عام على انفجار مرفأ بيروت ولبنان لا يزال غارقا في الكارثة

تمر الذكرى الأولى على انفجار مرفأ بيروت، الكارثة التي أفجعت لبنان، ووُصف بأنه أقوى انفجار غير نووي شهده العالم، ولبنان لا يزال غارقا في تبعاته إلى الآن، فبالإضافة إلى تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية الحادة التي يعيشها اللبنانيون، وانهيار العملة الوطنية والنقص الحاد في الكهرباء والوقود والدواء، يمر عام من دون أن يقدم ولو مسؤول واحد للمحاكمة عن هذه الكارثة، ما يزيد من حالة الاحتقان لدى اللبنانيين.
Sputnik

القاهرة - سبوتنيك. وأسفر انفجار المرفأ عن مقتل أكثر من 200 شخصا، وإصابة نحو 6500 آخرين، وتشريد الآلاف، ودمر نحو نصف المدينة، وتسبب في خسائر قدرت بـ7.4 مليار دولار، ولشهور بعد الانفجار تحولت بيروت، المدينة التي طالما اشتهرت بصخبها وبهجتها إلى مدينة أشباح، يعم الظلام الكثير من شوارعها، ويتناثر الحطام وشظايا الزجاج في كل مكان، وأغلقت مئات المحلات والمطاعم أبوابها، وترك آلاف السكان منازلهم تنتظر دورها في عمليات إعادة الترميم على أمل العودة لها قريبا.

بعد التوترات الأخيرة... هل ينزلق لبنان نحو المواجهات المسلحة؟

وبحسب التحقيقات الأولية التي أعلنتها السلطات اللبنانية، فإن الانفجار وقع في العنبر رقم 12 بمرفأ بيروت بفعل 2750 طنا من مادة نيترات الأمونيوم، جاءت في عام 2013 على متن سفينة تدعى "روسوس" كانت في طريقها من جورجيا إلى موزمبيق، إلا أنها توقفت في ميناء بيروت، وتعطلت بعد ذلك، ثم تدخلت السلطات اللبنانية على الخط وصادرت السفينة بناء على مذكرة قضائية تطالب مالكي السفينة بمستحقات مالية، وبعد وقت أفرجت عن طاقم السفينة وفرغت حمولتها في المرفأ، أما السفينة نفسها والتي كانت تتهالك فانتهت إلى الغرق، حسب تقارير صحافية.

لسبع سنوات بقيت أطنان نيترات الأمنيوم كقنبلة موقوتة في مرفأ بيروت تنتظر أن تنفجر، لتفاقم معها مئات الأزمات الاقتصادية والسياسية، بداية من العجز عن تشكيل حكومة جديدة بعد حكومة حسان دياب والتي استقالت عقب أيام من الكارثة، مرورا بانهيار قيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار، من نحو 6 إلى 7 آلاف ليرة مقابل الدولار الواحد في أغسطس/ آب الماضي، ثم إلى 20- 21 ألف ليرة مقابل الدولار في أغسطس الجاري، ووصولا إلى الأزمات في الوقود والكهرباء والدواء التي باتت تنغص حياة اللبنانيين.

في حديث مع وكالة "سبوتنيك" يتهم المحاضر في معهد العلوم السياسية بجامعة القديس يوسف، وسام اللحام السلطات السياسية الحاكمة في البلاد بالمسؤولية عن التدهور المستمرة للأوضاع في لبنان، إذ يقول: "السلطة السياسية الفعلية بلبنان، سلطة الزعماء الستة المسيطرين على لبنان منذ 1992 حتى اليوم، وهم خليط تحالف من أمراء الحرب وأرباب البترودولار، وكل ثرواتهم بالخليج، هم مسؤولون مسؤولية مباشرة عن التدهور الاقتصادي والأزمات السياسية المفتعلة التي يعيشها لبنان، وهذا أمر واضح".

ويضيف اللحام: "هم نفسهم السلطة السياسية التي تعيق التحقيق وتبحث عن ذرائع قانونية ترفض رفع الحصانات، وتقع المسؤولية على عاتقهم في هذا أيضا".

ويطالب أهالي ضحايا انفجار المرفأ بالعدالة لذويهم وتنظيم العديد من الاحتجاجات والاعتصامات للمطالبة بالكشف عن نتيجة التحقيقات في انفجار المرفأ ومحاسبة المسؤولين.

وعقب الحادث، أشارت تقارير صحافية إلى أن مسؤولين سابقين ونواب لبنانيين كانوا على علم بوجود نيترات الأمونيوم في المرفأ دون أن يحركوا ساكنا، وقبل نحو أسبوعين قالت وسائل إعلام لبنانية إن البرلمان اللبناني طلب من قاضي التحقيقات مزيدا من المستندات حول أدلة اتهام ثلاث نواب ووزراء سابقين، قبل اتخاذ قرار برفع الحصانة عنهم للتحقيق معهم، إلا أن المحقق العدلي في قضية المرفأ رفض هذا الطلب.

والنواب المعنيون هنا هم علي حسن خليل وزير المالية السابق، وغازي زعيتر وزير الأشغال السابق، ونهاد المشنوق وزير الداخلية السابق.

وقال تقرير صدر، أمس الاثنين، عن منظمة العفو الدولية، إن "السلطات اللبنانية أمضت السنة المنصرمة، وهي تعرقل بوقاحة بحث الضحايا عن الحقيقة والعدالة في أعقاب الانفجار الكارثي الذي وقع في مرفأ بيروت".

ودعا التقرير السلطات اللبنانية إلى "الرفع الفوري للحصانة عن جميع المسؤولين بصرف النظر عن دورهم أو منصبهم".

بري يؤكد استعداد البرلمان لرفع الحصانات عن الجميع في قضية انفجار مرفأ بيروت

كما طالب مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بوضع "آلية تحقيق على وجه السرعة لتحديد ما إذا كان تصرف الدولة تسبّب أو ساهم بحدوث الوفيات غير المشروعة، والخطوات المطلوب اتخاذها لضمان تقديم سبل انتصاف فعال للضحايا".

العقوبات لن تجدي نفعا

وخلال العام الماضي دعا المجتمع الدولي مرارا إلى الكشف عن نتيجة التحقيقات في حادث انفجار المرفأ، كما نظمت عدة مؤتمرات دولية، لدعم لبنان، وجرت مئات المشاورات من تيسير تشكيل الحكومة الجديدة، والعمل تخفيف الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها اللبنانيون.

والأسبوع الماضي أقر الاتحاد الأوروبي إطارا قانونيا لنظام عقوبات يستهدف كيانات وأفراد لبنانيين، وهو مسعى للضغط تقوده فرنسا من أجل الإسراع في تشكيل الحكومة.

ويعود المحاضر في معهد العلوم السياسية بجامعة القديس يوسف وسام اللحام، ليؤكد أن هذه الخطوات لن تجدى نفعا، إذ يقول "أطر العقوبات التي أقرها الاتحاد الأوروبي غير مجدية لسبب بسيط، وهو أن المجتمع الدولي وخصوصا فرنسا يدعم السلطة الحالية، ويريد السلطة الحالية المؤلفة من 6 زعماء تشكيل الحكومة، ويمنحون الأموال ويدعون صندوق النقد لوضع خطة للزعماء الستة، ما يطيل في حياتهم ويعطيهم الأموال ليبقوا".

ويضيف اللحام: "هذه السلطة لولا الدعم الخارجي لما استمرت في لبنان، ذلك الدعم الذي أنقذها أكثر من مرة في باريس 1 وباريس 2 وباريس 3، ومنحهم الأموال عبر العقود الماضية".

وتابع: "لا أرى هذه العقوبات مجدية، خاصة وأنه ليس هناك إجماع بالاتحاد الأوروبي، هذا إطار ضغط لتبقى السلطة الحالية وليس للانتقال من النظام الحالي إلى نظام مختلف"، مؤكدا "لا بد من إسقاط النظام الحالي".

مناقشة