هل ينجح مؤتمر "نظام الحكم" في تحديد هوية السودان في المرحلة القادمة؟

بعد أكثر من عامين على الإطاحة بالرئيس السوداني السابق عمر البشير واقتراب المرحلة الانتقالية من نهايتها، لا يزال السودان يتحسس خطاه نحو شكل وهوية الدولة وسط تعقيدات وخلافات كبيرة تهدد هذا البلد الكبير ذو التنوع السكاني والموارد الطبيعية المتعددة.
Sputnik

هذا الأمر دفع النظام الحاكم للحديث عن عقد مؤتمر لـ "نظام الحكم والإدارة" في البلاد خلال الفترة القادمة.

هل يضع هذا المؤتمر حلولا مرضية لكل الأطراف ويساهم في رسم خارطة طريق لمستقبل السودان؟  

يقول وزير الإعلام السوداني الأسبق بشارة جمعة، إن مؤتمر نظام الحكم في السودان مطلوب، ومثل هذه المؤتمرات قد عقدت من قبل في النظام السابق وما قبله من الأنظمة، وبالتالي فإن المراد مما يتم في الفترة الحالية وفي ظل هذه المنظومة الحاكمة، هو ترتيب أوضاع خاصة بتلك المنظومة أو من يديرون البلاد.

توترات وتعقيدات

وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك" أن ما يتم من ترتيبات وإجراءات من أجل انعقاد هذا المؤتمر لا يشمل الهم الوطني ولا القوى السياسية ومكونات المجتمع السوداني بصفة عامة، في ظل التوترات والتعقيدات الكبيرة سواء كانت جهوية أو قبلية أو على المستوى السياسي، وبالتالي هذه الترتيبات والإجراءات إن تمت لن تصب في مصلحة البلاد.

البرهان يصدر مرسوما بإنشاء نظام حكم فيدرالي في السودان
وأشار وزير الإعلام إلى أن الأسس التي يجب أن تبنى عليها مثل هذه المؤتمرات والتي ستناقش القضايا المصيرية العليا في البلاد، لا يمكن أن تتم في ظل انقسامات سياسية و تجاذبات وخلافات كبيرة، ويجب أن يتم أولا ترتيب البيت الداخلي بقدر كبير من التسوية السياسية والتعاطي مع الاختلاف السياسي بشكل واقعي، وخلق مناخ وبيئة يصلح فيها لم الشمل وتوحيد الصف الوطني، والذي يمهد لوضع الدستور الدائم للبلاد الذي تصادق عليه كل أطياف الشعب السودان.

توافقات خاصة

وأوضح أن ما يتم في نظام الحكم في البلاد الآن في تقديري هو قرارات تصدر من آن إلى آخر بتوافقات خاصة وداخلية، لا تعتمد على وثيقة دستورية ولا على دستور، وما يجب أن يكون هو القيام أولا بترتيب الوضع الداخلي والتسويات السياسية ثم المؤتمر الجامع لكل الأطياف حتى نستطيع الوصول إلى مجتمع متماسك ونعبر تلك المرحلة.

حكومة انتقالية

ويقول المتحدث السابق باسم الرئاسة السودانية أبي عز الدين، إن حكومة الشراكة بين العسكريين وأحزاب تجمع المهنيين في السودان حاليا هي "حكومة انتقالية" وغير منتخبة، و بدلا من القيام بمهامها واختصاصاتها الأساسية، صارت تتغول على ما هو ليس من حقها، فتحديد نظام الحكم المناسب هو مسؤولية حكومة منتخبة، ومجالس تشريعية منتخبة من الشعب باختيار حر ومباشر.

وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "لذا فإنه على هذه الحكومة الانتقالية استحقاق مهم بحسب الوثيقة التي تم وصفها بالدستورية، وهو إجراء الانتخابات في العام، وما يترتب على ذلك من مؤتمر دستوري واستفتاء حول الدستور".

تجارب سابقة

وتابع عز الدين: "إذا قامت هذه الحكومة الحالية بأي قرارات سيادية ومصيرية مثل هذه، فقد يؤدي ذلك لتكوين حركات احتجاجية تتحول إلى مسلحة، خصوصا في الولايات المهمشة، وهناك تجارب سابقة ومستمرة، ومعلوم أن حركات الكفاح الوطني المسلحة لديها رؤى متباينة حاليا حول نظام الحكم، وهناك اتفاقيات تم التوقيع عليها، مثل توقيع تجمع المهنيين الحاكم مع حركة عبد العزيز الحلو، العلمانية الانفصالية على فرض النظام العلماني على بقية مكونات الدولة، واتفاقيات أخرى متعددة بين مكونات الحكم مع عدد من الحركات، وأي نكوص عن ذلك، سيؤدي لتوترات إضافية في المشهد السياسي السوداني.

واستطرد: "كثير من القوى المدنية والمسلحة والمشارك بعضها حاليا في الحكم، كانوا جزءا أيضا من نظام الإنقاذ في عهد البشير، بما فيهم المستشار السياسي لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك، المنتمي لحركة ياسر عرمان المسلحة.

السودان يجيز قانون نظام الحكم الإقليمي لدارفور
وأغلب هذه الأحزاب والحركات شارك في قضية شبيهة وهي مؤتمر الحوار الوطني في الفترة بين (٢٠١٤ - ٢٠١٦)، حيث ناقش المؤتمر المفتوح لجميع القوى السياسية دون إقصاء كل قضايا الحكم ورفع توصياته، والتي اندهش منها الإمام الراحل الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة القومي، حين صرح بأن مخرجات وتوصيات الحوار الوطني الذي دعا له البشير حينها، تتطابق مع أغلب أجندة المعارضة السودانية في ذلك الوقت.

وأكد متحدث الرئاسة السابق: "ليس على الحكومة الحالية غير المنتخبة، أن تضيع الميزانية وتستهلك الموارد البشرية والمالية في قضية نوقشت أساسا من الجميع، وعليها التركيز في عامها الأخير هذا، على الإعداد للمؤتمر الدستوري والانتخابات لعام ٢٠٢٢".

مجلس السيادة

وكان عضو مجلس السيادة الانتقالي بالسودان محمد حسن التعايشي، قد أكد أن مؤتمر نظام الحكم والإدارة سيعالج الخلل في قضايا تقاسم السلطة والموارد في السودان.

وقال التعايشي - في مؤتمر صحفي حول مؤتمر نظام الحكم والإدارة، المقرر عقده خلال الفترة المقبلة: "المؤتمر يمثل أحد استحقاقات اتفاقية جوبا لسلام السودان"، مشيرا إلى أن التجربة الحالية لنظام الحكم والإدارة، التي أقرتها اتفاقية جوبا لسلام السودان، خضعت لدراسة وافية لكل جوانبها".

وأوضح التعايشي أن مؤتمر نظام الحكم والإدارة القادم في البلاد سوف يعتمد على أسس تشمل فلسفة المؤتمر والبناء الهرمي له، والقضايا الأساسية التي سيناقشها المشاركون في المؤتمر، وعلاقة نظام الحكم بشكل الحكم، مؤكدا على أهمية مؤتمر ولاية الخرطوم، الذي أقرته اتفاقية جوبا للسلام، لأنه يساهم في تعريف العلاقة بين الخرطوم كعاصمة إدارية والخرطوم كولاية.

وقال التعايشي: فلسفة مؤتمر نظام الحكم والإدارة تقوم على الإجابة على سؤال هو: كيف يتم حكم السودان؟

وأشار إلى أن اتفاقية جوبا لسلام السودان، أقرت أن يتم حكم السودان عبر نظام الحكم الفيدرالي، الذي يرتكز على مستويات الحكم الإقليمى لكل السودان، مبينا أن مؤتمر نظام الحكم والإدارة سيناقش تفاصيل الحكم المحلي في ظل الحكم الإقليمي الفيدرالي على مستوى السياسات والتشريعات، إلى جانب مناقشة الحكم الذاتي في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان "جنوب جمهورية السودان" وعلاقته بالمركز، وترسيم الحدود بين الأقاليم، إضافة إلى التقسيمات الإدارية داخل الأقاليم السودانية، بجانب إدراج محور التحديات البيئية في السودان في ظل الحكم الفيدرالي، وعلاقة ذلك بالتنمية وإشكالات البيئة وأثرها في تأجيج الصراعات.

ولفت التعايشي إلى أن البناء الهرمي للمؤتمر يقوم على المشاورات الواسعة في كل أنحاء البلاد، لتشمل الإدارات الأهلية والإداريين والعلماء والخبراء ومنظمات المجتمع المدني، وتبدأ من المحليات ويتم التصعيد منها للمستوى الولائي وحتى المؤتمر العام، منوها إلى أن نظام الحكم والإدارة لن يتأثر بشكل الحكم، سواء كان برلمانيا أم رئاسيا.

وتابع: "هناك ثلاثة مؤتمرات تتعلق بقضايا الخدمات وتقاسم الثروة والتمثيل في هياكل الحكم أقرتها اتفاقية جوبا لسلام السودان، من المقرر أن تسبق مؤتمر نظام الحكم والإدارة، وهي مؤتمر ولاية الخرطوم وشمال كردفان ومؤتمر شرق السودان.

هل ينجح مؤتمر "نظام الحكم" في تحديد هوية السودان في المرحلة القادمة؟
مناقشة