رغم التلويح بتصعيد جديد تجاه المغرب... ما سر هدوء لغة "القصر" تجاه الجزائر؟

تظل تطورات الأوضاع والإجراءات بين المغرب والجزائر محل ترقب على المستويين المحلي والإقليمي، خاصة في ظل الحديث عن إجراءات تصعيدية أخرى قد تتخذها الجزائر ضد المغرب.
Sputnik
التصعيد الأخير بين البلدين يعتبر الأعلى وتيرة منذ عام 1994 بعد إغلاق الحدود، حيث أقدمت الجزائر على قطع العلاقات الدبلوماسية واستدعاء سفيرها من المغرب بعد اتهامات وجهتها للمغرب بمساندة حركتي "الماك و"رشاد"، التي تصنفهما الجزائر على قوائم الإرهاب، في حين تقيم القيادات في فرنسا.
بعد قرار قطع العلاقات في 24 أغسطس/ 2021، قررت الجزائر في 22 سبتمبر/ أيلول غلق المجال الجوي أمام كل الطائرات التي تحمل أي رقم مغربي سواء كانت عسكرية أو مدنية.
الخطاب الرسمي بين البلدين بدى متباينا إلى درجة كبيرة،  وهو ما طرح تساؤلات عدة بسبب استعمال المغرب لغة مغايرة تماما للغة الجزائرية، وما إن كانت عن عمد أم أنها استراتيجية مغربية تسير عليها السياسة الخارجية المغربية.
خبير يتهم المغرب بالوقوف خلف الهجمات الإلكترونية التي تستهدف أمن الجزائر
في 31 يوليو/تموز دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس، الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى العمل سويا على "تطوير العلاقات الأخوية"، مؤكدا أن الوضع الحالي للعلاقات مع الجزائر "ليس في مصلحة شعبي البلدين، كما أنه غير مقبول من طرف العديد من الدول".
في 8 أغسطس/ رد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على دعوة الملك محمد السادس للجزائر إلى تجاوز الخلافات الثنائية والعمل على التعاون المشترك وفتح الحدود.
وقال تبون خلال لقائه الدوري مع الصحافة الجزائرية حينها، إن بلاده لم تتلق استجابة من المغرب بخصوص التوضيحات التي طلبتها من الرباط حول ما قام به السفير المغربي في الأمم المتحدة عمر هلال.
وكان الممثل الدائم للمملكة المغربية لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، قدم ورقة إلى حركة عدم الانحياز يدعوها لمعالجة ما وصفه بـ "تصفية الاستعمار في منطقة القبائل" في الجزائر و"تقرير المصير للشعب القبائلي"، واصفا منطقة القبائل بأنها "خاضعة للاستعمار الجزائري"، ردا على المواقف الجزائرية بدعم جبهة البوليساريو.
في المقابل ردت الجزائر في 24 أغسطس/آب بقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بعد اتهامات جزائرية  للمغرب على خلفية الحرائق التي طالت مساحات طائلة من أراضيها. 
وبدعوى استمرار المغرب في الاستفزازات حسب وصف العديد من الجزائريين، وأن الرباط ستوقع اتفاقية دفاع مشترك وكذلك اتفاقية إنشاء مصانع حربية مع إسرائيل، أقدمت الجزائر في 22 سبتمبر الجاري على إغلاق المجال الجوي أمام الطائرات المغربية.
فيما بعث العاهل المغربي الملك محمد السادس برقية للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عزّاه بها في رئيس الجزائر الأسبق عبد القادر بن صالح.
وبالأمس قال الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، إن بلاده تواجه هجمات إلكترونية من دول مجاورة لم يسمها.
من ناحيتها قالت أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بالمغرب ليلى الرطيمات، إن الدبلوماسية المغربية في علاقاتها بالجزائر على سياسة قوامها الحكمة والفعل عوض رد الفعل، فضلا عن التصدي لكل ما تصفها بـ "الادعاءات "المناوئة للوحدة الترابية.
وأضافت في حديثها لـ "سبوتنيك"، أن العلاقات بين الجانبين تشهد توترا منذ عقود بسبب قضية الصحراء، وإغلاق الحدود البرية بين الجارتين منذ 1994، إلا أن الموقف الأخير المعلن عنه من طرف الجزائر بخصوص قطع علاقته الدبلوماسية بالمغرب، كان متوقعا بالنظر إلى منطق التصعيد الذي تم رصده من طرف السلطات المغربية.
وتفسر الرد تجاه الجزائر بأنه من منطلق بناء القرار الاستراتيجي بعيد المدى، وليس إدارة الأزمة، والتي تتنافى مع مبدأ الاستراتيجية. حيث ما فتئ الموقف الرسمي المغربي يدعو للتعاون والشراكة من أجل تحقيق التنمية ومواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية التي تعرفها البلدان المغاربية خاصة والأفريقية عامة.
ترقب لتداعيات إغلاق المجال الجوي
مسؤول جزائري كبير: قد نتخذ خطوات تصعيدية جديدة ضد المغرب
وتشير إلى أنه بموجب القرار الجزائري الأحادي، سواء قرار قطع العلاقات الديبلوماسية وإغلاق المجال الجوي أمام الطيران المغربي، يفترض أن تنتقل العلاقات بين البلدين إلى وضع جديد، ستتعطل بموجبه كل أشكال التعاون الممكنة بينهما، خاصة في المجال الأمني والسياسي.
لكن القطيعة الديبلوماسية لا تبدو كلية باعتبار أن البعثة القنصلية لكل بلد تواصل عملها في تدبير شؤون رعاياها.
وترى الأكاديمية المغربية أنه ظل هذا التصعيد الذي تعرفه العلاقات بين الجانبين، تتعارض مقاربات البلدين في التعاطي مع قضايا المنطقة ذات الأولية وعلى رأسها قضية الصحراء ومواجهة التهديدات الأمنية بمنطقة الساحل والصحراء.
وبشأن مستقبل العلاقات ومدى استمرارها على النحو الحالين توضح أن العلاقات بين الجانبين سيصيبها الجمود والفتور حتى الدخول في مفاوضات جدية، يمكن أن تكون برعاية إحدى دول الخليج العربي أو إحدى الحلفاء الغربيين للبلدين، للتأسيس لمرحلة جديدة لحل المشاكل العالقة.  
من ناحيتها، ترى الجزائر أن وجود إسرائيل في المغرب بعد إعادة العلاقات، يمثل استهدافا مباشرا لاستقرارها، حيث قال وزير الخارجية الجزائرية خلال إعلانه قطع العلاقات مع المغرب، إن المغرب أصبح قاعدة خلفية لانطلاق اعتداءات ممنهجة ضد الجزائر، مضيفا أن "آخر الأعمال العدائية تمثل في إطلاق وزير الخارجية الإسرائيلي خلال زيارته للمغرب اتهامات باطلة وتهديدات ضمنية".
وفي هذا الإطار تقول الأكاديمية المغربية، إن قرار إبرام المغرب اتفاقية مع إسرائيل خطوة استراتيجية للنظام المغربي، على اعتبار أن السياسة الخارجية المغربية مجال محفوظ للملك.
وتعيد أهداف إبرام الاتفاقية لتحقيق مصالح دبلوماسية وأمنية وتعزيز التعاون الاقتصادي والتكنولوجي، خاصة أن المغرب لم يتعهد بفتح سفارة في إسرائيل (بل سيفتح مكاتب اتصال، مثلما فعل قبل العام 2002) ولن يقيم علاقات دبلوماسية كاملة.
 
مصدر مغربي: لدينا 4 إجراءات في حال عدم تجديد اتفاقية نقل الغاز الجزائري إلى إسبانيا
ومضت بقولها: "لكن الأهم من ذلك راهن المغرب على كسب الاعتراف الدولي بحقوقه في الصحراء، وهو ما استطاع تحقيقه من خلال اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية في 10 ديسمبر 2020  بسيادة المغرب على الصحراء، والتي أعقبها فتح قنصلية أمريكا بالداخلة وتلاها فتح مجموعة من الدول لقنصلياتها بمدينة الداخلة جنوب المغرب".
 في مقابل ذلك، يؤكد الموقف الرسمي المغربي، أن القضية الفلسطينية لازلت مهمة للنظام المغربي وأن موقف المغرب ثابت ولن يتغير في دفاع الملك باعتباره رئيس للجنة القدس عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ودعمه لحل الدولتين وتعزيز المفاوضات بين الجانبين.
من ناحيته قال المحلل السياسي المغربي سمير بنيس، إن فهم المنطق الذي استعملته الدولة المغربية حينما قررت استئناف علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، يستوجب استحضار التاريخ البعيد والقريب، والنظر بموضوعية وبواقعية، وليس بمنظور مواطنين لهم ارتباط وجداني وعاطفي بفلسطين.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن الصحراء تمثل بالنسبة للدولة مسألة مصيرية من الناحية السياسية والجيوستراتيجية، بالنظر لدورها في ربط المغرب بعمقه الأفريقي، في حين أن هذا النزاع يشكل منذ ما يزيد عن أربعة عقود أكبر هاجس وأكبر عائق منع المغرب من التركيز على قضايا أخرى مهمة للنهوض بالبلاد من تعليم وصحة وبنية تحتية، حسب رأيه.
ويرى أن أصل الأزمة يتمثل في تعامل المغرب في نهاية الخمسينيات بحسن نية وعاطفة ومن منطلق الأخوة العربية والإسلامية مع الجزائر، عوض الاعتماد على الواقعية والبراغماتية والمصلحة الوطنية.
ويشير إلى رفض الملك محمد الخامس التفاوض مع فرنسا من أجل استرجاع الصحراء الشرقية، في حين قامت الجزائر باحتضان البوليساريو، وقدمت له الدعم المادي واللوجستي والسياسي والدبلوماسي حتى اليوم.
ويرى أنه برغم كل المحاولات التي قام بها المغرب لتذويب الخلافات، إلا أن قيادات الجزائر لا يزالون متشبثون بنفس الهدف، وهو استعمال ورقة الصحراء لإضعافه.
وبرؤية شخصية يفسر بنيس استغراب المغرب من عدم وجود مواقف عربية مؤيدة لوحدة التراب المغربي، في حين أن تاريخ المغرب لا يخلو من المحطات البطولية التي وقف فيها إلى جانب الدول العربية، خاصة ما قدمه للجزائر في أربعينيات القرن التاسع عشر، ومشاركة  ما يزيد عن ستة ألاف جندي في حرب أكتوبر ضد إسرائيل ضد عام 1973
ويرى بنيس أن الدول العربية كان بإمكانها القيام بدور إيجابي داعم للمغرب، الأمر الذي كان سيغلق الباب أمام أي دعم غير عربي لوحدة المغرب ترتب عليه الوضع الحالي.
وبشأن ردود الفعل الهادئة من قبل المغرب، يوضح أن أي رد فعل انفعالي من طرف الحكومة المغربية سيخدم مصالح "الجانب الجزائري"، وأنه يتعامل معها من هذا المنطلق، مع الأخذ في عين الاعتبار أن أي تصعيد غير مسبوق في التوتر بين البلدين ليس في مصلحة المغرب.
ومضى بقوله إن الجزائر تستعمل ورقة "الصهيونية" والترويج لسردية مفادها أن قرار المغرب السيادي استئناف علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل، يهدف إلى النيل من استقرار الجزائر ومصالحها، لصرف النظر عن الأزمات الداخلية وتوجيه الرأي العام للخارج لصرف الحراك عن المطالب المتعلقة بالطبقة الحاكمة.
 ومؤخرا قال وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، إن بلاده "كانت صبورة بشكل كبير في مواجهة الأعمال التي ارتكبتها المملكة المغربية ضد سيادة الجزائر"، مضيفًا أن قطع العلاقات مع المغرب كان "قرارا سياديًا"، في مقابلة مع "سي إن إن".
مناقشة