عندما تبكي سوريا يتناثر الألم نورا

الدول كشخصيات اعتبارية، تشبه في كثير من الأحيان الإنسان في طبيعتها، وعلى الرغم من أن كلمة "شخصية اعتبارية"، كمصطلح قانوني وحقوقي، لا تندرج تحتها المشاعر أو الأحاسيس، لكن الدولة كتجمع كبير من الناس (الشعب)، يمكن أن تتخطى هذه الفكرة أحيانا، فتصبح الدولة كإناء يحتوي هذا الشعب أو ذاك، قد يكسبها بعض الميزات الفريدة التي تميزها عن شعوب أخرى.
Sputnik

المحن التي تمر بها الدول تشبه المحن التي يمر بها الأشخاص، قد تتعرض لهجوم خارجي، كالاعتداء على شخص من قبل آخر، وقد تتعرض لمشكلة داخلية عنيفة، كمشاكلنا الداخلية الكثيرة التي نعاني منها والتي تصل إلى حد الانفصام عند تطورها، وقد تتعرض الدول أيضا لأزمات اقتصادية حادة جدا، وهو أمر عانينا أو نعاني أو سنعاني منه جميعا، وهو أمر طبيعي.

الأزمات لها وجهان مختلفان تماما، قبيح وجميل، كوردة حمراء برائحة زكية مع شوك سام، الأزمة أحيانا تكون قاتلة، لكن الأزمة التي لا تقتل أصحابها، ربما تكون درسا مهما للمستقبل لنتعلم منه.

ويبدو أيضا، أن الدول (بشعوبها)، تتعاطف مع بعضها البعض، وهو ما شهدناه عند بكاء اللاعبة السورية، هند ظاظا، حيث شهد العالم طفلة صغيرة خبأت خلف مضربها الصغير عبئا ثقيلا وكبيرا كالوزن الذي حمله معن أسعد، في بطولة رفع الأثقال.

التعاطف الذي شهدناه مع أبطال سوريا حول العالم، كان لأن تلك الشعوب تعلم بأن هؤلاء لم يكونوا حاملين فقط رسالة رياضية، بل رسالة إنسانية أخرى مليئة بالأمل والإرادة لبلاد مازالت الصعاب تعصف بها، فخرج من رحم أزمتها أبطال بعكس التوقعات.

عندما بكت ظاظا كان العالم ينظر إلى سوريا تبكي، تبكي ألم المحنة والحرب وأحلام مئات آلاف الشبان الذين خسروا طموحاتهم بسبب الأزمة، وعندما سقط الفارس أحمد حمشو كان العالم ينظر إلى كبوة جواد لفارس محارب خرج لتوه من معركة قاسية، وعندما رفع معن أسعد الأوزان عاليا، صعدت معه أعين الجميع إلى الأعلى.. إلى الأمل والإرادة التي يحملها السوريون في قلوبهم ووجدانهم لبناء بلدهم.

الأزمات رغم صعباها الكثيرة قد تأتي بنجاح هنا ومحاولة هناك، قد تحول بعض مشاكها إلى استثمار، قد تخلق حافزا كبيرا لدى البعض، كالحافز الذي خلقته فرقة "سفر" بتحويل أزمة الكهرباء إلى نجاح بأغنية "يا ويل ويلي" من "تجربتها الثانية" التي لن تكون الأخيرة، لأنها ستخلق تجارب جديدة لدى جيل الشباب السوري، وعلى الرغم من أنه "شاب الشعر يابنية"، كما تقول الأغنية، لكن "نجوم الليل ستضيئ الدرب".

هؤلاء ليسوا إلا مثالا لحال سوريا أيضا، فالصدمة أو الأزمة أو الحرب سمها ما شئت، قد تولد نجاحا وقد تفتح أبوابا، قد تغير طريقة تفكيرنا اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، كأشخاص وكدول وكمؤسسات، قد ترفع غبار الحرب والألم، قد تحولها إلى ذكرى وتجربة ودرس قاس لنا جميعا، لكنه مفيد أيضا، فقط كل ما نحتاجه هنا هو العمل، العمل فقط، لكن بصدق وخارج إطار الصندوق.

المقال يعبر عن رأي كاتبه.

مناقشة