ما هي الأزمة الاقتصادية؟ وهل تحدث بشكل متعمد؟

تعرف الأزمة الاقتصادية أنها تدهور حاد في الحالة الاقتصادية للبلاد تتجلى في انخفاض كبير بالإنتاج، تعرف على المزيد حول أشهر الأزمات الاقتصادية التي مر بها العالم.
Sputnik

لم تكن الأزمات الاقتصادية ظاهرة وليدة الاضطراب المالي العالمي الذي انطلق في أمريكا عام 2007، مسببا زلزالا اقتصاديا واسع النطاق، ولم تكن أيضا جديدة خلال الأزمة الآسيوية في التسعينيات.

الأزمة الاقتصادية لم تكن حتى شيئا جديدا خلال الأزمة الأقوى في العصر الحديث "الكساد الكبير" أو "الكساد العظيم"، الذي ضرب الاقتصاد العالمي في ثلاثينيات القرن الماضي، وكان له تداعيات ممتدة على دول العالم أجمع.

في الحقيقة، كانت الأزمات الاقتصادية جزءا أصيلا من تاريخ البشرية، وساهمت في انهيار إمبراطوريات عرفها الإنسان قديما، وبعيدا عن الاضطرابات الناتجة عن سوء إدارة موارد البلاد، فحدوث أزمة اقتصادية أمر حتمي لا مفر منه، كل ما في الأمر أن أحدا لا يعلم متى وكيف ستحدث.

قد يكون ذلك بشكل تلقائي، نتيجة الطبيعة الدورية للاقتصاد، أو ربما نتيجة تدخل بشري غير مقصود مثل ازدياد حجم الديون والعجز عن السداد في النهاية، أو ربما بسبب أزمة طبيعية مثل الأوبئة أو الظروف المناخية القاسية أو الزلازل المدمرة.

ولفهم أعمق حول ماهية هذه الأزمات الاقتصادية وأسباب حدوثها، نستعرض في هذا الموضوع بعض الحقائق والمعلومات عن هذا الظاهرة.

ما هي الأزمة الاقتصادية؟

بداية يجب أن نعلم أن مصطلح "أزمة" هو لفظ عام، يستخدم للإشارة إلى مشكلة مؤقتة أو ربما جزئية، فمثلا، ارتفاع أسعار السلع (تفاقم التضخم) قد يشكل أزمة للاقتصاد، لكن قد يتم السيطرة عليها عن طريق السياسات الحكومية والبنك المركزي.

ما المقصود بالتنمية الاقتصادية؟ وما الفرق بينها وبين النمو الاقتصادي؟

بمعنى آخر، ليست كل مشكلة داخل نطاق الاقتصاد يمكنها التأثير عليه، يمكن اعتبارها أزمة اقتصادية شاملة، ولكن إذا لم يتم احتواء هذه المشكلة فربما يحدث ما لا تحمد عقباه، خاصة أن مكونات الاقتصاد متصلة، ويكون لسقوط أحدها أثر سقوط حجر الدومينو على البقية.

على أي حال، يمكن تعريف الأزمة الاقتصادية بأنها "اضطراب حاد ومفاجئ في أي جزء من الاقتصاد، قد يكون انهيار سوق الأسهم، أو ارتفاع التضخم أو البطالة، أو سلسلة من حالات فشل البنوك، ويكون لها تأثيرات شديدة على الرغم من أنها لا تؤدي بالضرورة إلى الركود"، بحسب موقع الأخبار والتقارير الاقتصادية "ذا بالانس".

في المتوسط، تشهد بلد مثل الولايات المتحدة، أزمة اقتصادية كل 10 سنوات أو قرابة ذلك، ويصعب تجنبها نظرا لاختلاف الأسباب في كل مرة؛ الأزمة المالية بين 2008 و2009 كانت سبب فشل البنوك ومشكلة الرهن العقاري، ثم في عام 2020 كان السبب جائحة كورونا.

إقرأ أيضا: أمريكا تشهد أسوأ أداء اقتصادي منذ عام 1946

وكما أشير بالأعلى، فإن الأزمة الاقتصادية على الرغم من تداعيات الحادة، فإنها بالضرورة لا تؤدي إلى تعطل عام للاقتصاد مثل حالات الركود أو الكساد، كما لا يجوز وصف أي أزمة بأنها "انهيار اقتصادي" إلا في حالات معينة.

على سبيل المثال، تسببت الأزمة الاقتصادية في ثلاثينيات القرن الماضي بحدوث كساد عميق للاقتصاد العالمي، وانخفض حجمه بنسبة 15% بين عامي 1929 و1932، مع آثار سلبية ممتدة، لكن خلال الأزمة العالمية بين عامي 2008 و2009، انكمش الاقتصاد بنسبة 1% فقط، وفقًا لبوابة "أرقام" المالية.

أنواع وأسباب الأزمات الاقتصادية

كما هو الحال مع معظم المصطلحات والحالات الاقتصادية؛ لا يوجد تعريف وحيد ومطلق ومجمع عليه من قبل الخبراء، لكن هناك تعريفات شائعة وملخصة للمعنى.

ما هي البورصة؟ وكيف تستثمر في سوق الأسهم

الركود

هو انكماش الاقتصاد (انخفاض حجمه أو ما يعرف بالنمو السالب) خلال ربعين متتاليين (6 أشهر). يعرف أيضا بأنه هبوط حاد في النشاط الاقتصادي لمدة أشهر متتالية.

قد يقع الركود بشكل تلقائي نتيجة الطبيعة الدورية التي يعمل بها الاقتصاد والتي تتشكل من مراحل؛ التوسع ثم القمة ثم الركود ثم القاع ثم التعافي، حيث يبدأ الاقتصاد بالنمو إلى أن يصل إلى ذروته فيقل الطلب بالتزامن مع زيادة الإنتاج، ما يتسبب في صدمة للأسواق.

وهنا يحدث الركود ويستمر إلى أن يصل ضعف النشاط الاقتصادي إلى أدنى مستوى (قاع الدورة الاقتصادية)، وفي هذه المرحلة تكون أسعار السلع انخفضت بشكل هائل، فيبدأ المستهلكون يشترون بكثافة مرة أخرى.

الكساد

يمكن تعريفه ببساطة علي أنه ركود طويل الأمد، أي أن الاقتصاد يظل ينكمش ربما لسنوات، لذا فهو كارثة حقيقية للبلاد، إذ تشير التعريفات إلى أنه يعني تراجع حجم الاقتصاد بنسبة لا تقل عن 10%، وتستمر آثاره لسنوات.

عادة ما يحدث على فترات زمنية متباعدة بخلاف الركود، ويكون نتيجة مجموعة من العناصر المتداخلة في آن واحد، مثل زيادة إنتاج المصانع والشركات بشكل حاد في الوقت الذي يتراجع فيه الطلب بشكل كبير، وينتج عن ذلك قلق كبير لدى المستثمرين.

في هذه الحالة تكون الأسعار مرتفعة ويبدأ المستثمرون في تجنب الشراء، وبسبب خوف المستثمرين ينخفض الإنفاق الرأسمالي، فيقل الإنتاج وفرص العمل، وتزيد البطالة وتتراجع القوة الشرائية للسكان، وهذا هو السيناريو الذي يقع فيه الكساد بشكل طبيعي دون اضطرابات أو تدخلات خارجية.

حدث ذلك عام 1998 في إندونيسيا عندما انخفض حجم اقتصادها بنسبة 18%، فيما انكمش اقتصاد تايلاند بنسبة 15% على مدار عامين خلال التسعينيات.

الركود التضخمي

من بين أنواع الأزمات الاقتصادية الأخرى، هو هذه الحالة النادرة التي يرتفع فيها مستوى البطالة ويزداد التضخم في نفس الوقت، جنبا إلى جنب مع تباطؤ النمو الاقتصادي (ينمو ببطء شديد أو ربما ينكمش حتى).

مع تباطؤ نمو الاقتصاد، تبدأ الشركات في الاستغناء عن بعض موظفيها من أجل توفير الأموال، وبالتالي تتراجع قدرة المستهلكين على الشراء، وينخفض الإنفاق، ويصبح التباطؤ أكثر حدة، وتتعمق الأزمة الاقتصادية، لذا هو من أخطر الأزمات التي قد تعصف بالاقتصاد.

حتى سبعينيات القرن الماضي، لم يكن يعتقد الاقتصاديون أنه من الممكن لحالة مثل هذه (تباطؤ النمو مع تفاقم التضخم في نفس الوقت) أن تقع، حيث ساد الاعتقاد بأن التضخم ناتج عن النمو الاقتصادي الإيجابي.

الانهيار الاقتصادي

لا تعتبر الأزمة الاقتصادية انهيارا إلا عند مرحلة معينة وبعوامل محددة، والانهيار الاقتصادي هو تدهور الاقتصاد الوطني أو الإقليمي الذي يتبع عادة وقت الأزمة. وببساطة يمكن تعريفه بأنه التداعيات التي تعقب الحالات السالف ذكرها.

يحدث الانهيار الاقتصادي في بداية الانكماش الشديد للاقتصاد أو حالات الكساد أو الركود، ويمكن أن يستمر لسنوات عدة اعتمادًا على حدة الظروف. يعتبر الكساد الكبير في الثلاثينيات من القرن الماضي أحد أسوأ الانهيارات الاقتصادية في التاريخ بسبب تأثيره العالمي.

يمكن أن يحدث الانهيار الاقتصادي بسرعة بسبب حدث غير متوقع، أو قد يسبقه مجموعة أحداث أو علامات تشير إلى هشاشة الاقتصاد، ولا يعتبر جزءا عاديا من الدورة الاقتصادية، وفقا لموسوعات المعلومات الاقتصادية والمالية.

أشهر الأزمات الاقتصادية

أزمة الائتمان عام 1772

اندلعت هذه الأزمة في لندن وانتشرت بسرعة إلى بقية أوروبا. في منتصف ستينيات القرن الثامن عشر، جمعت الإمبراطورية البريطانية ثروة هائلة من خلال ممتلكاتها وتجارتها الاستعمارية.

خلق هذا حالة من التفاؤل المفرط وفترة من التوسع الائتماني (الاقتراض) السريع من قبل العديد من البنوك البريطانية، لكن انتهت هذه الفورة بشكل مفاجئ في 8 يونيو/ حزيران عام 1772، عندما فر أحد كبار المصرفيين إلى فرنسا هربًا من سداد ديونه.

انتشرت الأخبار بسرعة وأثارت حالة من الذعر المصرفي في إنجلترا، وبدأ الدائنون في تشكيل طوابير طويلة أمام البنوك البريطانية للمطالبة بسحب نقدي فوري لأموالهم. انتشرت الأزمة التي تلت ذلك بسرعة إلى اسكتلندا وهولندا وأجزاء أخرى من أوروبا والمستعمرات البريطانية الأمريكية.

زعم المؤرخون أن التداعيات الاقتصادية لهذه الأزمة كانت أحد العوامل الرئيسية المساهمة في احتجاجات حزب شاي بوسطن والثورة الأمريكية، بحسب موسوعة المعلومات البريطانية "بريتانيكا".

الكساد العظيم 1929- 1939

كانت هذه أسوأ كارثة مالية واقتصادية في القرن العشرين، ويعتقد الكثيرون أن الكساد الكبير نتج عن انهيار سوق الأسهم الأمريكي عام 1929، وتفاقم لاحقا بسبب القرارات السياسية السيئة للحكومة الأمريكية.

استمر الكساد لمدة 10 سنوات تقريبا وأسفر عن خسائر فادحة في الدخل، ومعدلات بطالة قياسية، وخسارة في الإنتاج، خاصة في الدول الصناعية. بلغ معدل البطالة في الولايات المتحدة 25% تقريبًا في ذروة الأزمة عام 1933.

صدمة أوبك عام 1973

بدأت هذه الأزمة عندما قررت الدول الأعضاء في المنظمة - التي تتكون أساسا من الدول العربية - الانتقام من الولايات المتحدة ردا على إرسالها إمدادات الأسلحة إلى إسرائيل خلال الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة.

أعلنت دول أوبك حظرا نفطيا، وأوقفت فجأة صادرات النفط إلى الولايات المتحدة وحلفائها، وتسبب هذا في نقص كبير في النفط وارتفاع حاد في أسعاره وأدى إلى أزمة اقتصادية في الولايات المتحدة والعديد من البلدان المتقدمة الأخرى.

ما كان فريدًا في الأزمة التي تلت ذلك هو حدوث تضخم مرتفع وركود الاقتصادي في نفس الوقت، وهو ما أشرنا إليه باسم "الركود التضخمي" في الأعلى، والذي عرفه الاقتصاديون آنذاك لأول مرة، واستغرق الأمر عدة سنوات حتى يتعافى الإنتاج وينخفض التضخم إلى مستويات ما قبل الأزمة.

جائحة كورونا 2020

حتى الآن لم يكن الفصل بشكل واضح حول التداعيات الناجمة عن وباء جاحة كورونا، وحجم الأزمة التي شهدها العالم منذ ظهور الفيروس، لكن الثابت حتى الآن باعتراف المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي، هو أن العالم شهد في 2020 أسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد العظيم.

أشارت تقديرات صندوق النقد إلى أن العالم شهد انكماشا في اقتصاده بنسبة 4.4% خلال العام الماضي، الذي شهد ركودا قويا، خاصة بالتزامن مع الموجة الأولى من الوباء، لكن تقييم التداعيات الباقية خلال العام الجاري والقادم، ستأخذ بعض الوقت.

ما هي الأزمة المالية العالمية؟

تسمى أيضا بالركود الكبير أو الركود العظيم تيمنا بالكساد العظيم، وحدث بين عامي 2007 و2008، كانت هذه أسوأ أزمة اقتصادية منذ أزمة ثلاثينات القرن الماضي وحتى قبل أزمة وباء كورونا التي شهدها العالم العام الماضي.

أدت الأزمة، التي أثارها انهيار فقاعة الإسكان في الولايات المتحدة بسبب الديون الكبيرة، إلى انهيار بنك ليمان براذرز (أحد أكبر البنوك الاستثمارية في العالم آنذاك)، ودفعت العديد من المؤسسات المالية والشركات الرئيسية إلى حافة الانهيار، وتطلبت عمليات إنقاذ حكومية.

استغرق الأمر ما يقرب من عقد من الزمن حتى تعود الأمور إلى طبيعتها، مما أدى إلى القضاء على ملايين الوظائف ومليارات الدولارات من الدخل على طول الطريق. أحدثت فوضى في الأسواق المالية في جميع أنحاء العالم.

تداول الذهب عبر الإنترنت ... الطرق المثالية لجني الأموال وأنت جالس في منزلك

الفرق بين الأزمة الاقتصادية والأزمة المالية

الأزمة الاقتصادية ببساطة، كما أشير بالأعلى، هي تدهور مباشر في النشاط الاقتصادي للبلاد قد يؤثر على حجم الناتج المحلي الإجمالي وقد يكون لها تداعيات واسعة النطاق وفقا لحجم الأزمة، كما حدث عند ظهور جائحة كورونا.

أما الأزمة المالية فهي حالة تنخفض فيها قيم الأصول المالية بسرعة في الاقتصاد، وتؤثر بشكل مباشر على القطاعين المالي والمصرفي (وهما من مكونات الاقتصاد الكلي)، وفي النهاية قد يكون لها تداعيات على النشاط الاقتصادي وربما ينتج عنها أزمة اقتصادية كما حدث في عام 2008.

وباختصار، فإن الأزمة الاقتصادية، هي المشكلة التي تضرب النشاط الاقتصادي مباشرة، أما الأزمة المالية فهي التي تضرب جزءا منه وتحديدا في القطاع المالي أو المصرفي، ومن ثم قد تتحول إلى أزمة اقتصادية.

أقرأ ايضا: اهم مصطلحات الاقتصاد والبورصة

الأسئلة الشائعة حول الازمات الاقتصادية

ماذا يجب أن افعل عند حدوث أزمة اقتصادية؟

إذا كانت لديك مدخرات تستثمرها، فإن من الحكمة تنويع هذه الاستثمارات وعدم التركيز على أصل واحد بعينه، لتقليل الخسائر المحتملة في وقت الاضطراب، وقد تحتاج للاستعانة بمستشار مالي لهذا الغرض. ويرى البعض أنه من الحكمة في وقت الخطر التحول إلى الأصول الأمنة مثل الذهب وبعض العملات، وهو ما سنتحدث عنه بالتفصيل في السطور القليلة القادمة.

من المهم أيضا معرفة أن أي أزمة اقتصادية مهما كانت قوتها فإنها ستمر في النهاية وستتعافى الأصول مرة أخرى، يبقى السؤال المهم فقط هو متى يحدث ذلك.

هل هناك مؤشرات عن أزمة اقتصادية قادمة؟

دائما ما يصعب التكهن بحدوث أزمة اقتصادية، لكن حاليا يشهد العالم تعافيا من آثار أزمة كورونا، ويبدو أنه يمضي بخطوات ثابتة نحو الانتعاش، أو على الأقل تحقيق نشاط أفضل مما كان عليه العام الماضي.

بيد أن هذا التعافي يأتي ممزوجا ببعض الخوف من خروج التضخم عن السيطرة، مع تدافع المستهلكين نحو الشراء، الأمر الذي قد يكتب نهاية مبكرة للانتعاش أو ربما يتسبب في حالة من الركود التضخمي، لكنها مخاوف محدودة حتى الآن ويركز الجميع على مرحلة الارتداد القادم في النشاط الاقتصادي.

كيف تنتهي الأزمات الاقتصادية؟

يشير التاريخ إلى أن هناك حاجة إلى عنصرين أساسيين لوقف المرحلة الأخطر من الأزمة الاقتصادية؛ حل شفاف للسبب الرئيسي للأزمة، واستجابة سياسية اقتصادية دراماتيكية تخفف من الضرر الاقتصادي وتؤدي إلى تحول في معنويات الشركات والمستهلكين.

أساسيات الاستثمار العقاري وأفضل أنواعه وهل هو مربح؟

على سبيل المثال، أزمة الكساد العظيم التي اندلعت بسبب انهيار سوق الأسهم في أمريكا عام 1929، والتي أدت إلى انكماش الاقتصاد بأكثر من 25% خلال الأربع سنوات التالية، وإفلاس العديد من البنوك (انخفض عدد البنوك العاملة في الولايات المتحدة بمقدار النصف تقريبا بحلول عام 1933).

كانت استجابة السياسة الاقتصادية في بداية الكساد الكبير ضعيفة للغاية، حيث تم وضع القليل من الحوافز المالية، وسمح الاحتياطي الفيدرالي لمستوى العرض النقدي بالتقلص بشكل سريع، بحسب مجلة "إكونوفاكت" للتحليل الاقتصادي.

لكن انتهى كل ذلك عندما تولى الرئيس فرانكلين روزفلت منصبه في مارس/ آذار عام 1933، وكان من أوائل أعماله إعلان عطلة البنوك التي تطلبت إغلاق جميع البنوك مؤقتا، وخلال العطلة، أقر الكونغرس قانون الطوارئ المصرفية الذي اعتمد، من بين أمور أخرى، تأمين الودائع، وأدت هذه الخطوات إلى إنهاء الأزمة المصرفية.

بدأ الاقتصاد في التعافي على الفور بمجرد معالجة المشكلة الأساسية للأزمة المصرفية، حيث انتعش الإنتاج الصناعي في الشهر التالي وأظهرت بيانات الناتج المحلي الإجمالي نموا في عام 1934.

ثبت من هذه التجربة أن التأخير مكلف للغاية، لكنها ألهمت الاستجابات السياسية اللاحقة، بما في ذلك الاستجابة الفورية للانهيار المالي في سبتمبر/ أيلول 2008 (الأزمة المالية العالمية).

كيف تستعد للأزمات المتوقعة؟

هناك خطوات محددة شائعة ينصح بها المستشارون الماليون حول العالم للاستعداد جيدا للصدمة المالية، والتي من شأنها تعظيم الأصول وحمايتها من التقلبات المحتملة لقيمة المال أو الأصول، ويمكن سرد بعضها كما يلي، وفقا لموقع "كليفر جير فايننس" المتخصص في خدمات التمويل للنساء في أمريكا.

التضخم الاقتصادي... ما أبرز أسبابه وطرق معالجته ومتى يكون مدمرا للدول؟

1. تكديس المدخرات

لمواجهة الركود الذي قد يؤدي إلى ضعف الدخل الشخصي أو حتى البطالة، يجب على المرء أن يحتفظ بمقدر من السيولة المالية لمواجهة الطوارئ، والتي من شأنها رفع الكثير من التوتر عنه أثناء الأزمة وتجنب الديون.

قد يكون من المناسب إعداد محفظة/ صندوق طوارئ (سمها كما شئت) تحتوي على ما يعادل 3 إلى 6 أشهر من نفقات المعيشة الأساسية الخاصة به، استعدادا لأي تغير غير مرغوب خلال أي أزمة عارضة.

وبما أنه من الصعب التنبؤ بأمد الأزمات، فقد يكون من الحكمة زيادة حجم هذه المدخرات إلى ما يعادل 12 شهرا من نفقات المعيشة الأساسية (الغذاء والسكن والمرافق الأساسية والنقل).

2. تنويع الاستثمارات

هذه هي النصيحة الأشهر لأي شخص يستثمر أمواله والتي عادة ما تأتي مصحوبة بحكمة عامة أخرى شهيرة هي "لا تضع البيض في سلة واحدة"، فلا يجب تركيز الحيازات الاستثمارية في سهم واحد أو قطاع واحد أو عقار واحد.

وذلك حتى يكون المرء بأمان إذا تعرض سهم الشركة المستثمر بها أو القطاع المركز عليه لأقوى ضربات الأزمة الاقتصادية المتوقعة، بحيث لا يخسر كل أمواله فجأة.

هذا يعني أنه إذا كان المرء يستثمر في سوق الأسهم على سبيل المثال، أن يضع أمواله في أكثر من شركة عبر قطاعات مختلفة. وقد تكون صناديق المؤشرات والصناديق المشتركة من الخيارات الرائعة (يمكنك معرفة المزيد عنه هذه الاستثمارات من هنا).

3. البيع الهلعي

الخطأ الكبير الذي يرتكبه الناس هو أنهم يبدأون في بيع كل استثمار يمتلكونه عندما يضطرب ​​الاقتصاد، وهذه فكرة سيئة، حيث أنه عند مرحلة ما ستبدأ الأمور في التغير مرة أخرى ويتعافى الاقتصاد.

تشير التجارب التاريخية إلى قلة من المستثمرين الذين بنوا ثرواتهم من خلال الأزمات التي هزت الأسواق، بفضل تمسكهم بل وشرائهم للأصول بأسعار بخس خلال الأزمات، حيث تعافت الاقتصادات لاحقا وأصبحت الأصول ذات قيم مرتفعة، في حين كانت الأغلبية تتخلص من أصولها بأي سعر لتقليل الخسائر (المؤقتة).

إذا كان لدى المرء خطة واضحة لاستثماره على المدى الطويل، فهو في وضع جيد، ومن المرجح أن يتغلب استثماره على الاقتصاد السيئ ويحتل الصدارة.

4. سداد الديون

آخر شيء يريد المرء القيام به هو القلق بشأن الاضطرار إلى سداد الديون في ظل اقتصاد مضطرب، خاصة مع ارتفاع معدلات البطالة، لكن التخلص من الديون بسرعة يوفر الكثير من أموال سداد الفائدة.

بالإضافة إلى ذلك، سيكون قادرا أيضا على استثمار أمواله الإضافية وزيادة مدخرات الطوارئ وتحقيق الأهداف المالية الأخرى.

دليل الاستثمار في الذهب للمبتدئين... هل هو الخيار الأمثل لبناء الثروة؟

من الجيد (إذا وجدت) التركيز على سداد الديون عالية الفائدة قبل التفكير في تكثيف الاستثمار، وذلك لأنه إذا كان لدى الشخص دين عالي الفائدة، فقد تتجاوز تكلفة مدفوعات الفائدة، العائد المحقق على الاستثمار.

على سبيل المثال، إذا كان لديه دين في بطاقة الائتمان بمعدل فائدة 15%، فمن المنطقي أن يسدد هذا الدين بأسرع ما يمكن، ما دام متوسط ​​العائد طويل الأجل في سوق الأسهم أقل من ذلك (بين 9% و12% مثلا).

5. زيادة مصادر الدخل

غالبا ما يتملك الأثرياء مصادر دخل متنوعة (غالبا ما يتملك المليونيرات 7 مصادر دخل على الأقل)، حيث يضمن ذلك زيادة الأموال التي يجنيه الشخص ويضمن له السلامة إذا تضرر أحد المصادر. يجب على الشخص العادي التفكير في استثمار، ليس فقط أمواله، وإنما حتى مواهبه لتدشين مصدر دخل إضافي.

6. ضبط الميزانية

العيش في حدود الإمكانيات المتاحة يعتبر مفتاح بناء الثروة، وهذا يعني أيضا أن المرء يتخلص من الاضطرار إلى الديون ليعيش حياته، ويعني أيضا أنه لا مزيد من استخدام بطاقات الائتمان لدفع الفواتير.

يجب أن يكون الهدف النهائي هو توسيع الفارق بين الدخل الشخصي والمصروفات بقدر ما يستطيع، ويمكن القيام بذلك عن طريق زيادة الدخل (كما أشرنا في السابق) وتقليل النفقات، ومن ثم استخدام الأموال المتبقية في الأشياء التي تهم، مثل الادخار والاستثمار.

7. استخدام مصادر الدخل

إذا وفق المرء في فتح أكثر من مصدر للدخل، فيجب أن يتذكر النصيحة السابقة "العيش على قدر الإمكانيات"، وهذا يشجعه على استخدام مصدر واحد من مصادر الدخل، وتخصيص البقية من أجل أهداف مالية أخرى، مثل الادخار والاستثمار.

8. البحث عن ظيفة مقاومة للركود

هناك بعض الوظائف التي لا يكف الطلب عليها حتى أثناء الركود، مثل الرعاية الصحية والتعليم والصيدلة، وسيكون من الجيد توسيع المهارات لضمان مكان في مثل هذه القطاعات.

لكن هذه الوظائف ليست متاحة للجميع على الفور ويتطلب تعلمها جهدا كبيرا، ومع ذلك، وبفضل الوباء، يمكن أن تكون هناك خيارات أخرى، مثل الوظائف عن البعد التي تزايد الاعتماد عليها خلال الجائحة. من المهم التفكير في اكتساب المهارات مبكرا وباستمرار.

ما هي صناديق الاستثمار؟ وكيف يمكن البدء في بناء الثروة من خلالها؟

الملاذات الآمنة

بعدما أشرنا إلى إعدادات التحصن ضد الأزمة، ننتقل إلى الأسلحة والتيكتيكات المالية في مواجهة الأزمات.

عندما تكون الأسواق المالية في أزمة، كما حدث في أواخر فبراير/ شباط وحتى منتصف مارس/ آذار من العام الماضي أو كما كان الحال في أثناء الأزمة المالية العالمية لعام 2008، يميل المستثمرون إلى الإقبال على الأصول التي يعتبرونها آمنة وعالية الجودة.

تأتي هذه التحركات بغرض الحفاظ على قيمة أموالهم من التآكل وفقدانها في الاستثمارات الأخرى، فمثلا إذا كانت الأزمة تنطوي على ارتفاع كبير لمعدل التضخم، فهذا يعني أن الأموال ستفقد جزءا من قدرتها الشرائية بمرور الوقت، كما أن بعض القطاعات قد تتعرض لاضطرابات حادة وهذا يعني انخفاض قيمة أسهمها في البورصة.

أما أصول الملاذات الآمنة فيقصد بها تلك الأصول التي تميل – تاريخيا – إلى تحقيق أداء جيد في بيئات السوق المتقلبة، ففي حين تنخفض معظم الاستثمارات، تميل هذه الأصول إلى الحفاظ على قيمتها أو حتى تفوق عليها من حيث الأداء في أثناء الأزمات.

ومع ذلك، فإن بعض الأصول التي يمكن اعتبارها ملاذا آمنا في إحدى أزمات السوق قد لا تكون كذلك في الأزمة التالية، ومن الصعب معرفة مسبقًا الأصول التي ستعمل كملاذات آمنة في أزمات السوق المستقبلية، بحسب موقع "تو سيغما إنفستمنتس"، وهو صندوق استثمار أمريكي.

1. السندات الحكومية

تعتبر الديون السيادية في الأسواق المتطورة هي أكثر الأمثلة المتعارف عليها على الأصول الآمنة بسبب التقلبات في الأسواق المالية. سجلت السندات الحكومية في أمريكا وكندا وبريطانيا وأستراليا عائدات موجبة خلال انهيار الأسواق في بداية الوباء.

تعد السندات الحكومية الأمريكية الملاذ الأكثر أمانا من بين باقي الأصول، حيث تكتسب قوتها من موثوقية الدولة وامتلاك البلاد قدرة على إضافة المزيد من الأموال باستمرار.

2. الذهب

هو الملاذ الآمن الأكثر شهرة على مر العصور، كما أنه – وقبل وقوع الأزمة – يكون خيارا مفضلا للكثيرين عند ارتفاع معدل التضخم والذي يؤدي بدوره إلى تآكل القيمة الشرائية للأموال. يستمد الذهب قوته من ندرته والطلب المستمر عليه مصدر للزينة والتفاخر.

من الناحية التاريخية، كان أداؤه جيدا في أثنار انهيار الأسواق المالية، وعلى سبيل المثال، حقق عائدا بأكثر من 20% خلال الجزء الأكثر حدة من الأزمة المالية العالمية بين 15 سبتمبر/ أيلول عام 2008 و9 مارس/ آذار 2009.

ومع ذلك، خالف الذهب هذه القاعدة في بضع مرات، وكان أبرز مثال في الفترة خلال أوائل إلى مارس من عام 2020 بالتزامن مع الاضطرابات الحادة للوباء عندما انهارت أسعار السلع الأساسية وأسواق الأسهم.

لكن التفسير المحتمل لهذا الانخفاض في قيمة الذهب هو أنه وقع ضحية البيع الهلعي من قبل المستثمرين، حيث كانت المخاوف والاضطرابات في ذلك الوقت في أوجها. بعد ذلك سلك الذهب مسارا صعوديا وبلغ أعلى مستوياته على الإطلاق بحلول شهر أغسطس/ آب.

3. العملات المشفرة

يعتبر البعض بيتكوين، وهي عملة رقمية، من الأصول الآمنة، حتى أنها باتت توصف بـ"الذهب الجديد" أو "الذهب الرقمي" وذلك لكونها لا مركزية ولا تتعرض لخطر السرقة أو تتأثر بالتضخم الناجم عن سياسات الدول.

"خطيئة الشيطنة"... كيف أصبح العالم على أعتاب أزمة طاقة قد تعمق معاناة البشرية؟

ومع ذلك، يعارض الكثير هذه الرؤية، نظرا لأن سوق بيتكوين غير خاضع للتنظيم الحكومي ويشهد مضاربات حادة، ولا تمثل العملة المشفرة قيمة حقيقية بناء على أي أصل ثابت أساسي، ولا تدعمها هيئة حكومية ذات سيادة.

حققت العملة الافتراضية عوائد قوية في الفترة التي أعقبت أزمة السوق في بداية الوباء، والتي بلغت أكثر من 44% عوائد تراكمية بين 24 مارس 2020 إلى 6 مايو 2020، حيث انتعشت أسواق الأسهم أيضا على نطاق واسع.

أظهرت بيتكوين ارتباطا إيجابيا مع الأسهم العالمية خلال أزمة السوق في بداية الوباء والفترة التالية مباشرة، ونظرا لذلك، من الصعب اعتبارها أصلا آمنا خلال أزمة الوباء وفترة التعافي اللاحقة.

لم يكن أداء بيتكوين يشبه الملاذات الآمنة خلال فترة أزمة السوق بداية الوباء، حيث سجلت عائدا تراكميا يبلغ سالب 33%، ما يعني أنها خسرت ثلث قيمتها، وتلقت ضربة سيئة بشكل خاص في 12 مارس.

4. أصول أخرى

ليس فقط الذهب وسندات الخزانة الأمريكية وديون الأسواق المتقدمة هي ما يعتبر ملاذا آمنا للمستثمرين على الصعيد العالمي، لكن هناك أشياء أخرى مثل العملات وأنواع معنية من الأسهم والتي يطلق عليها اسم "الأسهم الدفاعية"، والتي ترتبط بالقطاعات التي لا يتعطل عملها في ظل الأزمات نظرا للحاجة الشديد لمنتجاتها.

أهم العملات التي تعمل كأصول آمنة هي:

  • الدولار الأمريكي

  • الين الياباني

  • الفرنك السويسري

وأبرز قطاعات الأسهم الدفاعية هي:

  • المرافق

  • السلع الاستهلاكية

  • الرعاية الصحية

الفكرة هنا هي أنه بغض النظر عن حالة الأسواق، سيظل الناس بحاجة إلى الكهرباء والغاز والطاقة، وسيظل الناس يشترون العناصر الأساسية مثل الطعام وحتى ورق التواليت، وسيظل الناس بحاجة إلى الحصول على الرعاية الصحية.

مناقشة