غلق الحدود التونسية الليبية... دوافع سياسية وأمنية وتكلفة اقتصادية باهظة

أثقل تواصل غلق المعابر الحدودية بين تونس وليبيا كاهل الناشطين في مجال تجارة الخط التي تمثل مصدر الرزق الأساسي، خاصة لسكان الجنوب التونسي، في وقت تتصاعد فيه التساؤلات عن خلفيات هذا الإجراء.
Sputnik
ورغم أن تونس التي اتخذت قرار الغلق بررت هذه الخطوة بـ"الظروف الصحية التي استوجبت اتخاذ إجراءات احترازية ومزيدا من الحيطة واليقظة للتوقي من احتمال دخول سلالات جديدة متحورة وسريعة العدوى من فيروس كورونا إلى البلاد"، إلا أن بعض المراقبين لم يستبعدوا وجود دوافع سياسية خلف هذا القرار.
قرار في تونس يلزم بإجراء تحاليل للأحذية
وفي 8 يوليو/ تموز الماضي، اتخذت السلطات الليبية قرارا يقضي بغلق حدودها البرية والجوية مع تونس لفترة قصيرة لأسباب صحية، قبل أن تعلن تونس في 20 أغسطس/ آب المنقضي على لسان وزير خارجيتها الإبقاء على معبريْ "رأس الجدير" و"الذهيبة" مغلقين للأسباب ذاتها، على الرغم من إعلان ليبيا عن إعادة فتحهما بدءً من يوم 19 أغسطس 2021.
ويوجد بين تونس وليبيا معبران أساسيان، هما منفذ "رأس الجدير" الواقع بمدينة بن قردان التابعة لمحافظة مدنين في الجنوب التونسي ومنفذ "ذهيبة وازن" بمدينة الذهيبة في محافظة تطاوين.
ولطالما تسبب غلق هذه المعابر في نشوب احتجاجات من الجانبين التونسي والليبي بسبب اتصال أنشطة سكان المناطق الحدودية بتجارة الخط، بلغت أشدها  في يوليو 2018 عندما قررت حكومة الوفاق في طرابلس غلق معبر رأس الجدير بعد "الاعتداء على مسافرين ليبيين في المنطقة".
كلفة اقتصادية واجتماعية باهظة
وقال الخبير في الشأن الليبي غازي معلا لـ "سبوتنيك"، إن تكلفة غلق الحدود بين تونس وليبيا باهظة جدا من الناحية الاقتصادية بالنظر إلى أن جل المعاملات التونسية الليبية تمر عبر هذه المعابر.
وأضاف أن غلق الحدود يتسبب في توقف حركة نقل البضائع وبالتالي خسارة مئات الملايين من الدينارات.
وبيّن أن غلق المعابر له تكلفة اجتماعية، حيث أن عشرات الآلاف من العائلات تعيش من التجارة البينية وخاصة سكان المنطقة الجنوبية بالإضافة إلى محافظات سيدي بوزيد وقفصة والقيروان التي تسترزق فئة هامة من سكانها من تجارة الخط.
ووفقا لمعلا فإن التداعيات السلبية لغلق المعابر تشمل حتى السياحة التونسية، إذ أن السوق الليبية دائما ما تتصدر المراتب الأولى من حيث عدد السياح الوافدين على تونس بنسبة تفوق الـ 30 بالمائة من مجموع السياح.
تونس... تفاصيل إيقاف المرشح الرئاسي السابق نبيل القروي وشقيقه في الجزائر
وأضاف: "غلق المعابر يمثّل خسارة أيضا للجانب الليبي من ناحية توقف التزود بالبضائع وهو ما يسبب غلاء في الأسعار كما أنه سيخلق مشاكل صحية، حيث أن عددا كبيرا من الليبيين يتنقلون إلى تونس من أجل العلاج وإجراء العمليات الجراحية".
ويستبعد معلا وجود غايات سياسية أو أمنية تقف وراء قرار تونس بالإبقاء على المعابر مغلقة، قائلا إن الأسباب الصحية كافية لوحدها لاتخاذ هذا القرار خاصة في ظل التحذيرات المتواترة من دخول سلالات متحورة إلى تونس قادمة من ليبيا، فضلا عن ضبابية الوضع الصحي في الجوار الليبي وغموض الأرقام المقدمة من السلطات الرسمية.
دوافع سياسية وأمنية
على الجانب الآخر، يرى الكاتب والمحلل السياسي فريد العليبي أن غلق المعابر بين تونس وليبيا يجب فهمه من الزاوية السياسية في علاقة بالتطورات الأخيرة الحاصلة في تونس والمتعلقة أساسا بالإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها الرئيس التونسي يوم 25 يوليو/ حزيران.
وأوضح في حديثه لـ "سبوتنيك"، أن قرارات الرئيس ذهبت في اتجاه عزل حركة النهضة التي تمثل الإسلام السياسي في تونس، في خطوة لا تتطابق مع توجهات من بيده الحكم في غرب ليبيا وبالأساس في طرابلس، وهو ما عبر عنه رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا خالد المشري الذي اعتبر أن ما جد في تونس انقلاب.
وأضاف العليبي أن هذه التصريحات الصادرة من طرف مسؤول رفيع المستوى في ليبيا كان لها صدى هام في تونس ونتائج من بينها غلق المعابر.
ويرى المتحدث نفسه، أن القرار التونسي المتعلق بالإبقاء على المعابر مغلقة يعود أيضا إلى دوافع أمنية تتصل بما راج عن وجود مجموعة مسلحة يمكن أن تتسلل إلى التراب التونسي للقيام بعمليات ارهابية انطلاقا من قاعدة "الوطية" في الغرب الليبي.
الغنوشي يجمد عضوية عماد الحمامي في "النهضة" بعد تأييده لقرار الرئيس التونسي
وتابع "هذا الدافع أشار إليه الرئيس التونسي قيس سعيد من خلاله تصريحاته أمس التي اتهم فيها أطرافا بدفع الأموال لاستقدام المرتزقة المسلحة من الخارج". 
وقال العليبي إن هذه المعطيات أنتجت تذرع الجانب التونسي بالأسباب الصحية للتنصل من فتح الحدود من خلال القول إن اللجنة العلمية لمجابهة فيروس كورونا هي صاحبة القرار بفتح المعابر أو غلقها.
محاولة لتهدئة الأجواء
وبيّن العليبي أن الاجتماع الأخير الذي انعقد في الجزائر بين دول الجوار الليبي كان بمثابة محاولة لتهدئة الخواطر وامتصاص الأجواء المشحونة بين تونس وليبيا.
وأضاف أن هذه المحاولة تبدت من خلال التصريح الأخير لرئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة الذي أكد فيه أن "الادعاءات المغلوطة" بشأن الأوضاع الأمنية لبلاده مع تونس لن تؤثر سلبا على العلاقات الأخوية بين البلدين.
وجاء تعقيب الدبيبة عقب ما خلفته تصريحاته بشأن اتهام تونس بتصدير الإرهاب من استنكار واسع في الداخل التونسي حيث وصفها وزير الخارجية عثمان الجرندي بالمجانبة للحقيقة.
وقال العليبي إن الجانب التونسي أظهر بدوره مساعٍ إلى تنقية الأجواء من خلال التحذير الذي أطلقه مستشار رئيس الجمهورية وليد الحجام من التشويش على العلاقات التونسية الليبية.
وأشار العليبي إلى أن ما يوّحد تونس وليبيا هو التوافق على وجوب تواصل التعاون في الجوانب السياسية والأمنية والاقتصادية بين البلدين والتنسيق بشأن هذه النقاط على النحو الذي تعود فيه تلك العلاقات بالنفع على البلدين.
مناقشة