في جولتها الـ 17... هل تنجح مفاوضات أستانا في حل أزمة اللجنة الدستورية السورية؟

في وقت يستمر فيه تأزم الأوضاع الميدانية على الأراضي السورية، وفي خضم محاولات وضع أطر ومبادئ لحل سياسي قريب، انطلقت مفاوضات أستانا للتسوية في سوريا، والتي تستغرق يومين بمشاركة وفود إيران وروسيا وتركيا والوفد الحكومي السوري ووفد المعارضة والأمم المتحدة.
Sputnik
ووفق بيان للخارجية الكازاخستانية، فإن المحادثات ستناقش بشكل رئيسي أعمال اللجنة الدستورية السورية في جنيف، وستعقد المحادثات برعاية الدول الضامنة تركيا وروسيا وإيران، وفقا لسكاي نيوز.
وأوضحت أن تركيز الجولة من المحادثات على أعمال اللجنة الدستورية بجنيف "يأتي بهدف إكساب زخم لأعمال اللجنة وتحفيز العملية التفاوضية تحت إشراف الأمم المتحدة"، كما ستناقش المحادثات أيضا مستجدات الأوضاع على الساحة السورية بشكل عام، ومهام الحفاظ على الهدوء في مناطق خفض التصعيد.
واستبعد مراقبون توصل مفاوضات أستانا في جولتها الجديدة لأي مقاربة تفضي إلى حل سياسي سواء على مستوى اللجنة الدستورية وكتابة الدستور، أو على مستوى الأزمة السورية بشكل عام.
رئيس الوفد السوري المشارك في محادثات أستانا: نستمر بالعمل لإعادة إعمار ما دمره الإرهاب
مفاوضات أستانا
تحدث مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، في لقاء مع الصحفيين عن الجولة الـ17 من محادثات أستانا الخاصة بالشأن السوري، وقال: "في كانون الثاني، سيصبح 5 سنوات منذ انطلاق هذه المباحثات بشأن سوريا، ونرى بأنها ما زالت تحافظ على دورها في تحقيق الأمن على الأرض، وهنا في نورسلطان بمشاركة وفود من تركيا وإيران وسوريا والعراق ولبنان والأردن، سنناقش كل تلك القضايا التي ستتيح لنا المضي قدما على طريق التسوية السورية".
وأضاف لافرنتييف: "لا يسعنا إلا أن نشعر بالقلق من أن التنظيمات الإرهابية أصبحت أكثر نشاطًا مؤخرًا، ليس فقط في شمال سوريا، ولكن أيضًا عمليًا في جميع أنحاء البلاد. لذلك، نعتقد أن نناقش بتفصيل كبير خيارات تصعيد التصدي للتنظيمات الإرهابية، وتضافر جهود جميع الأطراف المعنية. أعتقد أنه سويًا فقط يمكننا مقاومة هذا الشر".
وتابع: "بالطبع، سننظر في موضوع تهيئة الظروف لتحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي في سوريا. ويبدو أن هذه المسألة تبرز في المقدمة، مع الأخذ في الاعتبار، من بين أمور أخرى، قرار مجلس الأمن 2585 الذي اعتُمد في تموز/ يوليو من هذا العام".
وضع ميداني جديد
اعتبر الدكتور أسامة دنورة، السياسي السوري والعضو الحكومي السابق في مفاوضات جنيف، أن الوضع السياسي المتعلق بمواقف الدول الضامنة لمسار أستانا لا يبدو أنه بصدد أن يشهد انزياحات هامة أو رئيسية، فطالما استمر الجانب التركي على تعنته فيما يتعلق بوجوده العسكري الاحتلالي في سوريا، وما يتعلق بالغطاء الاستراتيجي الذي يمنحه أردوغان للمجموعات الإرهابية في الشمال السوري، فلن يكون حتى اللحظة ثمة ضوء في آخر النفق، وفي هذا الإطار يبدو الطرفان التركي والأمريكي متواطئان ضمنيا ليمنح كل منهما للآخر مبررات وجوده اللا شرعي.
مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا لافرنتييف يتحدث عن الجولة الـ17 من محادثات أستانا
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، الأمريكان يحمون الحالة الانعزالية الموجودة في الشمال الشرقي السوري، ويتخذ التركي من هذه الحالة ذريعة لاستمراره بالاحتلال وتهديده بشن اعتداءات جديدة، وفي المقابل الأمريكي يتذرع ضمناً بالخطر التوسعي التركي على قسد ونوايا التغيير الديمغرافي، فضلاً عن ذريعته المعلنة المتمثلة بمحاربة بقايا تنظيم داعش الإرهابي.
ويرى دنورة أن في ظل هذه المعادلة مثلثة الرؤوس ما بين الأمريكي والتركي والتحالف المناهض للإرهاب (الروسي والإيراني والدولة السورية) يبدو تجميد النزاع ضمن خطوطه العريضة الحالية سيداً للموقف، فعلى الرغم من تراجع التركي في الساحات التي تورط بها على مستوى الإقليم، وتراجعه الاقتصادي الداخلي، وتدهور شعبية نظام أردوغان، وسعيه لفتح صفحة جديدة مع العديد من أعدائه العرب، إلا أن الحالة السورية تبدو بالنسبة لأردوغان بمثابة استثناء.
وتابع: "الأمر الذي لا يمكن فهمه أو تبريره إلا برضى غربي مدفوع إسرائيلياً عن دوره المخرب للاستقرار والداعم للإرهاب في سوريا، وفي هذه القطبة المخفية ولكن المعروفة ضمناً تكمن كلمة السر في توقف مسار تطبيق تفاهمات أستانا بانتظار وضع ميداني جديد تبنى عليه نتائج سياسية متغيرة".
تعقيدات وتناقضات
بدوره اعتبر المحلل السياسي السوري فريد سعدون، أن الجولة الجديدة من مفاوضات أستانا لا تبحث عن حل سياسي للأزمة السورية، لكنها تتناول جزئيات محددة يمكن أن تساعد في إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، وخاصة أن الدول الثلاث إيران وتركيا وروسيا تتدخل بشكل مباشر وعلى الأرض في الأزمة السورية، سواء على الصعيد العسكري أو السياسي أو الاقتصادي أو التدخل في الجغرافيا السورية، كما هو الحال مع تركيا التي تحتل جزءًا كبيرًا من سوريا.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"،هذه الدول تتصادم مصالحها ضمن الأراضي السورية وعلى مستوى الشرق الأوسط، وعلى المستويات الثنائية، فالمصالح بين تركيا وروسيا تختلف عن المصالح بين روسيا وإيران، وهناك جملة من التعقيدات المتشابكة التي لا يمكن فصل بعضها عن بعض، وهذه التعقيدات تؤثر على أي حل، أو وضع مقترح لأي حل لأن الجميع يبحث عن مصالحه ضمن هذا الحل السياسي المأمول، المصالح متضاربة ومتباينة ومتناقضة لذلك لن تسمح هذه التناقضات للتوصل إلى حل سياسي.
دمشق تؤكد استعدادها المشاركة في اجتماع اللجنة الدستورية السورية عام 2022
وتابع: "علينا أن لا ننسى عن الطرف الآخر الأمريكي إلى الآن لا يشارك في مفاوضات أستانا وكأنه يغض عنه النظر ولا يبالي بمخرجاته، وما دامت أمريكا غير مشاركة بشكل مباشر فلن نتوقع أي حل سياسي من هذه الاجتماعات ولن يكون بمقدرونا أن نجد أي حل سياسي بعيدًا عن المشاركة الأمريكية".
وأكد سعدون أن الجولة الجديدة من المفاوضات ستركز على اللجنة الدستورية، والحديث عن اللجنة الدستورية بمعزل عن الحل السياسي أو وضع اللجنة الدستورية في أولويات الحل من دون التوصل إلى تفاهمات سياسية هي عبارة عن استهلاك للوقت تمامًا، لا يمكن بأي حال وضع دستور من دون أن يكون هناك تفاهمات أولية، قواسم مشتركة للتفاهم السياسي بين الأطراف المتصارعة على الأرض السورية، ومن دون وضع مبادئ أولية للتفاهمات السياسية لا يمكن بأي حال من الأحوال إنجاز الدستور.
واستطرد: "هذا الدستور الذي من المفترض أن هناك لجانا تعمل على كتابته هناك رؤى متناقضة لكتابته، الحكومة السورية لا ترى غير تغيير أو إصلاح بعض المواد الدستورية، بينما المعارضة ترى بأنها ستكتب دستورا جديدا، وهناك فارق شاسع بين الطرفين، لذلك لن يكون هناك دستور جديد لسوريا ولن تستطيع هذه اللجنة كتابة الدستور سواء اجتمعوا في أستانا أو غير أستانا، ما دام ليس هناك تفاهمات سياسية مسبقة".
ويرى المحلل السوري أن هذا الاجتماع سيكون مثل سابقيه، الجولات السابقة لم تفض لنتيجة، هذه أيضا لن تفضي لنتيجة لأن الأوضاع الآن لا تبشر بأن هناك حلا سياسيا خاصة أن النزاع والصراع والمشاكل الحادة في إدلب وشمال شرق سوريا والقصف بين تركيا والحكومة السورية، مشاكل قائمة وليس لها أي حل إلى الآن، وبالتالي تركيا ما دامت على خلاف مع الحكومة السورية لن تستطيع أن تكون طرفا في حل الأزمة السورية لأن هي أصلا إحدى أسباب هذه الأزمة.
وبدأت المحادثات وفق صيغة أستانا قبل 5 سنوات لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، تشارك فيها إيران وروسيا وتركيا. وحتى الآن، عُقدت 16 جولة من محادثات أستانا، كانت آخرها في منتصف شهر يوليو الماضي في العاصمة الكازاخية نور سلطان.
مناقشة