدل

مضيفا بأن "هناك الكثير من مصادرات للأموال والأملاك الخاصة بالمواطنين دون وجه حق وبدون أحكام قضائية، ودون السماح للمواطنين بالاستئناف ضد أحكام وقرارات حكومة حمدوك ممثلة في ما تسمى بلجنة إزالة التمكين، والتي أصابها الفساد الموثق بصورة أزكمت أنف الشعب وأنوف منظمات حقوق الإنسان حول العالم".

العدالة وحقوق الإنسان

وأوضح عزالدين أن "الوضع الحالي في البلاد غير مبشر رغم الآلة الإعلامية التضليلية، فهو غير دستوري وغير قانوني، وقد قام الرئيس الفرنسي بالتنبيه على هامش مؤتمر باريس، بأن القروض الجديدة لشراء الديون السودانية والوعود الاقتصادية للسودان مرتبطة بعقد انتخابات وتشكيل حكومة وبرلمان منتخب انتخابا حرا من المواطنين، ولعل هذا هو الحل الوحيد للأزمات متعددة الأبعاد التي دخلها السودان بسبب فوضى وضعف وفساد النظام الحالي بعد 11 أبريل/ نيسان، واستهتارها بأسس العدالة وحقوق الإنسان".

العدالة لا تتجزأ

من جهته، يرى رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان، الدكتور محمد مصطفى، أن "العدالة لم ولن تتجزأ فهي متكاملة وأساسها رأس الدولة والسلطة السياسية، فإذا صلحت صلحت سائر أجهزة الدولة".

وأضاف مصطفى في حديثه لـ"سبوتنيك"، إنني "لم أتوقع أن تتهم السلطة السيادية والتنفيذية رئيسة القضاء والنائب العام بالضعف والتراخي في محاكمة كل متهم بارتكاب جرم في حق الشعب السوداني العظيم، فكيف يتراخى النائب العام ورئيسة القضاء في تنفيذ توجيهات من تملك وتوفر لهما أدوات الإكراه والارغام لتسهيل مثول وتنفيذ الأحكام القضائية كيف بربكم؟".

الخرطوم: "سد النهضة" يشكل تهديدا لنصف سكان السودان... فيديو

الحقيقة المرة

وتابع مصطفى: "الحقيقة أن هنالك من يخشى إجراء محاكمات عادلة للمتهمين حتى لا يطاله الاتهام، أو حتى تسليم المتهمين المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، لأنه يخشى أن يتورط ضمن الاتهامات العديدة التي سوف تجر الكثيرين المندسين في أروقة الحكومة الانتقالية، تلك هي الحقيقة المرة التي تؤخر تحقيق العدالة الانتقالية، وبالتالي فإن إقالة رئيسة القضاء أو قبول استقالة النائب العام لا يحرك ساكنا في مجرى العدالة، وإنما يذر الرماد في أعين المراقبين ليبدؤوا فصلا جديدا من الأمل والانتظار الطويل".

وأشار رئيس الحركة الشعبية، إلى أن "ما يجري الآن لا يحقق عدلا، بل هو فصل آخر من فصول التماطل والتراخي والتراجع عن تحقيق العدالة الانتقالية، وأعتقد أن الشعب مدرك وواعي لما يجري، وقد لا ينتظر طويلا حتى يقلب الطاولة مرة أخرى على كل فاسد خائن لا يؤدي الأمانة، ولا يحرص على تأديتها".

وقبل مجلس السيادة الانتقالي في السودان استقالة النائب العام تاج السر علي الحبر، وأعفى رئيسة القضاء نعمات عبد الله محمد خير من منصبها، وفقا لما تم إعلانه، أمس الاثنين، في بيان رسمي.

ولم يقدم البيان سببا للقرارين، لكنه أوضح أن "النائب العام طلب من قبل مرارا التنحي عن منصبه".

حمدوك يأمر بإرسال تعزيزات عسكرية إلى جنوب دارفور بعد أنباء عن مقتل 20 شرطيا

وجاء الإعلان بعد أقل من أسبوع من مقتل محتجين اثنين خرجا في مظاهرات لإحياء الذكرى السنوية لفض "اعتصام القيادة" بالقوة في 2019، في خضم الاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس السابق عمر البشير.

وشكت الحكومة السودانية المدنية الانتقالية من تأخير محاكمة المسؤولين عن مقتل العشرات في فض الاعتصام، وحوادث أخرى مرتبطة بموالين للنظام السابق.

وأبعدت لجنة كلفت استئصال الموالين للبشير من المؤسسات المدنية، عشرات من المدعين والقضاة.

كما تمت إحالة عدة جنود مشتبه بضلوعهم في قتل المتظاهرين إلى السلطات المدنية للتحقيق، الأحد الماضي، وذلك في إجراء هو الأول من نوعه.

وقال رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، عندما سئل عن القضية خلال زيارته الأخيرة إلى باريس، إن "القيادة العسكرية اتخذت إجراء سريعا لرفع الحصانة عن المشتبه بهم".

وقال رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، إن "من استهدفوا المتظاهرين تصرفوا من تلقاء أنفسهم وسيحاسبون".

ويشهد السودان، منذ 21 أغسطس/ آب من العام 2019، فترة انتقالية تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم السلطة خلالها كل من المجلس العسكري، وقوى "إعلان الحرية والتغيير"، قائدة الحراك الشعبي والجبهة الثورية التي تضم عددا من الحركات المسلحة بعد توقيعها اتفاق السلام مع الحكومة السودانية في جوبا.

مناقشة