ماذا بعد استبعاد الرئيس الأمريكي تونس من المشاركة في قمة الديمقراطية؟

أثار القرار الأمريكي القاضي باستبعاد تونس من المشاركة في قمة الديمقراطية تساؤلات بشأن وضع الديمقراطية في تونس وتحذيرات من دخول البلاد في عزلة دبلوماسية، بينما اعتبره البعض ترجمة لسياسة أمريكا الداخلية بغلاف خارجي.
Sputnik
والثلاثاء، 23 نوفمبر/تشرين الثاني، وجّه الرئيس الأمريكي جو بايدن دعوة رسمية إلى 110 دولة للمشاركة في هذه القمة المزمع تنظيمها افتراضيا يوميْ 9 و10 كانون الأول المقبل.
ولم تشمل القائمة التي نشرتها وزارة الخارجية الأمريكية تونس أو أية دولة عربية أخرى باستثناء العراق. كما استثنيت منها كل من روسيا والصين المنافسان الرئيسيان للولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك تركيا.

أزمة الانتقال الديمقراطي

وتعليقا على عدم دعوة تونس إلى هذه القمة، قال وزير الخارجية الأسبق أحمد ونيّس لـ"سبوتنيك"، إن هذه هي المرة الأولى التي يقع فيها تعليق المساهمة التونسية في ندوة الأسرة الديمقراطية في العالم، بعد أن انضمت إليها إثر ثورة 14 يناير 2011 (لم تكن طرفا فيها قبل هذا التاريخ).
ولفت ونيّس إلى أن استبعاد تونس يعود بالأساس إلى أزمة الانتقال الديمقراطي التي تمر بها البلاد وعجزها عن الخروج منها.
وتابع "الديمقراطية ثلاثة أركان هي المعتقدات والمؤسسات والممارسات، وتونس نجحت إلى حد اللحظة في تثبيت الركن الأول منها، فيما عجزت عن تركيز المؤسسات التي تزعزع بعضها وهو ما أدى إلى اشتداد الأزمة التي تعود بالأساس إلى غياب حَكم يفصل بين السلطات الثلاث في البلاد".
ويرى ونيّس أن تونس تخلّفت عن الممارسات الديمقراطية، مشيرا إلى وجود ضعف شديد في ممارسة الحريات في البلاد. وقال "للولايات المتحدة الحق في تعليق المساهمة التونسية إلى حين خروج تونس من أزمتها".
وأشار ونيّس إلى أن الرئاسة الأمريكية سبق وأن نبهت تونس إلى الأخطار المحدقة بديمقراطيتها نتيجة الأزمة التي تمر بها البلاد، وآخر هذه التنبيهات صدر عن وزير الخارجية الأمريكية الذي قدم للرئيس التونسي قيس سعيد إشارات للعودة إلى المسار الديمقراطية بالكامل واستظهار احترام الضوابط الديمقراطية.
أمريكا تدعو الرئيس التونسي إلى الالتزام بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان
ويعتقد ونيس أن هذا التنبيه لا يدل على خطورة الخيار الديمقراطي الذي انتهجته الدولة التونسية ولا على عزلتها دبلوماسيا، معتبرا أن ما صدر عن لجنة الكونغرس مؤخرا هو ظلم في حق مؤسسة الجيش التونسي.

ابتزاز أمريكي

وفي تصريح لـ "سبوتنيك"، اعتبر المحلل السياسي، مراد علالة، أن إقصاء تونس من حضور مثل هذه القمة الدولية هو شكل من أشكال الابتزاز الأمريكي المعهود.
وأضاف "هذه الدولة العظمى هي بصدد التفاوض مع تونس وإملاء شروطها وتكرار الزيارات المتنوعة لمسؤوليها سواء الرسميين أو حتى النواب في الكونغرس، ومع ذلك لا تجد حرجا في أن تقصي بلدنا من حضور هذا المنبر".
وقال علالة إن هذا الإقصاء يحمل رسالة للداخل التونسي وحتى للخارج، مفادها أن من لا ينفذ الإملاءات بشكل مباشر سيخضع لمثل هذه العقوبات".
ولفت إلى أن هذه الرسالة موجهة أيضا للسلطة القائمة في تونس بعد 25 يوليو وللشعب التونسي قصد الوقوف في طابور من ينفذ التعليمات الأمريكية في علاقة بالمؤسسات الدولية المالية النافذة وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، وفي علاقة أيضا بالجانب السياسي من قبيل موجة التطبيع المستجدة في المنطقة العربية مع مع الكيان الصهيوني.
وتابع "لا بد من تنسيب الموضوع لأن الحديث عن الديمقراطية وعن أمريكا أمر مبالغ فيه، فالديمقراطية لا يمكن أن تكون صنعا أمريكيا، خاصة إذا ما نضرنا إلى تجربة الولايات المتحدة في المنطقة العربية في العراق وسوريا وفلسطين، وبالتالي لا يمكن إن نقول أن غياب تونس عن هذه الندوة يعني نهاية الكون".

سياسة داخلية!

بدوره، اعتبر أستاذ العلوم الجيوسياسية، رافع الطبيب، في حديثه لـ "سبوتنيك"، أن هذه القمة لا علاقة لها بالديمقراطية وإنما بالمشاريع الأمريكية الخاصة بإعادة هندسة المجتمعات السياسية في البلدان الأخرى.
وتابع "عندما كانت تونس غارقة في الخلافات السياسية والاعتصامات والتعدي على الحريات وتزييف الانتخابات بشهادة مُنظّميها صُنفت على أنها دولة ديمقراطية، ولكن حينما خرج الشعب إلى الشارع وعبّر عن رغبته في صياغة نظام سياسي جديد أصبحت تونس بلدا غير ديمقراطي".
وتساءل الطبيب "ما الضير من استبعاد تونس من هذه القمة؟ فمساعدة الولايات المتحدة لاقتصاد تونس ليست سوى كذبة، إذ لم يبقَ لتونس سوى صندوق النقد الدولي فالدول الغربية تعاني بدورها من أزمة مالية خانقة،
الغنوشي: أفعال قيس سعيد غير دستورية وتهدد الديمقراطية في تونس
وانتقد الطبيب القائمة التي نشرتها وزارة الخارجية الأمريكية، قائلا "عندما تتفحص هذه القائمة تفهم ما تمثله الديمقراطية بالنسبة لجزء من اليمين الأمريكي فهي عبارة عن سلطة عميلة لا تعير قيمة للسيادة الوطنية".
من جانبه، شكّك الخبير في العلاقات الدولية، أحمد الهرقام، في مصداقية قائمة الدول المدعوة للمشاركة في قمة الديمقراطية والتي تضمنت بلدانا عرفت بموالاتها للولايات المتحدة الأمريكية وتأييدها لأنظمتها، وفقا لقوله.
وأضاف متحدثا لـ"ـسبوتنيك": "استبعاد روسيا من قمة من هذا النوع هو ضحك على الذقون، ودليل على أن لا علاقة لهذه المبادرة بالديمقراطية وبالعلاقات الدولية الوازنة".
ويرى الهرقام أن اختيارات الولايات المتحدة لقائمة الدول المشاركة في القمة يعكس جزء من إدارتها لسياساتها الداخلية بقفاز أجنبي وبغلاف السياسة الخارجية.
وتابع "الولايات المتحدة تسعى من خلال هذه القمة إلى بعث رسالة للرأي العام الأمريكي والعالم مفادها أنها مخلصة دائما لمبادئ الديمقراطية، ولكن بعد ما فعلته في إيران وطريقة خروجها بعد 20 سنة من أفغانستان وتفاوضها هذا الأسبوع علنا مع طالبان في قطر وسياسة بايدن تجاه اللاجئين في الشرق الأوسط، ما علاقة الولايات المتحدة بالديمقراطية وبحقوق الإنسان؟".
مناقشة