هل أصبحت حرية التعبير في تونس مهددة بعد غلق قناة ومحاكمة إعلاميين عسكريا؟

تفاقمت مخاوف التونسيين من مصادرة أكبر مكسب لهم من ثورة الياسمين وهو حق التعبير وحرية الإعلام، بعد غلق قناة تلفزيونية محسوبة على حركة النهضة المنافس الأول للرئيس قيس سعيد، وتمرير إعلاميين على المحاكمة العسكرية بدلا عن المدنية.
Sputnik
ويخشى حقوقيون ومتابعون دوليين أن الإجراءات الأخيرة تنذر "بعودة الاستبداد وتكميم الأفواه الذي عايشه التونسيون في فترة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي"، رغم تطمينات الرئيس التونسي قيس سعيد بأن التدابير الاستثنائية لن تمس بالحريات والحقوق المكفولة بالدستور.
واشنطن تنتقد المحاكمات العسكرية للمدنيين في تونس وتوجه نصيحة لرئيس البلاد
ومساء الأربعاء، أغلقت قوات الأمن التونسية مقر "قناة الزيتونة" الخاصة، تنفيذا لقرار هيئة الاتصال السمعي البصري "الهايكا" التي وصفت القناة المعنية بأنها تنشط خارج الأطر القانونية، بينما تؤكد إدارة القناة أنها قدمت طلبا للحصول على الإجازة القانونية ولكنها لم تتحصل على رد.
وقبل ذلك بساعات، أصدرت المحكمة العسكرية بطاقة إيداع بالسجن ضد الإعلامي في القناة "عامر عياد"، بعد مثوله أمام التحقيق العسكري بتهمة "التآمر من أجل الاعتداء على أمن الدولة الداخلي" و"ارتكاب أمر موحش ضد رئيس الجمهورية"، على خلفية قصيدة ألقاها للشاعر أحمد مطر على الهواء اُعتبرت تهجما على الرئيس.
وفي نفس اليوم، أصدرت دائرة الاتهام بمحكمة سوسة، قرار إيداع بالسجن في حق الصحفية شذى الحاج مبارك وثلاثة موظفين، فيما بات يعرف إعلاميا بقضية شركة "إنستالينغو" المتهمة بإدارة صفحات بمنصة "فيسبوك" لتشويه صورة الرئيس ووجهت لهم عدة تهم من بينها "التآمر على أمن الدولة"، و"ارتكاب أمر موحش ضد رئيس الدولة".
وفي تصريح لـ"سبوتنيك"، قالت ملاك القاطري وهي صحفية بقناة "الزيتونة" إن حجز معدات القناة "لا يمكن تصنيفه إلا قرار سياسي بامتياز في محاولة لتصفية الحسابات مع الخصوم".
خبير اقتصادي تونسي يكشف قرارا مرتقبا للبنك المركزي سيحدث انفلاتا في الأسعار
ولفتت إلى أن القناة هي إحدى المنابر التي تنتقد رئيس الجمهورية وقراراته الأخيرة وأن خطها التحريري يصف ما حدث يوم 25 يوليو/ تموز بأنه انقلاب على المسار الديمقراطي.
وأوضحت أن قناة "الزيتونة" قدمت طلبا للحصول على إجازة البث أكثر من 3 مرات ولكنه قوبل بالرفض، وتم التعلل بامتلاك عضو مجلس شورى حركة النهضة أسهما في القناة، في حين أن هذه الأسهم تم بيعها للرئيس المدير العام سامي الصيد.
وتابعت: "الوضع السياسي تغير كثيرا وهناك محاولة لتكميم كل الأصوات المخالفة لسياسة الرئيس، فالزيتونة ليست القناة الوحيدة المخالفة للقانون حسب الهيئة لكن تطبيق القانون اقتصر عليها دون غيرها لأنها تقارع ’الإخلالات’ في نظام قيس سعيد الذي انقلب على الشرعية والدستور ويتجه نحو منحى الحكم الفردي الأحادي".
وبشأن إيقاف الإعلامي عامر عياد وإحالته إلى القضاء العسكري، قالت القاطري إن ما حدث هو سابقة خطيرة في المجال الإعلامي ترفع مخاوف الصحفيين من المساس بحرية التعبير والعودة إلى مربع التضييق على الحريات.
وأشارت القاطري إلى أن غلق القناة سيحيل أكثر من 60 صحفيا وتقنيا إلى البطالة، رغم التزامهم بأخلاقيات المهنة وحرصهم على ضمان قدر كبير من الحياد.
من جانبه، اعتبر عضو النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، عبد الرؤوف بالي، في حديثه لـ"سبوتنيك" أن الهايكا بصدد لعب أدوار سياسية وأنها لم تكن أبدا هيئة محايدة في علاقة بوسائل الإعلام، على حد وصفه.
الرئيس التونسي: لا بد من تطهير جميع المؤسسات تلبية لإرادة الشعب
وأضاف: "نحن لا نعارض تطبيق القانون ولكن يجب أن يطبق القانون على الجميع بمن فيهم الهايكا التي انتهت صلاحياتها بعد أن تجاوزت عضوية أعضائها الست سنوات".
وتساءل بالي، كيف لصاحب قناة أن يصرح بأنه حصل على رخصة دون موجب قانوني، في حين أن قناة أخرى لا تتحصل على إجازة البث رغم تقديمها للوثائق المطلوبة.
وحذر عضو نقابة الصحفيين من ارتفاع منسوب التجاوزات الحاصلة في حق الصحفيين والتضييقات على حرية التعبير، بدءا بسياسة رئاسة الجمهورية التي ترفض التعامل مع الصحافة التونسية ولا تعترف بالصحفيين التونسيين، مرورا بالاعتداءات الأمنية التي طالت الصحفيين، ووصولا إلى المحاكمات العسكرية التي لم تحدث حتى في عهد بن علي، وفقا لتعبيره.
وقال بالي إن محاكمة أصحاب الرأي عسكريا مؤشر خطير وبداية تنبؤ بالعودة إلى الوراء وإلى سنوات التحكم في الإعلام والترهيب في تجاوز كامل للقانون وخاصة للمرسومين 115 و116 المنظمين لقطاع الإعلام.
وحمل بالي رئيس الجمهورية مسؤولية تواصل التجاوزات في حق الصحفيين وحرية الإعلام باعتباره يمتلك جميع الصلاحيات والسلطات، قائلا: "تبين أن الرئيس يروج فقط للشعارات من خلال القول بأنه سيدعم حرية التعبير ولكن الواقع أثبت عكس ذلك تماما".
بدوره، عبّر الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، عن قلقه من القرارات الأخيرة التي تهدد - وفقا لقوله - الحريات الأساسية.
قوات الأمن التونسية تداهم مقر قناة الزيتونة
وأضاف لـ"سبوتنيك" أن إحالة المدنيين إلى المحاكمات العسكرية أمر خطير ومسألة مبدئية بصرف النظر عن الأسماء والأشخاص، مشددا على أن المحاكم المدنية هي الجهة الوحيدة المخول لها تتبع ومساءلة المدنيين.
وقال بن عمر: "إذا ما ثبت تجاوز صحفيين أو إعلاميين لثوابت المهنة ولمبادئ العمل الصحفي فإن محاكمتهم تتم على ضوء المرسومين 115 و116 وليس عن طريق القضاء العسكري".
وانتقد الحقوقي "حملات التشويه والشيطنة" التي تلاحق أصحاب الآراء المخالفة على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل الجهات الداعمة للرئيس قيس سعيد، محذرا من تحول هذه الحملات الإلكترونية إلى الميدان من خلال تخوين بعض المعارضين ومنع اجتماعات بعض الأحزاب.
واعتبر بن عمر أن هذه الممارسات تنزلق بالحريات وتهدد الحقوق المكفولة بالدستور، مضيفا: "جميع الفئات الاجتماعية سواء كانت معارضة أو مساندة لقرارات الرئيس من حقها أن تعبر عن رأيها في كل الفضاءات المتاحة سواء الميدانية أو الإعلامية في كنف الاحترام".
ودعا بن عمر رئيس الجمهورية إلى الانفتاح على المنظمات المهنية والهيئات الدستورية على غرار نقابة الصحفيين وهيئة الاتصال السمعي البصري والاستماع إليها وأخذ تخوفاتها على محمل الجد واتخاذ إجراءات في اتجاه حماية حرية التعبير والرأي.
طالع أخبار تونس اليوم عبر سبوتنيك
مناقشة