"قرار أم تهديد".. ماذا وراء التوجه الأمريكي لفرض عقوبات على قيادات سودانية؟

جاء إقرار لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي بفرض عقوبات على الأشخاص المعرقلين للتحول الديمقراطي في السودان، بمثابة دق أجراس الخطر حول الوضع الراهن وتخوفات واشنطن من انفلات الأوضاع والذي قد يؤدي إذا عدم استقرار القارة بأكملها.
Sputnik
فهل يسير الكونغرس الأمريكي في فرض عقوبات جديدة وما تأثيرها على الأزمة السودانية
بداية يقول المحلل السياسي الأمريكي، ماك شرقاوي، إنه من المفترض أن السودان يعيش الآن مرحلة انتقالية تمهيدا للدخول في انتخابات نزيهة، سوف تفرز حكومة شرعية للبلاد، لكن ما حدث أن الثقة الآن أصبحت مفقودة في شقي السلطة "السياسي والعسكري" ممثلتين في قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وعبد الله حمدوك رئيس الحكومة.
انقلاب حمدوك
لماذا أرسلت أمريكا سفيرها إلى السودان في هذا التوقيت؟
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن حمدوك أظهر سوء النية تجاه الطرف العسكري عندما تحرك في 21 أكتوبر/تشرين أول الماضي في محاولة للانقلاب على الجيش، حينما ألقى خطابا هاجم فيه البرهان والجيش، ثم في يوم 23 من نفس الشهر طالب الجماهير بالنزول إلى الشارع في انقلاب واضح على الشرعية، فمن انقلب أولا هو حمدوك وليس البرهان، أما ما حدث يوم 25 من الشهر ذاته، فهو تدخل من جانب البرهان لحماية الديمقراطية والثورة التي حدثت.
وأضاف أن ما يحدث هو أن كل العالم يلوي الحقائق، فما قام به البرهان يوم 25 أكتوبر كانت بادرة جيدة وإثبات لحسن النوايا وأعاد البرهان "حمدوك" إلى سدة الحكم، وبالتالي يطمح الجميع للوصول انتخابات نزيهة، أي أنه يريد حكم الشعب وأن يختار بنفسه من يدير شؤون البلاد في الفترة القادمة، حيث أن الجيش السوداني وطني لا يريد الاستئثار بالسلطة أو الانقلاب علي الشرعية، بل هو من عمل على حمايتها.
وتابع شرقاوي، "لا ننكر أن حمدوك عليه الكثير من علامات الاستفهام، هل يمثل لوبي إثيوبي مع بعض رفاقه، حيث كانوا لاجئين هناك ويتحدثون بهوى إثيوبي بحت، أعتقد أن الأمور بدأت تتفاقم في السودان والحل الوحيد هو تدخل القوات المسلحة لضبط الأمور من أجل الوصول إلى انتخابات شفافة، هذا ما يريده البرهان وهو ما أذعن إليه حمدوك عندما وضع بين خيار الفوضى والوصول إلى الانتخابات".
أمريكا ترحب بقرار تعليق عضوية السودان في مجلس السلم والأمن الأفريقي
أوراق ضغط
وحول تدخل الولايات المتحدة الأمريكية الآن في المشهد السوداني ووضع مشروع قانون عقوبات على من يقف أمام عملية التحول الديمقراطي في السودان يقول المحلل السياسي "إن العقوبات الأمريكية المتوقعة سوف يتم فرضها على الجناح العسكري، في الوقت الذي كان يجب فرضها على حمدوك، فما فعله البرهان في 25 أكتوبر الماضي هو محاولة لرأب الصدع وتجنيب البلاد سيناريو الفوضى، وهذا القانون الأمريكي سوف يعيد السودان إلى المربع صفر، واعتقد أن هناك تلويح بالعقوبات الدولية ضد "حميدتي" باعتباره قائد قوات الدعم السريع والجنجويد وما حدث في دارفور، كما أن هناك تلويح بفرض عقوبات على البرهان والمؤسسة العسكرية، وجميعها كروت تحتفظ بها الإدارة الأمريكية للضغط بها في الوقت المناسب، لذا أعتقد أن ما تفعله أمريكا ضد المسار الديمقراطي وليس لصالحه".
تفكك الجيش
من جانبه، يقول المحلل السياسي بشير آدم رحمة، الأمين العام السابق لحزب المؤتمر السوداني، إن ما أقدمت عليه الولايات المتحدة بشأن فرض عقوبات على من يعرقلون التحول الديمقراطي هو ترجمة للمثل السوداني "دق الجراب خلي الجمل يخاف"، بمعنى أن أمريكا لا تستطيع التخلي عن الجيش السوداني، لأنه صمام الأمان بالنسبة للوطن، وهناك مشاكل كثيرة في وسط أفريقيا، وإذا انفرط عقده الأمني، سوف تفقد أمريكا كامل أفريقيا، نظرا لعدم الاستقرار في دول الجوار ونشوب الصراعات الداخلية بها.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن هناك العديد من الحركات المسلحة ومن بينها بعض الحركات المسلحة المتواجدة في ليبيا والمطلوب خروجها على سبيل المثال، وفي حال إعادة تلك الحركات إلى السودان بسلاحها، الأمريكان يحتاجون إلى جيش قوي في السودان، أما الكلام الذي يتم ترديده في الكونغرس الأمريكي فهو كلام الناشطين السياسيين، أما البيت الأبيض والسي أي إيه والخارجية، هؤلاء لهم رأي آخر".
حميدتي: السودان يعاني من مجاعة والجيش مع المدنية وغير متمسك بالسلطة
ميثاق جديد
وأشار رحمة، إلى أن "الشارع اليساري لا يريد انتخابات، لأنهم لو دخلوا الانتخابات لن يحصلوا على شىء، وأي عاقل في هذه البلاد لا يقبل بعملية إضعاف القوات المسلحة، لأن إضعافها يعني تقسيم السودان"، مشيرا إلى أن "هناك عددا من القوى السياسية بخلاف اليسار تعمل على توقيع ميثاق لدعم الفترة الانتقالية، وإذا وقع هذا الميثاق، سوف تكون به حتى القوى الإسلامية، الجميع يدعم ميثاق "البرهان - حمدوك" لدعم الفترة الانتقالية، فإذا ما اكتمل هذا الميثاق سوف تستقر الأوضاع وتمر الفترة الانتقالية بسلام، ولو حدث عكس ذلك فهناك سيناريو سيحدث من داخل الجيش ويغير الوضع بالكامل، وهذا توقع من جانبي".
كان سفراء الاتحاد الأوروبي قد قالوا في بيان رسمي في 7 ديسمبر الجاري، لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك، إن الدعم الاقتصادي والسياسي الذي يقدمه الغرب للسودان يستهدف تحقيق شعارات الثورة "حرية وسلام وعدالة"، وإن التدخل العسكري أدى لإخراج تحالف المدنيين والعسكريين من مساره، وفقاً للوثيقة الدستورية واتفاقية سلام جوبا.
الأول منذ عقود... سفير أمريكي لدى السودان
خطوة أولى
وجدد السفراء الأوروبيون تأكيدهم إدانة الاتحاد للتدخل العسكري، ومطالباته بالعودة الفورية للنظام الدستوري، معتبرين اتفاق البرهان - حمدوك "خطوة أولى" في الاتجاه، وإن دولهم ستشارك في دعم انتقال السودان لتحقيق شعارات الثورة، وتقديم المساعدات الإنسانية للسكان، دون الإشارة إلى استئناف الدعم الذي وعدت به دولهم.
وازدادت الضغوط الغربية على السلطات العسكرية السودانية، بإقرار لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي فرض عقوبات على "المسؤولين عن زعزعة الاستقرار في السودان"، و"قانون ديمقراطية السودان" الذي يتضمن "عقوبات ملزمة" ضد مسؤولين عن زعزعة الانتقال المدني، وفقاً لما نقلته صحيفة "الشرق الأوسط" أمس الجمعة.
ويشار إلى أن الإدارة الأمريكية قد وضعت السودان ضمن الدول الراعية للإرهاب، في العام 1993، وعلقت واشنطن عمل سفارتها في الخرطوم، في العام 1996، إلى أن أصدر الرئيس الأمريكي الأسبق، بيل كلينتون، أمرا بفرض عقوبات اقتصادية ومالية وتجارية شاملة على السودان، في العام 1997.
مناقشة