هل تقبل الأطياف السياسية والحقوقية في تونس خطة الرئيس في تغيير النظام والدستور؟

فجّر تصريح مستشار الرئيس التونسي قيس سعيد، موجة جدل واسعة في الساحة السياسية والحقوقية بعد حديثه عن وجود نية لدى الرئيس في تغيير النظام السياسي وتعليق الدستور.
Sputnik
أشار وليد الحجام، مستشار الرئيس قيس سعيد، في لقاء مع "سكاي نيوز عربية" أمس 9 أيلول/ سبتمبر إلى وجود "ميل لدى رئيس الجمهورية لتغيير النظام السياسي، الذي لا يمكن أن يتواصل"، وفقا لتعبيره.
وقال إن النظام الذي يسعى الرئيس قيس سعيد إلى إرسائه في تونس سيكون "نظاما رئاسيا متوازنا" وإن البرلمان لن يحافظ على صيغته الحالية.
ولفت الحجام إلى أن تغيير النظام يقتضي بالضرورة تغيير الدستور ربما عن طريق الاستفتاء، الذي يتطلب وقتا وإعدادا لوجيستيا، معتبرا أن دستور 2014 أثبت وجود العديد من الثغرات والهنات على مستوى السلطة التشريعية والتنفيذية والفصل بين السلط.
وأكد المستشار الرئاسي وليد الحجام أن خطة رئيس الدولة بلغت مراحلها الأخيرة وقد يتم الإعلان عنها قريبا بشكل رسمي.
في هذا  السياق، انتقد النائب المستقل، حاتم المليكي، في تصريح لـ "سبوتنيك" الشكل الاتصالي، الذي اعتمده مستشار الرئيس، قائلا "هذه التصريحات غير ملزمة من الناحية الرسمية، ولكنها خلقت في نفس الوقت ردة فعل قوية لدى الرأي العام".
قيس سعيد: مؤمنون بالحرية والديمقراطية... صور
ويرى المليكي أنه كان من الأنسب أن يصدر رئيس الجمهورية بيانا رسميا يفصح فيه عن توجهه ويوضح فيه النقاط المتعلقة بتغيير النظام والدستور أو أن يفوض شخصية تتحدث باسمه بشكل رسمي عوض الاعتماد على أساليب مبهمة وعبارات من قبيل "وجود نية أو ميل أو توجه".
ومن حيث المحتوى، قال المليكي "هذه المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن خارطة طريق تتضمن الخروج عن الدستور، وهو ما يحيل إلى تعارض تام مع ما صرّح به رئيس الجمهورية بداية من تاريخ 25 يوليو/ سبتمبر، وتأكيده المستمر على التزامه بالدستور والعمل ضمن نصوصه".
وتساءل المليكي ما إذا كان مستشار الرئيس وليد الحجام قد صرّح بما ما قاله من تلقاء نفسه أم بناء على معطيات من داخل قصر قرطاج؟ وعن السبب الذي يقف وراء التغير الجذري في موقف رئيس الدولة من التزامه المطلق بالدستور إلى إمكانية الخروج عنه.
وأضاف "هل اكتشف اليوم الرئيس أن دستور 2014 أصبح عائقا وأنه يستوجب التغيير وإصدار تنظيم آخر؟ إن هذا الأمر يطرح إشكالا كبيرا على مستوى التوجه وعلى مستوى التزامات رئيس الجمهورية".
ولفت النائب المستقل، حاتم المليكي، إلى أن تصريحات الحجام فتحت العديد من الأبواب المبهمة، التي تستوجب التوضيح العاجل.
 وأوضح أن تعليق الدستور يعني بالضرورة إنهاء كل الشرعيات المنبثقة عنه، بما في ذلك شرعية البرلمان وكذلك شرعية رئيس الجمهورية.
وبيّن أن هذه المرحلة تستوجب حلّ البرلمان وأن يسلّم رئيس الجمهورية السلطة وقتيا لشخصية يقع الاتفاق عليها كرئيس المجلس الأعلى للقضاء أو رئيس المحكمة الإدارية على غرار ما حدث في التجربة المصرية عندما وقع إيقاف العمل بالدستور.
وتابع "عند إنهاء كل الشرعيات وتسليم السلطة في مرحلة انتقالية يجب معرفة آجال وتواريخ إجراء الانتخابات لتجديد الشرعية".
واعتبر المليكي أن أي محاولة للخروج عن الدستور وتعليقه برمته وإنهاء شرعية مؤسسات الدولة في المرحلة الحالية هي مجازفة خطيرة جدا، أولا لأنها ستخلق أزمة شرعيات في البلاد وتناحر داخل مؤسسات الدولة، وثانيا لأنه سيكون من الصعب جدا على الحكومة العمل في ظل إلغاء الشرعيات ومواصلة الإصلاحات وخاصة المفاوضات المالية مع صندوق النقد الدولي والجهات المانحة.
ولهذه الأسباب، دعا المليكي رئيس الدولة إلى عدم التهور وعدم الخروج عن الشرعية الحالية وبناء عملية إصلاح المسار في إطار الالتزام بالدستور.
واقترح المليكي أن يقع استفتاء الشعب حول نقطة واحدة وهي تغيير النظام السياسي، وعلى ضوء تلك الإجابة يقع تعديل الفصول في دستور 2014 بما يستجيب لنتائج الاستفتاء.
وبيّن أن الدستور الحالي لا يتضمن مشاكل في جميع فصوله، وإنما فقط في بعض الفصول التي تتضمن اشكاليات عملية في السلطة التنفيذية على مستوى العلاقة بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية والتي تهم الفصول من 77 إلى 101.
بدوره، انتقد رئيس الكتلة الديمقراطية، نعمان العش، توجّه مستشار الرئيس نحو وسيلة إعلام أجنبية عوض التوجه إلى الشعب التونسي مباشرة في مخالفة للبروتوكول المعتمد في تونس، قائلا "هل أصبحنا اليوم نستقي أخبار بلادنا ورئاستنا وشأننا الداخلي من الخارج؟".
محلل سياسي يوضح لماذا تحتاج تونس لتعديل الدستور وتغيير النظام السياسي
ويرى العش في حديثه لـ "سبوتنيك" أن وصف المستشار الرئاسي دستور 2014 بأنه عائق في الدولة التونسية هو أمر مخالف للصواب، مضيفا "واهم من يعتقد أن مشاكل تونس ستنتهي بتغيير الدستور".
واعتبر أن دستور 2014 تضمّن العديد من المكاسب الجيدة على صعيد الحقوق والحريات والحوكمة المحلية وتنظيم الهيئات الدستورية وغيرها، باستثناء بعض الإشكاليات المتعلقة بتنظيم السلط.
وأضاف أن تعديل الدستور لا يمكن أن يتم بشكل أحادي من خلال لجنة يتم تركيزها في قصر الرئاسة، وإنما عن طريق تنظيم استشارة وحوار تشارك فيه أكثر ما يمكن من الأطياف التونسية.
وتابع "من الضروري أن تشارك أغلب الحساسيات وأطياف المجتمع في كتابة الدساتير من أجل أن تكون ممثلة فيها وأن تدلوا بدلوها في المسائل التي تهم جميع الأطياف المكونة للشعب التونسي وليس فقط رئيس الجمهورية من خلال تنسيقياته التي شكلت حزبا سياسيا موازيا غير معلن وغير متحصل على تأشيرة نشاط رسمية".
ولفت العش إلى أن تنقيح الدستور أو تغييره يتطلب المرور بالبرلمان سواء الحالي أو القادم المنتخب حتى يكون التعديل من داخل الدستور نفسه، مع وجوب إرساء المحكمة الدستورية.
وقال العش "ليس هناك وصفة سحرية لدستور يكون أفضل ما أخرج للناس، كل دستور يتضمن صعوبات وإشكاليات ربما تكتشف من خلال الممارسة، ثم إن النظام الرئاسي في مجمله هو نظام تعتمده أغلب الدول الدكتاتورية".
ويرى العش أنه ليس من الوجاهة استفتاء الشعب في هذه المسائل المعقدة الذي قد يجد نفسه عاجزا عن فك رموز الدستور التي يصعب أحيانا على التقنيين وأساتذة القانون فهمها ويختلفون في تأويلها.
وأضاف "ربما سيقع التصويت على الشخص وليس على الدستور في حد ذاته، وأن يصوّت الناس على دستور قيس سعيد وليس على دستور تونس".
وسبق للرئيس التونسي قيس سعيد أن دعا في يونيو الماضي إلى إجراء حوار وطني يفضي إلى اعتماد نظام سياسي جديد وبدستور حقيقي، واصفا دستور 2014 بأنه "قام على وضع الأقفال في كل مكان ولا يمكن أن تسير المؤسسات بالأقفال والصفقات".
مناقشة