رئيسة جمعية القضاة في تونس: القضاء يعمل اليوم في ظرف شديد الصعوبة

خلف الطلب الذي توجه به الرئيس التونسي قيس سعيد لوزيرة العدل، في 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، جدلا واسعا في تونس وأثار استياء في صفوف القضاة الذين اعتبروه تدخلا مباشرا في الشأن القضائي ومسا من استقلاليته.
Sputnik
"سبوتنيك" التقت الرئيس الشرفية لجمعية القضاة في تونس، روضة القرافي، وكان لنا معها الحوار التالي:
آخرها دعوة التونسيين إلى تطهير البلاد.. أخطاء قيس سعيد الاتصالية توسع دائرة معارضيه
كيف تقيمين وضعية القضاء في تونس اليوم؟
القضاء اليوم يعمل في ظرف شديد الصعوبة، ضغوطات تقع عليه من جهات متعددة من السلطة التفيذية، الرأي العام في تصاعد للمطالبة بالمحاكمة والمسائلة وإن كانت حق وعلى القضاء أن يقوم بهذا الدور ولكن لديه واجب حماية حقوق  من سيقع تتبعهم في نطاق هذه المساءلات.
في المقابل يجب أن يكون أداء القضاء محايدا في المرحلة الحالية وهي مرحلة صراع بامتياز حتى لا يحسب أنه يوظف لجهة السلطة التنفيذية والتي تعتبر اليوم ممثلة في رئيس الجمهورية قيس سعيد.
نحن نعلم أن تونس تمر بما يسمى بمرحلة الإجراءات الاستثنائية وهناك خلاف كبير في ما يتعلق بهذه الاجراءات خاصة وأن هناك عددا كبيرا من الفاعلين السياسين ممن يعتقد أن هذا يعتبر خروجا على الشرعية وهناك الرئيس وأنصاره والذين يرون أن الإجراءات التي اتخذت دستورية، وهذا يترجم الآن في شكل صراع سياسي في التصريحات في المواقف في الفعل وردود الفعل في التحركات الميدانية وفي خضم كل هذا يجب على القضاء أن يحافظ على حياديته.
لاحظنا ارتفاع نسق تحرك القضاء فيما يتعلق بمكافحة الفساد بعد 25 من يونيو/ تموز كيف تفسرين ذلك؟
أداء القطب القضائي الاقتصادي والمالي بتنونس كان مرتبطا ببعض الإشكالات التي تتعلق بضعف الإمكانات وهي مازالت قائمة وأيضا هناك إشكالات تتعلق بالقضاة المعينين في هذا القطب لأن هذا الاختصاص القضائي هو اختصاص جديد، في الماضي لم يكن هناك قضاء متخصص في مكافحة الفساد والبحث في جرائم معقدة، وتكوين قضاة في هذا الاختصاص يتطلب وقتا و تكوينا عميقا، ولكن لا ننفي أن الإرادة السياسية لم تكن متوفرة لاعتبار مكافحة الفساد أولوية، كل هذه الأسباب أعاقت عمل القطب القضائي، فضلا على المنظومة الجزائية وهي منظومة آجالها طويلة ومراحلها متعددة.
يمكن القول أنه ما بعد 25 يونيو تمت مراجعة الأولويات داخل المحاكم وهذا يعتبر امرا إيجابيا خاصة إذا كان بمبادرة القضاء والقضاة وليس بتدخل السلطة التنفيذية و على مستوى النيابة العمومية نستشعر في هذه المرحلة أنها أضحت تضع في أولوياتها مسالة مكافحة الفساد في عملها.
كيف تقرئين ما يخطط له الرئيس قيس سعيد فيما يتعلق بإصدار مرسوم حول المجلس الأعلى للقضاء وتغيير تركيبته؟
الوضع القضائي في تونس منظم دستوريا ومن الهياكل القضائية المنظمة دستوريا هو المجلس الأعلى للقضاء وهو منظم ضمن الباب الخامس في الفصل 112 وما بعده في تركيبته، هياكله الأربعة، في صلاحياته، في آليات عمله الخاصة، في ما يتعلق بتعيين القضاة سواء بالرأي المطابق أو بالترشيح الحصري، يعني المساس بالمجلس الأعلى للقضاء بالضرورة هو تعديل للدستور.
شقيق قيس سعيد: آرائي لا علاقة لها بقرابتي من رئيس الجمهورية
المساس بالمجلس الأعلى للقضاء هو بالضرورة مساس بباب الحقوق و الحريات لأن تجميع السلطة بيد شخص واحد هو تهديد مباشر للحقوق و الحريات، وحتى المحاذير الدولية في ما يتعلق بمراحل الاستثناء دائما تتعلق بوضعية القضاء لأن المساس به في مرحلة الاستثناء هو بالضرورة مساس بالحقوق والحريات.
الفصل 49 من باب الحقوق والحريات يوكل مهمة حماية الحقوق والحريات للهيئات القضائية ويقول الفصل 49 عبارة "لايجوز لأي تعديل " إذن دخول رئيس الجمهورية بهذا المشروع الذي يريد صياغته لتعديل السلطة القضائية والمساس بالمجلس الأعلى للقضاء ولا يجوز طبقا للفصل 49 والذي يقول إنه "لايجوز لأي تعديل أن ينال من مكتسبات حقوق الإنسان وحرياته المضمونة في هذا الدستور" ومكتسبات حقوق الإنسان هي الهيئات المستقلة التي تحمي تلك الحقوق وتلك الحريات وهذا سبب منع التعديلات.
هل تعتقدين أن فترة الإجراءات الاستثنائية فرصة لاصلاح القضاء؟
أبدا، هذا مرفوض من حيث المبدأ لأنه سيؤثر مباشرة على الوضع الدستوري للقضاء وسيكون بمثابة المخاطرة بمكتسبات هذه السلطة. في الحقيقة هناك مؤشرات على ذلك، لأن الرئيس يبدو أن له مشروعا مكتملا وأعلن على تركيبة المجلس الأعلى للقضاء التي يتصورها، واذا كان الرئيس قد أعلن هذا التصور فأعتقد أنه سيكون له دور في تعيين  القضاة وهذا سيضعف حتما القضاة وسيعود بهم إلى وضعية التبعية التي ستضعف أدائهم. 
هناك من يبرر قرار الرئيس بإصدار مرسوم يخص المجلس الأعلى للقضاء بان القضاء والقضاة فوتوا فرصة الإصلاح على مدى عشر سنوات؟
مأزق دستوري...هل يملك قيس سعيد تعديل الدستور أو تعليق العمل به
بعد الثورة، هل كان من الممكن إجراء أي إصلاح قبل المصادقة على الدستور، تمت المصادقة عليه في سنة 2014، أول باب للإصلاح كان تحييد المسارات المهنية للقضاة على تدخل السلطة التنفيذية يعني القطع  مع المجالس التي كانت قائمة ( مجلس القضاء العدلي والمالي و الإداري) وترأسها السلطة التنفيذية وتتدخل في تسمية القضاة وتعيينهم ونقلتهم وتأديبهم .
كما تطلبت المصادقة على قانون المجلس الأعلى للقضاء وقتا يعني بالنظر إلى الآجال يمكن القول أن أول إصلاح شرعنا فيه يتعلق بالقضاء هو المجلس الأعلى للقضاء سنة 2016، المجلس يعمل اليوم منذ 5 سنوات فقط  يعني من المجحف القول أن عملية الإصلاح إستمرت 10 سنوات.
كيف ترين تعاطي القضاء مع الشبهات التي تحوم حول القاضيين الطيب راشد والبشير العكرمي؟
عندما نتحدث بنسبية، يمكن القول أن المجلس الأعلى للقضاء حقق ما لم يتحقق في تاريخ القضاء التونسي. إذا أردنا تقييم عمل المجلس الأعلى للقضاء يجب تقييمه بما كنا عليه قبل الثورة، القضاء قبل الثورة كان يخدم أغراض السلطة من خلال تطويع عدد من القضاة. هل كان  للمجلس الأعلى للقضاة اتخاذ موقف من هذه المظاهر، طبعا لا. اليوم هناك مجلس مستقل وقادر على اتخاذ القرارت حتى و إن كان تحت الضغط و الرقابة، وليس هناك أي قضاء مستقل لايعمل تحت الرقابة والضغط.
هل يمكن للهياكل القضائية اليوم أن تواجه ما يسمى تدخلا في القضاء؟
هذه المعركة هي معركة المجتمع التونسي كاملا على جميع إختلافاته، وقد حملت المسؤولية لكل المجتمع التونسي بجميع أطيافه إضافة إلى الجسم القضائي حتى يتنبه لهذا الخطر. إذا وافق القضاة على الجلوس والنقاش في تركيبة جديدة سوف يتورطون لأنهم لو اكتشفوا أن المشروع الجديد يتضمن مساسا بالمجلس الاعلى للقضاء لن يتمكنوا من التراجع وهناك يكمن التورط في الموضوع بالنظر إلى غياب مجلس نواب، غياب محكمة دستورية، غياب قضاء إداري يتوجهون إليه في حالة أرادوا الاعتراض.
مناقشة